التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

ماهي الأسباب النفسية التي تدفعنا إلى القلق والخوف من المستقبل؟

 

 ما هي الأسباب العميقة وراء قلقنا اليومي؟ 


في بعض اللحظات ننتظر متى تأتي لحظة نهاية الأسبوع، من أجل أخذ الإجازة المنتظرة، ونحاول أن نكون وحدنا في مكان بعيد، لكن بعد مدة قصيرة نحس بالحنين إلى التواجد مع الغير، نخاف أن نبقى وحدنا، نسعى دائما إلى الحضور والتواجد مع الأخرين، نرسم صورة لذواتنا من خلال رؤية الأخرين لنا. الشيء الذي يدفعنا إلى طرح مجموعة من التساؤلات: لماذا نخاف أن نبقى وحدنا فترة دون مخالطة الناس؟  ولماذا تُرعبنا فكرة أننا مقبلون على شيء نجهله ولا نعرف عنه شيئا؟ لماذا نخاف من مواجهة الذات؟ لماذا نطلب تقدير الأخرين لنا؟

الإجابة مع علم النفس الوجودي

يرى عالم النفسي الأميركي إريك فروم، أن جذور القلق الإنساني وما يعانيه المرء من مشكلات ومخاوف في حياته اليومية ليس إلا مظهر لمجموعة من الأزمات النفسية الوجودية، التي يمكن إجمالها في القول التالي: الخوف من الحرية التي ينتج عنها شعور بالخوف من فقدان السيطرة على كل شيء، ثم الخوف من العزلة والإقصاء الاجتماعي، والخوف على الذات من الخواء وفقدان المعنى، وأخيرا الخوف من الموت والفناء، وهو الشكل الأكثر حضورا في حياتنا اليومية.

فقدان السيطرة يقودنا إلى القلق

خلافا لباقي المدارس النفسية، يرى رواد العلاج النفسي الوجودي أن جذور القلق الإنساني لا تكمُن في دوافع جنسية أو تشوهات معرفية، وحدها بل أيضا إلى  قلقنا الوجودي تجاه الموت، أي أننا نملك جسد سوف يفنى مع الوقت، لهذا نحرص على عدم الجلوس مع أنفسنا في الكثير من اللحظات خوفا من هذه الحالة النفسية التي تعترينا دون سابق إنذار.

وهكذا فكلما ابتعدنا عن رحم الأم، كنا أكثر عُرضة للهَلع، وفقدن الأمان، غير أنه يمكننا القول إنه هلع لا بد منه، إذ على المرء أن ينضج وأن يمارس حريته، لأن هذه الحالة تدفعنا إلى التفكير قبل الاقدام على أي فعل حتى لا نكون متهورين وغير قادرين على التحكم في ردود أفعالنا. لهذا نجد أن أكثر الأساليب شيوعا لحماية النفس هي الإسقاط النفسي على الأخرين لحماية الذات من القلق.

 فقد يلجأ المرء للتسويف، والتأجيل، لكي يتجنب اتخاذ قرار ما، أو قد يتظاهر المرء باللامبالاة حالَ عجزه عن القيام بفعل ما، أو قد يُشغلِ الإنسان نفسه بتصرفات غير متعلقة بالحدث الذي يقلقه، كمحاولته تشتيت وعيه من قلق الحرية عبر تطوير سلوك قهري أو وسواسي مثل: وسواس النظافة، وقد تجد طالبا يحاول أن يتهرب من المسؤولية تجاه أفعاله وتصرفاته، من خلال إسقاط مسؤوليته على والديه والمحيط الذي يعيش داخله. تسمى هذه العملية نوع من  إزاحة المسؤولية عما حدث في الماضي، هو عملية الإسقاط النفسي وتحميل الأخرين مسؤولية ما نعاني من ظروف وصعوبات.

البحث عن الذات: هنا تبدأ القصة

في كتابه "البحث عن الذات"، يلفت رولو ماي الذهن لالتفاتةٍ لطيفة أن الناس يتحدثون يوميا مع بعضهم بعضا حول الموضوعات نفسها، والأحاديث نفسها التي تحدثوا بها في الأمس، ورغم ذلك لا نمل لأنه لدينا دوافع نفسية تحفز النفس على التواصل مع الأخرين من أجل إدراك الذات.

تبدأ القصة عنما يدرك الطفل أنه مستقل عن أمه وعن العالم، وأنه لا يستطيع التماهي مع أي موجود أخر، لأنه في نهاية المطاف الأنا مستقلة عن العالم، والآخر ليس أنا، وأنا لست الآخر. يتسبب وعينا بهذه الفكرة بشعورنا بالوحدة والعزلة، مما يثير قلقنا الداخلي. نحس بمعنى العزلة عندما نتعرض للنفي، وعدم الاهتمام، نحس أننا غير مقبولين أو غير مرغوب فينا، في هذه اللحظة نقدم كل الوسائل من أجل تأكيد حضور الذات حتى لو كان ذلك الأمر باستعمال وسائل غير أخلاقية، تماما كطفل صغير يصرخ: "انظر إليّ.. انظر إليّ".

 القلق الوجودي من فكرة الموت

يعد الموت أكبر قلق وخوف يتهدد الإنسان، لأنه الكائن الوحيد الذي يدرك الموت عقليا، حيث يستهلك الفرد نفسه وطاقاته في الحياة كمحاولة لديه لإنكار الموت، كما قال فرويد توجد لدى الإنسان طاقتنا، طاقة تدميرية تتجلى في الموت وطاقة الحياة. 

ومن أجل مواجهة قلق الموت، يستخدم الأفراد إستراتيجيات عدة لتقليل وعيهم بقلق الموت، مثل اعتقاد الفرد بأنه ذو خصوصية وتميز من خلال القيام بأعمال غريبة واستثنائية ونادرة، مثل المخاطرة والعدوانية، وقد يستخدم إستراتيجيات أخرى مثل الانشغال الدائم كإدمان العمل، أو قد يتخفّف من هذا القلق كله عن طريق تجارب الانسحاب من الواقع والذهول عنه من خلال الإدمان على الحشيش والمخدرات التي تخفف من وعيه وإدراكه للعالم الذي يحيط به.

كيف نقاوم قلق فكرة الموت؟

مقاومة موت تتجلى في طاقة الحياة من خلال عيش الحياة في نوع من الهدوء والسكينة، إضافة إلى تحمل المسؤولية تجاه نفسك والمحيط الذي تعيش فيه. لأن الجهاز الحوفي لدى الإنسان يعمل على ضمان البقاء وحفظ النفس من القلق والموت، جميعنا نخاف الموت، لكن بعضنا أشد وعيا من بعض، وحتى أولئك الذين يبدون أنهم لا يخشونه إنما هم يدفنونه في لا وعيهم يُخيفنا كل ما يُهدِّد حياتنا، لكننا كبشر نختلف عن الحيوانات في أن الفص الجبهي (Frontal lobe) للقشرة الدماغية (Cerebral Cortex) لدينا يُمكِّننا من إدراك موتنا في أي وقت، لأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يدرك أنه سوف يموت.

 ولذلك تبحث الذات عن طرائق مختلفة من أجل تجاوز فكرة الموت، ويتم ذلك من خلال مجموعة من الأليات النفسية أهمها: الإنكار، الهرب، التسامي. يحدث الإنكار والهرب بالانشغال والتشتيت والتجاهل، ويحدث التسامي بالتركيز على حقيقتنا الرمزية والمعنوية، في حين نؤمن بأن الموت ليس النهاية إلا لحقيقتنا البيولوجية المادية، أما حقيقتنا الرمزية المعنوية فهي خالدة.

الذعر في العلاقات العاطفية والاجتماعية

على مستوى العلاقات العاطفية والاجتماعية، فهذا النوع من الخوف تحديدا يتسبب بالعديد من الإشكالات، إذ المرء نتيجة خوفه من العزلة، ونتيجةً لإدراكه أن وجوده منفصل جوهريا عن وجود باقي الكائنات، تتعاظم رغبته في التماهي مع الآخرين، أي البحث عن إلغاء المسافة الفاصلة بينه وبين الآخرين، فينهج في سلوكه التدخل المُفرط في حياة الآخرين. حيث ندخل في الكثير من الصراعات رغبة منا في التحكم في مصائر الناس وقراراتهم، خصوصا العلاقات العاطفية التي تحتاج من إلى التقدير والاحترام والبحث عن السبل التي تساعد في جعل الطرف الأخر يحس بك ويدرك وجودك حتى لو اقتضى الأمر استخدام العنق والقوة.

الذعر في الحياة اليومية:

في بعض اللحظات التي نكون فيها وحدنا نحاول إلهاء أنفسنا بأشياء تصرف عنا النظر عن فكرة التواجد مع الذات وأبسط تجليات هذا الخوف هو الإرباك الذي يصيب الإنسان حين يكون وحده، حيث يحاول كثير من الناس صرف انتباههم على ذواتهم عن طريق الإمساك بهواتفهم الذكية أو مشاهدة التلفاز، عوضَ أن يقضوا وقتا مع أنفسهم ويتأملوها بهدوء.  إذ يقر الكثير من العلماء أن هاته العملية التي نقوم بها هي حيلة دفاعية نفسية ضد شعورنا وإدراكنا لأنفسنا، كي لا نستحضر اشتياقنا مثلا لشخص ما، أو لكيلا يصير مطلوبا منا أن نصير أكثر حضورا بشخصيتنا الحقيقية، وهو أمر قلما نعرفه عن أنفسنا.

وبحسب فروم فالمشغولون مرعبون، الإنسان الذي يملأ الدنيا ضجيجا وصخبا حاذره. فهو في الغالب لا يملك جسارة تأمل نفسه في المرآة، والجلوس ساهما لساعات في مساءلة قُبح العالم أو جماله. وبلحظة خروجه من العمل يبدأ تفكيره بالتسكّع، والخروج مع الأصدقاء، والثرثرة فيما يُفيد وما لا يفيد. لا يتحمل بقاءه وحيدا، لا يمتلك شجاعة مواجهة القلق الذي يُستثار حال مواجهة ذاته.

كيف نجد المعنى لتجاوز حالة الذعر؟

إن الشعور بالفراغ والخواء الداخلي ما هو إلا نتيجة طبيعية لغياب المعنى الذاتي وفقدان المرء للغاية من وجوده بالأساس، لهذا فإن إجاد معنى للحياة و الصعوبات والتحديات التي نمر بها في الحياة يحمينا على المستوى النفسي من فقدان المعنى ويعطينا دفعة للحياة للاستمرارية وعدم التوقف.

يتجاوز الناس هذا الهلع والذعر في الأزمات عبر إستراتيجيتين رئيسيتين:

1- الإيمان برؤية جماعية: يتجاوز فيها الإنسان خوفه من فنائه بالموت من خلال تركيزه على الأفكار والرؤى الكبرى، مثل: الدين، الأمة، الوطن، الجماعة، القبيلة، كمحاولة للتخليد الرمزي من خلال نسبة ذواتنا إلى ما يبقى بعد موتنا.  وهكذا يتعاظم الحديث عن مدى تميز أمتنا أو وطننا ومدى خيريته ومدى حبنا وانتمائنا له، ومدى تماسكنا.

1-تقدير الذات: أي تأكيد الأفراد على أهميتهم الفردية والشخصية من خلال تعظيم الدور الذي كان يقوم به، محاولا أن يؤكد لنفسه وللموت أن هناك دورا مهما أفعله في هذه الحياة، وكأنها وسيلتنا لإقناع الموت باستثنائنا لأننا مهمّون لهذه الحياة. ومن الأمثلة على هذه الإستراتيجية ما يفعله الكثير من الأطباء والمهندسين وذوي التخصصات المختلفة في تأكيد أهمية دورهم في هذه الأزمة، وما يُملون به على الآخرين من تعليمات وخطوات لحمايتهم، وهو أمر مفيد بالطبع، إلى حد ما.

فوائد القلق في الحياة العملية:

استحضار الناس لفكرة الموت وقت الأزمات يجعلهم أكثر تركيزا واحترافا في مهنهم ووظائفه، فالسائق يصير أكثر احترافية أثناء القيادة، والرياضي يحرز نقاطا أعلى ونحوه. ويبدأ الناس في وقت الذعر في البحث عن إقامة علاقات جادة أكثر وأقرب وأعمق.

يمكن القول إذن أن القلق أم طبيعي لدى الإنسان، بل إنه يحمينا في الكثير من الأحيان من التهور والحفاظ على الحياة، لكن يجب أن يكون حاضرا في اللحظات التي تهدد وجودنا، وأن لا يكون سلوكا يوميا، وتصورا تجاه الحياة لأن هذا الأمر سوف يدمر عواطفنا ويمنعنا من النمو العاطفي والنفسي.


عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات