التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

المحور الثاني: الفهم والتفسير/ ذ. أيوب الوكيلي

 

المحور الثاني: الفهم والتفسير





الطرح الاشكالي:

 ما هو المنهج الملائم لدراسة الظواهر الإنسانية الفهم أم التفسير؟ وهل نبحث في الظواهر إنسانية عن المعاني والدلالات أم عن العلاقات والقوانين؟  فأي منهج إذن صالح لدراسة الظواهر الإنسانية، الفهم أم التفسير؟ هل يمكن تبني منهج التفسير من العلوم الطبيعية لدراسة الظاهرة الإنسانية أم أن خصوصية موضوع هذه الأخيرة يحتم عليها الاعتماد على منهج الفهم الخاص بها؟

 تصور"جيل غاستون غرانجي" :

يؤكد على أن العقل في العلوم الإنسانية يتأرجح بين قطبين معرفيين، هما الفهم والتفسير: التفسير يهدف إلى كشف العلاقات السببية الثابتة التي توجد بين الحوادث والظواهر، و استنتاج أن هذه الظواهر تنتج عنها، إنه كشف للعلاقات السببية الأولية المتواترة بين الحوادث، دون التساؤل عن علل تلك العلاقات، في حين يشكل الفهم منهجا صالحا لدراسة الظواهر الإنسانية، فهو نشاط عقلي يهدف إلى فهم الظواهر الإنسانية بطريقة حدسية تنقل لنا إحساسات وانفعالات وتقديرات الذات بشكل مباشر وبديهي وحدسي

فهل يمكن تفسير الظواهر الإنسانية أم يجب الاقتصار على فهمها فقط؟

يرى عالم الاجتماع دوركايهم أنه لدراسة الظاهرة الاجتماعية -باعتبارها ظوهر مستقلة عن الذوات الواعية، يجب تتبنى منهج التفسير (المنهج التجريبي) لما حقق من نتائج موضوعية في العلوم الطبيعية، لأن التفسير يعتمد على جملة من الخطوات المنهجية المستمدة من العلوم الدقيقة هدفه كشف العلاقات السببية الرابطة بين الظواهر، و تحليل و تعليل حدوث الظواهر بالاعتماد على ظواهر أخرى تحدث عنها اضطرارا، و كل تطبيق له في العلوم الإنسانية يقود إلى تشييئها و بالتالي إسقاط كل ما يتعلق بنظام الدلالات و النوايا و الغايات  و القيم، أي كل ما يكون الوجه الداخلي للفعل.

 وقد حاول دوركايهم تطبيق ذلك من خلال اشتغاله على ظاهرة الانتحار بتطبيق طريقة إحصائية استنتاجية، حيث بين وجود علاقة سببية بين الانتحار ودرجة اندماج الفرد في المجتمع أي كل ما قل التضامن بين أفراد المجتمع ارتفع معدل الانتحار.

إذن فإن التفسير هو الكشف عن وجود علاقة ثابتة بين ظاهرتين مختلفتين وهذا ما سعى إلى تطبيقه في ظاهرة الانتحار كما يمكن أن نطبقها في ظواهر اجتماعية مختلفة مثلا هناك علاقة بين ظاهرة الإجرام وظاهرة البطالة..  ومنه فإن عالم الاجتماع في هذا المنهج يحدد المشكلة، تم يصوغ الفروض الممكنة، تم يحدد المتغير المستقل والتابع، وبعد ذلك تحديد شروط التجربة، ليخلص في الأخير بتحديد وتصنيف العوامل المتحكمة في الظاهرة. لكن هل يمكن تحقيق الدقة التجريبية في الظواهر الاجتماعية مع وجود مجموعة من المتغيرات الخاصة والمتحكمة في كل مجتمع معني بالدراسة؟

المناقشة: القيمة الفلسفية

لكن الإنسان يتميز بالحرية، والحرية خصم عنيد لمبدأ الحتمية، فالحتمية هي أن نفس الشروط تحدث دوما نفس النتائج، حيث يكفي أن يغلي الماء في مائة درجة وفي شروط معينة، حتى نحكم بأنه متى تكررت هذه الشروط تكررت معها نفس النتائج.  لكن في العلوم الإنساني ليست هناك حتمية، حيث لا يمكن الحكم على كل من يتجول بالليل بكونه لص. لهذا نجد "برغسون" يقول: "إذا كانت الحتمية إذن لا تصدق في ميدان الظاهرات النفسية فلأن الأسباب نفسها عندما تعود إلى ساحة الشعور تتغير. فلا غرو إذا تغيرت النتائج". وهذا ما يضع صعوبة أمام منهج التفسير، عرضة للطعن والشك.  إلى أي حد يمكن أن يكون منهج التفسير أكثر ملائمة لدراسة الظواهر الإنسانية؟  و فكيف يمكن لذات معينة خضعت لتجربة اجتماعية معينة، و ثقافة معينة، و تربية معينة، و ذوق معين أن تحكم ذاتا أخرى دون أن يصطبغ هذا الحكم برواسب التجارب المختلفة المكونة لتلك الذات؟  و هل الفهم المباشر للظاهرة الإنسانية يكفي لتكوين نظرية علمية في العلوم الإنسانية؟

 

منهج الفهم كتأويل للظاهرة الإنسانية: "إن لطبيعة تفسر وأما حياة الروح فهي تفهم "ديلتاي

     يرى "دلتاي" أن الفرق بين موضوع العلوم الطبيعية وموضوع العلوم الإنسانية يفرض على هذه الأخيرة منهجا يلائم موضوعها. وهو المنهج القائم على الفهم الذي يدل عنده على: "السيرورة التي تعرف من خلالها ما هو جواني (باطني) اعتمادا على علامات ندركها من الخوارج بواسطة حواسنا". إذ يوجه بذلك نقدا مباشرا للتصور الوضعي الذي يفرغ الفرد من مقوماته الإنسانية بتبنيه منهج العلوم الطبيعية في دراسة الظواهر الإنسانية.

وبدل ذلك يؤسس دلتاي لبعد آخر في العلوم الإنسانية وهو البعد التأويلي القائم على منهج الفهم الذي له إمكانية مقاربة الواقع الإنساني الذي هو واقع تاريخي واجتماعي. لأن الإنسان كائن حر ومستقل يمتلك حرية الإرادة في قراراته وتصرفاته، لهذا نحتاج الانتباه إلى الدوافع الداخلية لسلوكه المرتبطة بالغايات والمقاصد التي تحركه.  ومنه فإنه يصعب دراسة الظواهر الإنسانية، من خلال منهج التفسير كما فعلت المدرسة الوضعية، لأنها تفرغ الإنسان من جوهره وخصوصيته النفسية والوجودية.

فإذا كان بإمكاننا دراسة الظاهرة الطبيعية دراسة تفسيرية، فإنه لا يمكن ذلك مع الظاهرة الإنسانية التي ينبغي أن تخضع لمنهج الفهم والتأويل. لأن المنهج التفهمي_التأويلي يقوم على إدراك المقاصد والنوايا والغايات التي تصاحب الفعل والتي تتحدد بالقيم التي توجه الفرد.  يقول ديلتاي: "إننا نفسر الطبيعة، ونفهم الظواهر الإنسانية".



عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات