مفهوم المرحلة في علم النفس النمائي
إن علماء النفس الذين قاموا بملاحظة الأطفال وتتبع نموهم، كانوا يعتنون بدقة بتسجيل الأيام والشهور والسنوات والتغيرات التي ترافق ذلك، وكلما تجمعت لدى الملاحظين للسلوك عبر طريقة الملاحظة الطولية أو المستعرضة مجموعة من البيانات إلا ولجئوا إلى ترتيها وتصنيفها والمقارنة بين مختلف الأطفال وهذا ما جعلهم يقدمون لوائح بوقائع النمو وظواهره حسب مرحلة أو فترة زمنية يجتازها الطفل، على أساس أن هناك خصائص وأنشطة وسلوكيات تميز كل مرحلة.
* وجود مراحل لا يعني فقرات متقطعة ومنفصلة عن بعضها فالنمو هو سلسلة متلاحمة الحلقات.
* استخدام مفهوم المراحل هو استخدام منهجي ووظيفي والمقصود به مجموعة من مظاهر السلوك التي تميز سنا معينا.
* المرحلة ليست وحدة متجانسة فبدايتها تختلف عن وسطها مثلما تختلف عن نهايتها.
تعريف علم نفس النمو
تهتم سيكولوجيا النمو بدراسة وتتبع مراحل النمو الفكرية والوجدانية والحسية الحركية، عند الكائن البشري بهدف تحديد خصائص هذه المراحل وآلياتها المتنوعة التي توجه وتحدد مختلف السلوكيات التي تصدر عن هذا الكائن. والنمو هو الزيادة في التعقيد وتنظيم العمليات والبناء من الميلاد إلى الوفاة وذلك نتيجة كل من النضج والتعلم.
و النمو حسب منظور بياجي : " تطور موجه من قبل احتياجات داخلية للتوازن يتسم بنزوع العضوية نحو التكيف مع عالم الناس والأشياء مع البيئة الاجتماعية والمادية ".
إن النمو النفسي - باعتباره علما ودراسة - يسعى إلى تحقيق هدفين رئيسين :
1- وصف سلوك الطفل في كل مرحلة من مراحل حياته.
2- معرفة أسباب التغيرات التي تطرأ على السلوك في مختلف مراحل النمو التي يجتازها الإنسان .
نظريات النمو:
النموذج النظري أداة منهجية لشرح وتفسير الظواهر والعلاقات
القائمة بينها ولكل نموذج جهازه المفاهيمي ومبادئ تفسيرية توضح العلاقة بين
الظواهر والمتغيرات. وتعتبر النظرية مرحلة أخيرة في تحليل المعطيات المتعلقة بمجال
معين وهي تقوم بوظيفة اختصار مختلف المراحل والمعطيات التي مر منها البحث العلمي
في تفسير ظاهرة معينة.
كما تقوم بإنشاء
أنساق تفسيرية أو شبه تفسيرية بكيفية ملتحمة ونسقية، ويمكن اعتبار نظرية التحليل
النفسي سواء مع فرويد أو في بعده الاجتماعي مع إريكسون وكذا النظرية التكوينية مع
جان بياجي، من أهم النظريات التي قاربت النمو وحددت مراحله وأغنت البحث السيكولوجي
متجاوزة ظاهرة النمو إلى الأبستمولوجيا والتربية والعلاج النفسي .
أ – نظرية التحليل النفسي ( فرويد) :
نظرية يغلب عليها الطابع البيولوجي. فالطفل حسب فرويد يولد
وهو مزود بطاقة غريزية قوامها الجنس والعدوان وهي ما أطلق عليه اسم " اللبيدو
" وهذه الطاقة تدخل في صدام مع المجتمع، وعلى أساس شكل الصراع ونتيجته تتحدد
صورة الشخصية في المستقبل. إن النضج البيولوجي هو الذي ينقل الطفل من مرحلة إلى
أخرى. لكن طبيعة المواقف التي يمر بها هي التي تحدد النتاج السيكولوجي لهذه المراحل،
ومدى انتظام سير الطاقة في خطها المرسوم أو تعثرها وتخلفها.
مراحل
النمو النفسي عند فرويد
1-المرحلة الفمية: ويمكن تقسيمها إلى طورين:
-المرحلة
الفمية: وتشمل العام الأول من حياة الطفل الذي يأخذ لذته من المص لأن الإشباع
النموذجي في هذه المرحلة هو مص ثدي الأم وفي غيابه يضع الرضيع أصبعه كبديل لثدي
الأم ، إنها مرحلة الإدماج المبنية على الأخذ .
-المرحلة
العضية: لأن اللذة هذه المرة تكون من خلال العض وذلك بسبب التوتر الناتج من
عملية التسنين. وأول ما يعض هو ثدي الأم وبسحبها له يعاني الطفل أول إحباط أو عقاب
ويدخل لأول مرة في الصراع النفسي والمتمثل في الرغبة في العض والخوف من غضب الأم
وعقابها. فالطفل يحب ويكره الموضوع ( الشخص ) الواحد في نفس الوقت . حسب ما يناله
من إشباع أو إحباط من طرفه.
2-المرحلة
الشرجية: وتشمل العام الثالث حسب تنقل منطقة الإشباع
الشهوي من الفم إلى الشرج ويأخذ الطفل لذته من تهيج الغشاء الداخلي لفتحة الشرج
عند عملية الإخراج ويمكن أن يعبر الطفل عن موقفه أو اتجاهه إزاء الآخرين بالاحتفاظ
بالبراز أو تفريغه في الوقت أو المكان غير المناسبين، والطابع السائد للسلوك في
هذه المرحلة هو العطاء ويغلب على مشاعر الطفل المشاعر الثنائية أيضا كما في
المرحلة السابقة.
3-المرحلة
القضيبية: تشمل العامين الرابع والخامس ينتقل فيها مركز
الإشباع من الشرج إلى الأعضاء التناسلية . ويحصل الطفل عن لذته من اللعب بأعضائه التناسلية.
إنها مرحلة عقدة أوديب حيث يميل الطفل الذكر إلى أمه وينظر إلى أبيه كمنافس له في
حب الأم. وتميل الطفلة الأنثى إلى الأب وتشعر بالغيرة من الأم. في الظروف الطبيعية
ينتهي الموقف الأوديبي بتوحد الطفل مع والده من نفس الجنس، ويتخذه نموذجا ويبدأ في
تشرب قيمه الثقافية. وإذا حدث ما يعرقل سير النمو فإن علاقة الطفل ( الذكر ) بأمه
تظل قوية وتتعطل عملية التوحد بأبيه أو تضطرب علاقة الطفل بوالديه معا مما يترتب
عنه اضطرابات في الشخصية أو السلوك فيما بعد.
4-مرحلة الكمون: بتصفية مركب أوديب والتوحد مع الوالدين نفس الجنس
يدخل الطفل في مرحلة ينصرف فيها عن ذاته إلى الانشغال بمن حوله وبما حوله – مرحلة
تمتد من سن السادسة حتى حدوث البلوغ إنها مرحلة تقدم كبير في النمو العقلي
والانفعالي والاجتماعي ... يكون الطفل فيها حريصا على الامتثال لأوامر الكبار
ونواهيهم للحصول على رضاهم وتقديرهم. إنها مرحلة هدوء من الناحية الانفعالية.
5--
مرحلة الجنسية الراشدة: حيث تأخذ الميول الجنسية الشكل النهائي لها. أي
حصول الفرد السوي على لذته من الاتصال الجنسي الطبيعي من فرد من الجنس الآخر
ويتكامل في هذا الاتصال الميول الفمية والشرجية لبلورة الجنسية السوية.
باختصار شديد النمو السوي هو تحصيل الإشباع المناسب لكل مرحلة
نمائية. أما إذا تعطلت مسيرة النمو فقد ينتج عن ذلك إما التثبيت وهو عدم القدرة
على تجاوز المرحلة إلى التي تليها، أو النكوص وهو الرجوع إلى مرحلة سابقة لعدم
القدرة على مواجهة المرحلة الجديدة.
مراحل النمو المعرفي عند بياجي
1 - المرحلة الحسية الحركية ( من صفر إلى سنتين ) :
يلاحظ أن الرضيع يمارس نشاطا حسيا حركيا، يتكون من خلال
عمليتي الاستيعاب والتلاؤم مع مقتضيات المحيط. أي أن العمليات الحسية والحركية هي
صلة الوصل بين الذات والمحيط أثناء الاحتكاك بينهما. وهي مرحلة ضرورية في بناء
وتكوين البنيات الذهنية للمرحلة اللاحقة. بمعنى آخر يتوجب على الطفل أن يقوم
بتنفيذ مجموعة من الأفعال الواقعية قبل أن يجعلها موضع تفكير. ولعل ما يميز أيضا
هذه المرحلة هو ذلك التمركز حول الذات. فبالنسبة لطفل هذه المرحلة لا وجود لمكان
أو أشياء مستقلة عن ذاته، فكل المواضيع هي عبارة عن سلسلة من الأماكن غير المنسجمة
والمتمركزة حول ذاته.
وقبل
سن العامين يستطيع معظم الأطفال أن يستخدموا خططا اكتسبوها لكي يندمجوا في سلوك
المحاولة والخطأ العقلي والجسمي .
2 - مرحلة ما قبل العمليات ( 2 - 7 سنوات ) :
يتمركز تفكير الأطفال في سن ما قبل التمدرس على اكتساب الرموز
(الكلمات التي تتيح لهم الإفادة من الخبرة الماضية بدرجة أكبر وتسمح لهم بتمثل Représenter بشيء بواسطة شيء آخر . إنها الوظيفة الرمزية والتي تجعل التفكير
ممكنا لدى الطفل. وتنعث هذه المرحلة أيضا بمرحلة الذكاء الحدسي لأن الطفل يصدر
أحكاما أو يقوم بأفعال غالبا ما تأخذ بعين الاعتبار بعدا واحدا للموضوع وتغفل
أبعادا أخرى.
3 - مرحلة العمليات المشخصة (7 - 12 سنة ) :
إن الأطفال التي تزيد أعمارهم عن سبع سنوات يقدرون على قلب
الأفعال عقليا، لكن تفكيرهم العملياتي محدود بالأشياء الماثلة فعلا في الحاضر
والتي يخبرونها على نحو عياني ومباشر، لذلك سميت بمرحلة العمليات العيانية ويمكن
توضيح طبيعتها باكتساب الطفل لأنواع مختلفة من العمليات العقلية كالترتيب والتصنيف
Sériation والانعكاسية Reversibilité والعلاقات والأعداد. لكن في ارتباطها بما هو عيني ومشخص. ولم يرق
تفكيرهم بعد إلى التعامل مع الفرضيات أو حل المشكلات بالتعميم والنقل من موقف لآخر
أو استنتاج العلاقات النسبية بين الأشياء ولن يتأتى للطفل ذلك إلا حوالي نهاية
المرحلة الابتدائية.
4 - مرحلة العمليات الصورية ( حوالي 12 فما فوق ) :
ما يميز هذه المرحلة هو قدرة الطفل على التخلص من المحسوس أو
العياني Concret
وإخضاعه إلى مختلف التغيرات الممكنة. إن المراهق يصبح قادرا على التعامل مع
الفرضيات والاستدلال عبر قضايا لغوية دونما حاجة إلى ارتباطها بما هو واقعي. إن
هذه المرحلة تشكل بداية التفكير الفرضي الاستنباطي والقدرة على اتخاذ القرارات
بطريقة الاستقراء والاستنباط ومعالجة المشكلات بشكل منظم ونسقي. والتفكير في
الأشياء واستحضار صور ذهنية عن طريق تصور حوادث لم يسبق أن واجهها والتفكير في
بدائل تتجاوز الواقع.
مراحل النمو الاجتماعي عند إريكسون
1- مرحلة الثقة مقابل عدم الثقة: من الميلاد حتى السنة الثانية:
إن
الاتجاه النفسي الاجتماعي الذي على الوليد تعلمه في هذه المرحلة هو الثقة في
العالم. وينمي هذه الثقة الاستمرارية في إشباع حاجاته الأساسية عن طريق الوالدين.
أما إذا كانت الرعاية الوالدية قاصرة وغير منسقة أو سلبية فإن الطفل سوف يتعامل مع
العالم بخوف وشك وينمي لديه الاعتقاد بأن العالم غير أمن ولا يمكن الثقة به.
2-مرحلة الاستقلال مقابل الشك (السنة الثالثة):
على أطفال هذه المرحلة أن يحققوا قدرا من الاستقلال. فإذا
أتيح لهم الحب وشجعوا على أن يعملوا ما يقدرون عليه بطريقتهم وتحت إشراف الوالدين
أو المربين فإنهم ينمون إحساسا بالاستقلال الذاتي. أما إذا قام المربون بالأعمال
نيابة عن الطفل فإنهم يشككونه في قدرته على التعامل مع البيئة لذا يجب الابتعاد عن
كل ما بإمكانه إخجال الطفل وتشكيكه في ذاته .
3-مرحلة المبادرة مقابل الخجل 4 - 5 سنوات) :
إذا أتيح لطفل الرابعة والخامسة الحرية للاكتشاف والارتياد
والتجريب وإذا تعامل المربون مع أسئلته بشكل إيجابي، فإنهم ينمون لديه اتجاها
إيجابيا نحو المبادرة. أما إذا كان التعامل مع أنشطته سلبيا فسينمي لديه الشعور
بالإثم في كل ما يفعل على نحو مستقل.
4-الاجتهاد مقابل النقص ( 6 - 12 سنة ) :
بالتحاق الطفل بالمدرسة يسيطر على سلوكه حب الاستطلاع والأداء
إنه يتعلم كيف يحصل على التقدير عبر اجتهاده ونجاحه في الأداء، والخطر في هذه
المرحلة أن نخبر الطفل مشاعر النقص والدونية عن طريق إحباطه ومعاملة جهوده
باعتبارها مضايقة أو فاشلة.
5-الهوية مقابل تميع الهوية ( 12 - 18 ) :
الهدف في هذه المرحلة، تنمية الهوية والاستقلال عن الوالدين
وتحقيق النضج الجسمي. والخطر الذي يتعرض له الشاب في هذه هو الخلط في الدور وخاصة
التشكيك في الهوية الجنسية والمهنية.
6- مرحلة الألفة مقابل العزلة (18 - 35 سنة ) :
لكي يخبر الفرد نموا مشبعا ومرضيا في هذه المرحلة فإنه يحتاج
إلى تكوين علاقة حميمية بشخص من الجنس الآخر. والإخفاق في هذا العمل يؤدي إلى
الإحساس بالعزلة.
7- مرحلة الإنتاج مقابل الركود (35) - 60 سنة) :
إنها
مرحلة اهتمام الفرد بإرشاد وتوجيه الجيل القادم وترسيخ أقدامه والذين يعجزون عن
الاندماج في عملية التوجيه، يصبحون ضحايا التقوقع داخل الذات والركود.