مجزوءة الفاعلية والإبداع مفهوم التقنية والعلم

 

تقديـــم المجزوءة الفاعلية والإبداع

مدخل إشكالي:

إذا كان الإنسان كائنا واعيا وراغبا واجتماعيا بطبعه، فهو أيضا كائن فاعل وصانع ومبدع. وتتجلى فاعليته الإبداعية على مستوى الطبيعة من خلال سعيه الدائم إلى رسم ذاتيته عليها، والعمل على تغييرها للاستفادة من طاقاتها من خلال ما يخترعه من آلات تقنية.

حيث ظهرت أهمية التفكير العلمي، لدى الإنسان حينما تواصل مع الطبيعة، لذلك كان في حاجة إلى تسخير ثرواتها لصالحه، اعتمادا على فاعليته وإبداعه، بحيث انتقل الإنسان من صناعته الأدوات والتقنيات البسيطة إلى   قدرته على غزو الفضاء، والتوصل إلى التكنولوجيا المتطورة ذات التقنية العالية. وبذلك شق الطريق نحو اكتشافها ومعرفة الأسرار التي بها يمكنه السيطرة عليها والتحكم فيها، بل ترويضا أيضا.  

الشيء الذي مكن الإنسان من تطوير جملة في الفعاليات والإبداعات على مر التاريخ:

التقنية والعلم:

وقد منحت الاكتشافات العلمية قفزة نوعية للحضارة الإنسانية وذلك   بفضل التطور التقني والاختراعات الجديدة والآلات الحديثة والثورات العلمية التي نقلت الإنسان نحو أنظمة جديدة، كان أولها اختراع الكتابة والمطبعة، ثم توالت هذه الأخيرة إلى أن وصلت حدود الاكتشافات الحديثة والمعاصرة.

كما أن الانفجار المعلوماتي نتيجة انتشار الأقمار الصناعية وغزو الفضاء، إن هذه الابداعات جعلت الانسان يملك قوة وفاعلية، تعززت بالعلم والتقنية نحو تحقيق الاكتمال، وقد منحته قدرة أكبر على الفهم والسيطرة، بتوالي النظريات والقوانين والثورات العلمية المتراكمة، وتقدم العلوم التجريبية والنظرية.

هذه النتائج التي خلفها العلم منحت للإنسان ثقة غير محدودة في العلم، ففتح أمامه إمكانات كبرى معقدة لم يكن يستطيع القيام بها كالتحويل والتعديل والتخزين والاحتفاظ، هذه العمليات التي كانت تتطلب فيما سبق مجهودا فيزيائيا طبيعيا، أصبح للألة دور مهم في القيام به بفضل شكل، هذا يعني أنه لم يعد يتطلب ذلك سوى فهم القوانين التي تمنح للإنسان إمكانية التحكم بكبسة زر.  من هذا المنطلق كانت أصبح العلم والتقنية من أعظم إنجازات العقل الإنساني.

وهذا ما يطرح أسئلة المصير والقلق الوجودي، بسبب التداعيات السلبية على البيئة والانسان وتحول كل شيء إلى جوهر مادي رياضي مكمل، يتخلله خوف وقلق وجودي على المصير الإنساني وقيمة الحياة.  خاصة أمام عالم يسير بسرعة نحو المجهول التقني، عالم لا يفكر إلا في التقنية دون جوهر الإنسان. إنها أزمة أخلاقية وبيئية وقيمية تستحضر الوجود المشترك، ناهيك عن استنزاف الموارد الطبيعية.

 إن رؤية الانسان للعالم لا تكتمل إلا بفاعلية إنسانية تستمد استمراريتها وقوتها من هذا التطورات العلمية والتقنية، التي تلاحق ساهمت في تغيير القيم والأسس في المجتمعات الرأسمالية والليبرالية أو المجتمعات ما بعد الصناعية.

الشغل:

هذا وقد ارتبط مفهوم الإنسان ككائن اجتماعي بمفهوم الشغل، من حيث كونه ممارسة خاصة بالإنسان، لارتباطه بالعقل المخطط والمدبر،  وأضحى فيه الشغل والعمل ركيزة الانسان لتأمين حاجاته في العيش، بعد أن كانت تقدمها له الطبيعة هبة، فهذه التحولات العميقة في البنية الاجتماعية الاقتصادية للمجتمع ما بعد الصناعي، وتطور الأنماط الاقتصادية وأشكال العمل رافقت أيضا بروز الهيمنة والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي على وضع الأفراد والجماعات التي أصبحت محددة لسمات الشغل الذي يرتبط بالمجهود العضلي الشاق، في تناقض تام مع مقومات التحرر.

الفن:

 و من خلال حرصه على الفن والابداع في أشكال من التطلعات للتعبير عن أفكار مجردة تخاطب الذوق والجمال تسعى إلى تهذيب الإنسان، وتربيته على الجمال كخير أعظم، هذا ما يطرح أمامنا أصل العمل الفني، والأبعاد التي يقوم عليها وعلاقة ذلك بالواقع ومقومات الحكم الجمالي. حيث عمل الإنسان على الرقي بالجانب الثقافي والجمالي، مجسدا ذلك في الفن الذي يمثل نشاطا إبداعيا يهدف إلى إنتاج أعمال تسعى إلى تحقيق مثال الجمال، ورقي الإنسان على المستوى الأدبي والجمالي.

هكذا فالإنسان يسعى من خلال كل هذه الأشكال الإبداعية إلى تجاوز حالات النقص التي تميز وجوده، كما يسعى من خلال ذلك إلى إبراز قدراته وتأكيد ذاته سواء في علاقته بالطبيعة أو مع الآخرين.

أهم الإشكالات التي تطرحها المجزوءة:

•       بأي معنى تتحدد التقنية كخاصية إنسانية؟ ما العلاقة التي تربط بين العلم والتقنية؟ ما التحولات التي أحدثها تطور التقنية على المجتمعات؟ ما الانعكاسات والتداعيات التي تصاحب تطور التقنية على مصير إنسان والعالم؟

•       ما الذي يجعل من الشغل خاصية إنسانية؟ كيف يؤثر تقسيم العمل على التنظيم الاجتماعي؟ كيف يساهم تقسيم العمل في تماسك المجتمع؟ هل الشغل عامل تحرر وإبداع أو استلاب وخضوع؟

•       كيف نحدد العمل الفني؟ بأي معنى يكون عمل ما أثرا فنيا؟ ما الأساس الذي يقوم عليه الحكم الجمالي؟ ومن أين يستمد الجمال قيمته؟ هل الفن محاكاة للوقع وتشبيه له أم أنه إبداع حر له خصائص ترتبط به؟