بيداغوجيا
الخطأ (Pédagogie de l'erreur)
كان الخطأ ولا يزال في البيداغوجيا التقليدية يعتبر مؤشرا
سلبيا يدل على الفشل والتعثر الدراسيين. فيتم معاقبة المتعلمين بدرجات متفاوتة حسب
نوعية الخطأ ونتائجه. وتحميلهم المسؤولية الكاملة عن أخطائهم؛ إذ تُفسَّر هذه
الأخطاء غالبا بغياب الحافزية والتركيز وضعف الذاكرة، مما يعمق لدى المتعلمين
الإحساسَ بالفشل، مما أدى إلى الهدر المدرسي.
في حين أن البيداغوجيات الحديثة لها موقف إيجابي من الخطأ، لدرجة أمكننا الحديث عن "بيداغوجيا
الخطأ" بوصفها بيداغوجيا نشيطة، تركز على فاعلية المتعلم في بناء
تعلماته، انطلاقا مما لديه من معارف وخبرات، حتى لو كانت مكتسباته السابقة خاطئة.
لهذا يعتبر الخطأ عاملا من عوامل التعلم، ومكونا من مكونات الوضعية الديداكتيكية، لهذا اعتبر هذا الأخير سلوكا تربويا بسيطا ومألوفا، وأحيانا مفيدا ومثمرا، فهو أساس التعلم والاكتساب، لهذا يقال عادة "من الخطأ نتعلم".
تعريف بيداغوجيا الخطأ:
يعرف أندري
لالاند "الخطأ" بأنه "حالة ذهنية أو فعل عقلي يَعْتَبِر الصواب خطأ، والخطأ صوابا".[1] وفي
المجال البيداغوجي يعتبر "الخطأ" مؤشرا دالا على وجود صعوبات في التعلم،
يستلزم تذليلها. فيتحول هذا الخطأ إلى منطلق للتعلم.
على خلاف البيداغوجيات التقليدية التي تنظر إلى
الخطأ بوصفه علامة على الفشل الدراسي أو سلوكا ينبغي تجنبه وإبعاده. في حين ترى
المقاربة الإبستمولوجية أن التعلم ينطلق من معارف سابقة تَبين خطؤها فيتم تصحيحها
لبناء معرفة جديدة، استرشادا بموقف الإبستمولوجي غاستون باشلار القائل بأن "تاريخ
العلم هو تاريخ أخطاء العلم"[2]،
ويفهم من هذه القولة الشهيرة أن الخطأ ليس مجرد تعثر، بل هو أداة لتطور المعرفة، لهذا
يعتبر الخطأ في المنظور البنائي شرطا للتعلم.
وهكذا نستنتج أن بيداغوجيا الخطأ بمثابة "تصور ومنهج لعملية التعليم والتعلم يقوم على اعتبار الخطأ إستراتيجية للتعليم والتعلم، فهو إستراتيجية للتعليم لأن الوضعيات الديداكتيكية تعد وتنظم في ضوء المسار الذي يقطعه المتعلم لاكتساب المعرفة أو بنائها من خلال بحثه، وما يمكن أن يتخلل هذا البحث من أخطاء؛ وهو إستراتيجية للتعلم لأنه يعتبر الخطأ أمرا طبيعيا وإيجابيا يترجم سعي المتعلم للوصول إلى المعرفة."[3].
لهذا تُصنف بيداغوجيا الخطأ ضمن
المقاربات البيداغوجية النشيطة التي تؤكد على مركزية المتعلم في بناء تعلماته، وهي تساعده في تشخيص أخطائه ووصفها وتفسيرها، وتبيان طرائق معالجتها،
في سياق سيرورة التعلم والاكتساب.
أنواع الأخطاء البيداغوجية:
* أخطاء مرتبطة بالمتعلم:
- أخطاء عشوائية (Erreurs aléatoires) وعابرة، راجعة للسهو وعدم
الانتباه أو التركيز...
- أخطاء منتظمة (Erreurs systématiques) تتكرر لوجود عائق أو عوائق تحول دون تصحيحها.
* أخطاء مرتبطة بجماعة القسم:
- أخطاء منعزلة (Erreurs isolées) يرتكبها بعض المتعلمين فرادى بعد استفادتهم
من تعلمات موحدة؛
- أخطاء دالة
(Erreurs significatives) تمس
فئة عريضة من المتعلمين مما يؤشر على وجود خلل في العملية التعليمية – التعلمية
ككل؛
* أخطاء مرتبطة بالمدرس:
- أخطاء المهام (Erreurs de tâches) نتيجة سوء إنجاز المهمة البيداغوجية والديداكتيكية.
أسس بيداغوجيا الخطأ:
ترتكز "بيداغوجيا الخطأ" على الأسس الآتية:
- الخطأ ظاهرة طبيعية وإنسانية (عادية ومألوفة لا يمكن
تفاديها...)؛
- الخطأ متعدد الأبعاد (معرفية، عضوية،
بيداغوجية، سيكولوجية، اجتماعية...)؛
- الخطأ حق من حقوق المتعلم (من حق المتعلم
أن يخطئ).
-
الخطأ بناء للتعلم (يرتكب المتعلم
أخطاء، وبتصحيحها يتحقق التعلم)؛
- الخطأ أداة للتقييم (تشخيص الأخطاء
ووصفها وتفسيرها مؤشر على مستوى التحصيل الدراسي)؛
- الخطأ أداة للمعالجة والدعم (الخطأ
يدفع المدرس إلى تصحيح الأخطاء ومعالجتها ودعم التعلمات)
أهداف بيداغوجيا الخطأ:
-
أهداف تعليمية - تعلمية: الخطأ وسيلة
للتعلم، فهو يدل المتعلم على تعثراته...فيعمل على تجاوزها.
- أهداف ديداكتيكية: الخطأ وسيلة للمدرس من أجل تصحيح ممارسته المهنية تخطيطا وتدبيرا
وتقييما.
- أهداف تقييمية: يقوم الخطأ بدور مهم في تقييم أداء المتعلم، بتبيان مظاهر قوته وضعفه، والحكم عليه.
- أهداف إصلاحية: يقوم الخطأ بوظيفة علاجية عن طريق
برنامج الدعم والمعالجة.
- أهداف توجيهية: يساعد الخطأ المدرس على توجيه المتعلم التوجيه الملائم.
التوظيف الديداكتيكي لبيداغوجيا الخطأ:
يقتضي التوظيف
الديداكتيكي لبيداغوجيا الخطأ إتباع الخطوات الآتية:
- الانطلاق من
التقويم التشخيصي
- الكشف عن
مواطن القوة والضعف في التحصيل الدراسي لدى المتعلمين
- رصد الأخطاء في إنتاجات
المتعلمين (إشعارهم بحدوث الخطأ أو دفعهم إلى اكتشاف أخطائهم بأنفسهم).
- تشخيص الخطأ
ووصفه وتفسيره (البحث عن أسبابه).
- تصنيف الأخطاء
(إلى معرفية، منهجية، لغوية، شكلية...).
- التركيز على
الأخطاء الشائعة وذات الأولوية (تتحدد أولويتها في علاقتها بالتعلمات الأساسية
واللاحقة).
- مساعدة
المتعلم على التقويم الذاتي والتقويم المتبادل بينه وبين باقي المتعلمين؛
- وضع خطة
لمعالجة الخطأ ودعم التعلمات...
[1]
Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, op.cit.
p.297.