مجزوءة: السياسة
ماهي السياسة؟
تعتبر السياسة حقلا للممارسة الجماعية التي
تستند على مبادئ موجهة وعلاقات فعلية مما يقود إلى البحث عن المعايير التي قد
تتحكم في توجيه العلاقات داخل المجتمع من جهة، وعن المواقع التي تحدد فعليا تلك
العلاقات من جهة أخرى. وقد
عرفها الفلاسفة القدماء في الإغريق بأنها "علم أو فن تدبير المدينة
الدولة" أي تدبير شؤون المجتمع عن طريق سلطة يتم السعي إليها.
من هذه الزاوية يمكن التساؤل حول
الدولة باعتبارها مؤسسة قائمة فعليا، وفي نفس الوقت تستند على
مشروعية تمكنها من تنظيم المجتمع واحتكار العنف وتوجيهه.
كما يتيح هذا التناول التفكير في القيم
التي تؤسس المعايير والعلاقات الاجتماعية (الحق والعدالة)، ويمكن أن يتجلى هذا
التوتر بين المعيار والممارسة داخل حقل السياسة من خلال موضوعات يتم تناولها
بوصفها تعكس مظاهر الممارسة السيادية و أبعادها الأساسية.
الشيء
الذي يقودنا إلى طرح مجموعة من التساؤلات
ما الدولة؟ و ما غاياتها؟ من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ على ماذا تتأسس الدولة؟ ما طبيعة وجود العنف داخل الدولة؟ وما الغاية من ممارسة السلطة السياسية؟ هل تقوم الدولة على ممارسة العنف والاستبداد أم على الحق و العدالة أم عليهما معا؟ ما هو العنف؟ ما أشكاله و مظاهره؟ هل هناك عنف مشروع؟ وما دور العنف في التاريخ؟ ما هو الحق؟ ما هي العدالة؟ هل يمكن الحديث عن دولة الحق؟ وبأي معنى؟
مفهوم: الدولة
لكي يعيش الناس في مجتمع يسوده النظام
والاستقرار وتنتظم علاقات أفراده على أساس الحفاظ على المصلحة العامة التي
يتقاسمها الجميع، لابد من إنشاء كيان قانوني وسياسي وأخلاقي يمتلك السلطة والسيادة
التي تشمل الجميع، مهمته حفظ الأمن وضمان الحريات وتنظيم العلاقات بين الناس.
يتمثل في الدولة باعتبارها تنظيما
سياسيا ذو استقلال نسبي على الأقل، وظيفته تسيير وتدبير حياة المجتمع وضمان
اشتغاله على نحو منسجم، ويتجلى هذا التنظيم في عدد من المؤسسات الإدارية والقانونية
والسياسية والاقتصادية التي تتطابق مع متطلبات المجتمع. تنسب إليها وظيفة التنظيم
والتدبير والتسيير الشؤون العامة لمجموع مواطني بلد ما.
لأن "الإنسان مدني بطبعه"
كما صرح أرسطو في كتابه السياسة، فالإنسان يميل إلى الاجتماع بفطرته. مما يعني أن الاجتماع ضروري في حياة
الناس، لكن تطور المجتمع و تكاثر النسل، أي ارتفاع النمو الديموغرافي و ما تبعه من
تغيرات على المستوى المجتمعي من عمران و علاقات... أدى إلى البحث عن بديل للتعاقد
الفطري بين الناس في تكوين المجتمع إلى تعاقد مدني، قانوني ينظم من خلاله الناس
علاقة بعضهم البعض، علاقات تكفلها القوانين، و خضوع هؤلاء للدولة يعني تقاسمهم و
اشتراكهم في مجموعة من القوانين و العادات و القيم من خلال مؤسسات السلطة التي
تمارس على الأفراد نوعا من العنف الذي يتحول إلى إلزام مشروع من أجل خلق توازن
داخل المجتمع.
إذا كانت وظيفة الدولة واضحة من
الناحية النظرية فإنها واقعيا تلبسها مجموعة من الإشكالات نذكر منها: فما مشروعية الدولة؟ ومن أين تستمد هذه
المشروعية؟ وما الغاية من وجودها؟ ما طبيعة وجود العنف داخل الدولة؟ وما الغاية من
ممارسة السلطة السياسية؟ هل تقوم الدولة على ممارسة العنف والاستبداد أم على الحق والعدالة
أم عليهما معا؟