التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

المحور الأول: الموضوعية في العلوم الإنسانية. ذ. أيوب الوكيلي

 


الطرح الاشكالي: 

يطرح مصطلح الموضوعية مشكلا أساسيا في العلوم الإنسانية نظرا لدلالاته وارتباطه بالعلوم الحقة. فهو يدل على استقلال نتائج التفكير والبحث والتفسير عن ذاتية الملاحظ أو المفكر، وذلك بفضل اتباع منهج منظم واستخدام لغة وأدوات دقيقة، وقابلية تلك النتائج للاختبار من طرف جميع الناس، مما يحيل إلى تقابل أساسي بين الموضوعية والذاتية في العلوم الإنسانية، الموضوعية التي حققتها العلوم الطبيعية/الحقة/ التجريبية/الدقيقة لطبيعة موضوعها والتعامل معه باعتباره شيئا، والذاتية التي ما فتئت تلاحق العلوم الإنسانية لخصوصية موضوعها عن العلوم الحقة.

الشيء الذي يقود إلى مجموعة من التساؤلات والاشكالات:


تحديدات مفاهيمية:

الموضوعية Objectivité: خاصية ما هو مستقل عن الذات، أي ما يشكل موضع حياد لا مجال فيه للأهواء والعواطف… وفي العلوم الطبيعية تكون الموضوعية هي نتيجة انفصال الذات الدارسة عن موضوع الدراسة.

الذاتية Subjectivité: خاصية ما هو متصل بالذات، أي ما يشكل موضع تدخل العاطفة والوعي.. وتأتي كمقابل للموضوعية. وفي العلوم الإنسانية تكون الذاتية هي نتيجة تدخل الذات الدارسة في موضوع الدراسة.

منهج التفسير Expliquer: هو الكشف عن العلاقات الثابتة بين مجموعة من الظواهر المختلفة من أجل استخلاص النتائج والقوانين، وهو منهج يرتبط بالعلوم الطبيعية مثلا هناك علاقة سببية بين ظاهرة تمدد المعادن والحرارة حيث أن العلاقة الثابتة(قانون) في ذلك هي أن كل المعادن تتمدد بفعل الحرارة.

منهج الفهم Comprendre: وهو ذلك الفعل التأويلي لظواهر الإنسانية كما عبر عن ذلك ماكس فيبر. وهو منهج يرتبط بالعلوم الإنسانية، ويقوم هذا المنهج على مبدأ أساسي هو أن كل فعل إنساني له غايات ومقاصد الذي وجب أن تفهم وتأول في سياقات ومرجعيات معينة. مثلا فالإجرام يتدخل فيه مجموعة من العوامل اجتماعية، نفسية، اقتصادية…

خصائص الظاهرة الإنسانية: 

إذا كانت الظاهرة الإنسانية: هي ما يكون موضوعها الإنسان إما في بعده الاجتماعي أو النفسي أو التاريخي، وتعدد هذه الأبعاد هو ما يجعل الظاهرة الإنسانية تتميز بخصائص منها: واعية، معقدة، متغيرة، صعوبة التنبؤ بها فهل في ضل هذا التعدد والتعقيد يمكن موضعة الظاهرة الإنسانية وتحقيق الموضوعية بدراستها كشيء مثلها مثل الظاهرة الطبيعية أم أن تدخل الذات يحول دون تحقيق  ذلك؟

إمكانية موضعة الظاهرة الإنسانية مع التصور الوضعي Positivismeأوغست كونت وإميل دوركايم

يرى أجست كونت أن عصر الفلسفة قد انتهى وهذا ما يؤكد عليه في قانون الحالات الثلاث: المرحلة اللاهوتية والمرحلة الميتافيزيقية والمرحلة الثالثة هي التي تعلن عن انتهاء عصر الفلسفة وسيطرة التفسير الوضعي العلمي.

حيث يدعو إلى دراسة الظواهر الإنسانية كأشياء (كل ما يجري بدون إرادتنا أو تدخلنا) أي اعتبارها كموضوعات طبيعية مستقلة وخارجة عن ذواتا قصد دراستها بنوع من الحياد من أجل بلوغ الموضوعية كما في العلوم الطبيعية، أي إمكانية موضعة الظاهرة الإنسانية ودراستها كموضوع طبيعي، لبلوغ الموضوعية.

يمكن إدخال هذا التفسير إلى ميدان العلوم الإنسانية، وبهذه الطريقة تأخذ هذه العلوم طريقها نحو الاستقلال التام عن الفلسفة وتتجه نحو تحقيق الموضوعية عن طريق استخدام المنهج الديكارتي وتطبيقه على الظواهر الإنسانية.  وتطبيق هذا المنهج لا يتأتى إلا بموضعة هذه الظواهر بإخراج الفعل الإنساني عن الذات الفاعلة وفصلها عن تجربتها المعاشة وجعله قابلا للملاحظة الخارجية والتجريب والقياس والتكرار.

 روني بوفريس: صعوبة موضعة الظاهرة الإنسانية:


أرادت العلوم الإنسانية أن تحذو حذو العلوم الحقة وتستقل بذاتها، وهذا ما دافع عنه العلماء الوضعيون. لكن المماثلة التي يقيمها الوضعيون بين العلوم الإنسانية والعلوم الحقة لا تحل مشكلة قضية الموضوعية نظرا لما تطرحه من مشاكل تتجلى في اختلاف طبيعة الموضوع المدروس في كل منهما. لأن المواضيع المادية تقبل الملاحظة والتجربة والقياس، في حين الظاهرة الإنسانية تنفلت ن كل تحديد لاتصافها بالحرية والوعي.

وهذا ما يجعل مطلب الموضوعية مستحيل التحقق حتى لو طبقنا مناهج العلوم الدقيقة لأنه يفقد الظواهر الإنسانية معناها وغناها ويبقي على مظاهر أولية وهياكل فارغة، وبالتالي لا يقودنا إلى معرفة ما كنا نود معرفته.

تركيب:

قد أثير الكثير حول إشكالية الموضوعية والذاتية في العلوم الإنسانية، وذلك مما تتصف به هذه الأخيرة من خصوصيات تتجلى في أن الإنسان –بلغة مجازية- هو القاضي والمتهم في نفس الوقت، هذا ما يجعل من النتائج المحصلة في هذه العلوم تنعت بالذاتية أو قل العاطفية أو في بعض الأحيان بالإيديولوجية، الشيء الذي أدى إلى الكثير من النقاش حول مسألة استعار منهج العلوم الحقة، لكن ألا يمكن اعتبار أن الموضوعية في العلوم الإنسانية هي من نوع جديد تبنى أساسا من تداخل الذات والموضوع

عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات