يرى فرويد أن الشخصية الإنسانية عبارة عن بنية مترابطة العناصر، وكل عنصر منها يقوم بدور أساسي في بناء الشخصية، بحيث لا يمكن الاستغناء عن كل عنصر منها. وهذه العناصر كما حددها فرويد هي (الهو، الأنا، والأنا الأعلى)
حيث يمثل الهو الجانب اللاشعوري في الإنسان أو الحياة الأعمق في الشخصية الإنسانية، أي مجموع الغرائز البيولوجية المتأصلة في الإنسان.
والأنا يمثل الجانب الشعوري في الشخصية، حيث يؤدي دورا مركزيا في المحافظة على توازن الشخصية ويحد من تسلط الهو والأنا الأعلى.
أما الأنا الأعلى يمثل الجانب المثالي في الشخصية، يتشكل بواسطة احتكاك الطفل بوالديه والمجتمع.
مستعملا مجموعة من الميكانيزمات والآليات التي يتوفر عليها، فهو يفرغ مكبوتات الهو إما بطرق واقعية أو بطرق ملتوية كفلتات، وزلات القلم، والإبداع... ويمتثل لمتطلبات الأنا الأعلى الذي يمارس عليه الرقابة ويسلط عليه مشاعر الدونية والذنب بعدم الاستجابة لمتطلباته.
عندما تكون في حالة طبيعيّة لا يمسسها التهديد ولا التحريض، سيضمن لك اللاوعي الخاصّ بك سلامة استقرارك الداخليّ وفق خطّة مُحكمة يتفاعل داخل أنظمتها كلٌّ من الهو والأنا العليا في تناغمٍ وانسجام مدروسين.
لكن إذا دخل الإنسان في حالة قلق أو إحساس بخطر يقع ضحية مجموعة من الحيل النفسية الدفاعية. تحاول أن تحمينا من وراء محاولات درء المشاعر المؤلمة التي تجتاح أعماقنا، ومناورات صدّ الأفكار التي تدور في أدمغتنا.
لأن تربة الحياة التي يمر منها الإنسان تحتوي على الكثير من التجارب والصدمات غير المتوقّعة التي قد تفوق استيعابنا وتحملنا العقلي.
هنا تدخل أليات الدفاع النفسي من أجل حمايتنا من الجنون والمرض النفسي، ينسجها ويحيكها اللاوعي في أن تقلّل من شعورنا بعدم الراحة وتخفف من وطأة تهديد سلامنا الداخلي؟
ماهي آليات الدفاع النفسي؟
من أجل أن تخلق النفس حالة من التوازن بين الأبعاد النفسية والاجتماعية، تحتاج إلى جملة من استراتيجيات غير واعية تحمي الناس من الأفكار أو المشاعر المقلقة، والتهديدات المتكررة لتقدير الذات والكثير من الأشياء التي لا يريدون التفكير فيها أو التعامل معها.
هذا الأمر شبيه بجهاز المناعة الذي يكافح من أجل مكافحة أنواع الأمراض التي تجتاح الجسد. ومن المحتمل أن تكون آليات الدفاع النفسية مماثلة له في المبدأ تعمل على سلامة وراحتنا النفسية.
هذه النظرية أول من سكها هو المحلل النفسي سيغموند فرويد، وتطور مرور الوقت مع الوقوف على حقيقة أنّ جميع السلوكيات التي تندرج تحت لوائها لا تخضع لسيطرة الشخص الواعية، إنما يتحكم فيها اللاشعور الذي يحدد مجمل الحياة النفسية لدى الإنسان.
هذه الاليات تساعد النفس في خلق حالة التوزان، حتى لا يصاب الشخص بالجنون، كما أنها تحدث في معظم المواقف الحياتية التي قد نمر بها على المستوى النفس والاجتماعي، بهذا المعنى نفهم الجانب النفسي.
الكبت Repression
يعمل الجانب اللاوعي في العقل الإنساني على كبث المشاعر والذكريات المؤلمة أو المعتقدات غير المنطقية التي تجول داخل كيانك أن تزعجك، وبدلًا من مواجهتها ستختار دون وعي منك إخفاءها على أمل نسيانها تمامًا.
لكن في حقيقة الأمر يقر فرويد أننا لا يمكن أن ننسى الذكريات، لأنها تخزن في منطقة اللاشعور وتبحث عن مساحات معين من أجل أن تعاود الظهور في الأحلام وزلات اللسان وغيرها
إذن فإن اتباع هذه الاستراتيجيات المؤقتة لقمع تلك الأفكار التي لا ترغب باختبارها سيؤثّر على علاقاتك المستقبلية، كما سيلعب دورا في تشويه واقعك وقدرتك على استعادة ذكرياتك، لتقع ضحية الأمراض العصابية والاختلالات الوظيفية التي لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
التبرير Rationalization
قد تلجأ في بعض الأحيان إلى شرح السلوكيات أو المشاعر التي لا ترغب بالاعتراف بها، وذلك من خلال مجموعة من التفسيرات الخاصة بك والتي تبدو منطقية باعتقادك. سيتيح لك ذلك الشعور بالراحة تجاه اختيارك، حتّى لو كنت تعلم أنّه ليس صحيحًا على مستوى آخر.
كثيرا ما تصادف هذه الوسيلة الدفاعية في العيادات النفسية عند مناقشة المشاكل الأسرية بعد الطلاق، إذ يحاول الرجل إقناع نفسه أن زوجته السابقة لم تكن تلبي معاييره أو أنّ انفصاله عنها هدية من السماء حتى يتمكن من السفر والتمتع بالحياة أكثر فأكثر.
هذه الطريقة وسيلة نفسية من أجل حماية الذات من تجربة مشاعر الإحساس بالذنب أو التوبيخ أو الفراق.... أو أن طالبا كان يسعى إلى الذهاب إلى مكان ما لكنه سرعان ما وجد نفسه، غير مقبول يحاول أن يقنع نفسه أنه سعيد ومقتنع بتخصّص آخر أقل تنافسية وذو فرص ومجالات عمل أغنى مستقبليًا.
الإسقاط: Projection
معظم الناس يحسون أنهم لا يحبون الكثير من الأشياء والسلوكيات التي يقمون بها، الشيء الذي يخلق نوع من التوتر النفسي، الشيء الذي يتطلب نوع من الأليات الدفاعية التي تقدمها النفس من أجل الإحساس بنوع من الراحة والاستقرار.
وذلك من خلال اتهام الناس بأنهم يقومون بتلك السلوكيات، مثلا شخص لديه مرض الكذب قد يتهم الناس أنهم أصبحوا أكثر كذبا اليوم..... لهذا نحتاج إلى فهم هذه الالية المنتشر داخل المجتمع، وستحتاج إلى الاعتراف بوجود تلك السلوكيات داخلك، بدلًا من محاولة إلقائها على الطرف الآخر.
يمكن القول أن هذه الألية تعد من أكثر الوسائل الخداعية التي نستخدمها في الحياة الاجتماعية. حيث أظهرت الدراسات أن الأطفال هم الأكثر ميلا لاستخدامه كآلية دفاع في مرحلة المراهقة المبكرة، ومن أكثر مظاهر الإسقاط في حياتنا اليومية، مظاهر التنمر المنتشرة بين الأطفال والبالغين في المدارس والأماكن العامة، والتي تجنب المتنمر الاعتراف بالنقص الموجود داخله.
الإزاحة : Displacement
حينما لا نستطيع أن نعالج المشكلة في مكانها الصحيح، مثلا نوجهها إلى أبعاد أخرى، مثلا قد يقع لك مشكل في العمل والشركة مع المدير فلا تستطيع مواجهته، لأنه أقوى منك على مستوى المكانة المهنية، الشيء الذي يدفعك إلى تحويل الغضب إلى الجانب الجزء الأضعف فقد يصب نار غضبه زوجته أو على الأطفال، حيث أنه حينما يعود إلى المنزل يسقط ذلك الشعور على عائلته أو أصدقائه......
التعويض: Compensation:
عندما يعاني الشخص من ضعف أو نقص في مجال ما، يدفعه ذلك إلى التعويض في مجالات أخرى، إمّا بوعي أو بغير وعي منه. فقد يبذل جهودًا كبيرة للتعويض بطرق إيجابية، ممّا قد يؤدي إلى تحقيقه نجاحًا هائلًا، ولكن من المحتمل أيضًا أن تنتهي محاولات التعويض بعواقب سلبية. ومن جهة أخرى إذا شعرنا بعدم الأمان تجاه مظهرنا وجاذبيتنا الجسدية، قد نلجأ إلى مظاهر التبذير والإسراف والتفاخر بالمقتنيات المادية كمحاولةٍ للتعويض اللاواعي، لأننا نحتاج ونبحث عن التقدير بدرجات متفاوت ومختلفة.
النكوص :Regression
هذا الأسلوب تقوم به النفس من أجل الدفاع عن نفسها من الجنون، يتمثل في رجوع الفرد لمرحلة مبكرة من التطور النفسي أو الجسدي بدل مواجهة الموقف بشكل مناسب لعمره، لأن تلك المرحلة تعتبر أكثر أمانا وأقل مطالبة بمواجهة مواقف الحياة.
إذ أن الكبث يظهر في أي مرحلة من مراحل التطور عند كل من البالغين والأطفال عندما يتصرفون بطريقة غير ناضجة أو غير ملائمة بالنسبة لأعمارهم، لكن النكوص هو أن يعود شخص كبير إلى مرحلة الطفولة والانطواء على نفسه عندما يواجه صعوبة لا يستطيع مواجهتها.
و غالبا ما يكون استجابة مؤقتة للتوتر الذي لن يتطور إلى مشاكل أكبر، فقد يكون الفرد في كثير من الحالات غير مدرك أن سلوكه ارتدادي، على الرغم من أن عدم نضج أفعاله قد يكون واضحا للعالم الخارجي. سيستلزم ذلك إخبار الشخص أن سلوكه طفولي بشكل غير معهود أو غير مناسب لعمره، بغية تعرفه عليه وتحديد كيفية الاستجابة لكل ما يسبب له الضيق بطريقة أكثر نضجا.
الإنكار: Denial
في بعض الأحيان نحاول أن ننكر الظروف والواقع الذي نعيش فيه، الشيء الذي يحول دون نجاح أفكارنا وتصوراتنا حول الحياة، الشيء الذي يقود إلى ظهور جملة من الحيلة الدفاعية أسقطها اللاوعي ، حيث تعمل على تقليص مخاوفنا وقلقنا.
حيث نستجيب لها برفض إدراك تلك المواقف أو بإنكار وقوعها من الأساس. من أشهر الأمثلة على ذلك، رفض تقبل خسارة مشروع خاص بك أو فقد شخص عزيز عليك، كما يمكن أن يحدث لدى المدمنين الذين لا يعترفون بمشكلة الإدمان مع الادعاء المستمر بقدرتهم على إيقاف التعاطي عندما يريدون ذلك.