النظرية المعرفية (théorie cognitive)
نشأت النظرية المعرفية في منتصف القرن 20، كرد
فعل ضد النظرية السلوكية التي هيمنت لسنوات على البحوث والدراسات التربوية
والنفسية في مجال نظريات التعلم، سواء على مستوى الموضوع أو المنهج باعتماد نظريات
علم النفس المعرفي في دراسة التعلم باعتباره حصيلة التفاعل بين الاستراتيجيات
المعرفية والتمثلات وكذا البناء التدريجي للمعلومات والمعارف.
من هنا وجد التجديد البيداغوجي، المتمثل في مقاربة التدريس بالكفايات، أسسه النظرية في علم النفس المعرفي، بفضل إسهامات باحثين ينتمون إلى هذا الحقل العلمي، خاصة في مجال نظريات التعلم. ومن أبرز الباحثين في إطار النظرية المعرفية نجد روبير غانيي (Robert Gagné) الذي شيد نظرية في المعلومة؛ وجاك طارديف (Jacques Tardif) الذي قدم نموذجا للتعلم يتأسس على أهمية الاكتساب التدريجي والفعال للإستراتيجيات المعرفية؛ ودافيد بول أوزوبل (David Paul Ausubel) الذي أولى أهمية للبنيات المعرفية وأشكال نقل المعارف.
موضوع ومنهج النظرية المعرفية:
انتقلت نظريات التعلم من دراسة السلوك الخارجي القابل
للملاحظة والقياس باعتماد المنهج التجريبي إلى دراسة الأنشطة العقلية الداخلية بواسطة
منهج الاستبطان. فإذا كانت
النظرية السلوكية تعتبر التعلم هو "تعديل السلوك من خلال الخبرة"
والاستجابة لمثيرات في المحيط الخارجي، فإن النظرية المعرفية قدمت دلالة جديدة
لمفهوم "التعلم"، بحيث أصبح يفيد "تعديل المعرفة من خلال
الخبرة".
وهذا يعتبر تغييرا جذريا على مستوى موضوع التعلم بصفة خاصة وعلم النفس بشكل عام، حيث الانتقال من دراسة السلوك إلى دراسة المعرفة. هكذا بدأ علم النفس المعرفي يهتم بدراسة الأنشطة العقلية الباطنية للفرد كالانتباه والفهم ومعالجة المعلومات وتخزينها في الذاكرة وتمثلها والقدرة على استرجاعها واستخدامها من خلال توظيف الذكاء واللغة وبناء الاستراتيجيات المعرفية وأساليب التعلم والتفاعل مع المحيط الخارجي [1].
خصائص التعلم في النظرية المعرفية
يتسم التعلم، من منظور النظرية المعرفية، بالخصائص الآتية:
- التعلم تفاعل دينامي مستمر ومتبادل بين الفرد والمحيط، يؤدي إلى
تكيف الفرد مع وسطه الاجتماعي.
- التعلم هو تعديل للمعرفة بدل تعديل السلوك، بفعل السيرورة الداخلية
التي تحدث في ذهن المتعلم.
- يرتكز التعلم على فعالية المتعلم (قدرة المتعلم على توظيف العقل في
اكتساب المعرفة).
- يقتضي التعلم استحضار تمثلات المتعلمين واستراتيجياتهم المعرفية
(المكتسبات السابقة).
- يفترض التعلم بوصفه نشاطا
ذهنيا عمليات الإدراك والفهم والاستنباط.....
- ليس التعلم فقط تراكما للمعارف، بل تنظيما لها في بنيات معرفية
(فئات، خطاطات، نماذج ذهنية...)؛
التوظيف البيداغوجي لنظرية التعلم المعرفية:
أهمية التمثلاث القبلية لدى المتعلمين :
تفترض نظرية التعلم المعرفية أن المتعلم لديه مكتسبات معرفية سابقة يمكن توظيفها في بناء معارف جديدة، وليس عقلا فارغا. فاستحضار تلك المكتسبات يُشرك المتعلمين في بناء تعلماتهم، بدل التلقي السلبي لمعارف جاهزة [2]. هذه المكتسبات السابقة للمتعلمين يتم التعامل معها كتمثلات قبلية (تصورات، مفاهيم، أفكار، قناعات...) قد تساهم أو تعرقل سيرورة بناء التعلمات، مما يستلزم استحضارها ومناقشتها قصد تعزيزها أو تعديلها أو تجاوزها... في علاقة مع المعارف المراد إكسابها للمتعلمين [3].
بهذا المعنى تظهر أهمية
اشراك المتعلمين في بناء المعرفة والتصورات الفكرية من أجل الوصول معارف واضحة
يستطيع المتعلمين تحويلها إلى مهارات.
البناء التدريجي للمعارف:
البناء التدريجي للمعارف
يتم من خلال معالجة المعلومات التي يحصل عليها الفرد في تفاعل مع وسطه الاجتماعي [4].
أي
إخضاع المعرفة لعمليات الانتقاء والتحليل والتفكيك والتركيب، ثم البحث في العلاقات
المنطقية الداخلية للعناصر.
بهذا المعنى تكون المعرفة متدرج ومتواصل وليست معطاة بشكل تلقيني. بمعنى أن المتعلم لا يستنسخ المعرفة الجاهزة بل يكتسبها بواسطة قدراته الذهنية كالتفكير والإدراك والتذكر، هذا البناء المنظم للمعارف يساهم في فهمها وترسيخها في الذاكرة وسهولة استرجاعها واستثمارها من قبل المتعلمين [5]. وهذا ما ينمي لديهم الفاعلية التي تتجلى في قدرتهم على المشاركة والمبادرة والإنتاج والإبداع، بدل أن يكونوا وعاء سلبي لا يستطيع التفاعل مع معطيات المعرفة والتعلم المستمر.
الاستراتيجيات المعرفية للمتعلم:
تدرس النظرية
المعرفية الكفايات المعرفية للمتعلمين وتكشف عن إستراتيجيات اكتسابهم لها:
- يطور المتعلم إستراتيجياته في التعلم تتسم بالفعالية والإنتاجية
والاقتصاد في الجهد والوقت والمال؛
- يختار المتعلم إستراتيجياته في استحضار مكتسباته المعرفية السابقة من أجل
اكتساب معارف جديدة، بشكل يساعده على حل مشكلات معرفية في إطار وضعيات في سياق
تفاعله مع المحيط الاجتماعي؛
- يستخدم المتعلم إستراتيجياته الخاصة في مختلف مراحل التعلم، بدءا من
التلقي ثم المعالجة ثم التخزين ثم الاحتفاظ ثم الاسترجاع وأخيرا الاستثمار؛
- يوظف المتعلم إستراتيجيته في تجريب العديد من الإستراتيجيات في التعلم، بدل الاكتفاء بإستراتيجية واحدة [6].
1]عبد الكريم بلحاج، علم النفس المعرفي، قضايا النشأة والمفهوم، مجلة فكر ونقد، عدد 68، 2005، ص ص 56 - 63.
[2]العربي اسليماني، التواصل التربوي، مدخل لجودة التربية والتعليم، منشورات مجلة علوم التربية، 2005، ص13.
[3]
Tardif Jacques. Pour un enseignement stratégique. Ll’apport de la
psychologie cognitive, Les éditions logiques - Ecoles, Montréal,1992, p.39.
[4]عبد الكريم بلحاج، علم النفس بالمغرب بين المعرفة والممارسة، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، 2005، ص121.
[5]
Abderrahim Harouchi, La pédagogie des Compétences : Guide des
enseignants et des formateurs, Ed. Le Fennec, Casablanca, 2000, p.134.
[6]
Tardif, op.cit.p.46.