مدخل الإشكالي:
يعتبر الإنسان
كائنا صانعا مثلما أنه كائن مفكر، والبعد التقني قديم عند الإنسان مثله مثل البعد
النظري والمعرفي. وقد ارتبطت التقنية بالعلم ارتباطا وثيقا بحيث يصعب الفصل
بينهما، لأن النظريات العلمية تؤدي إلى اختراعات وآلات تقنية، كما أن هذه الآلات
نفسها تساهم في تطور الممارسة والمعرفة العلمية.
حيث يرتبط وجود
الإنسان بقدرته على تحويل الطبيعة، وتطوير حضوره فيها وتعزيزه، وذلك بفضل التقنية
والعلم، بحيث استطاع الإنسان أن يرسم لنفسه مسارا تصاعديا لم يشهد أي شكل من أشكال التراجع، وحوّل ما كان يعتبر مستحيلا إلى ممكن، استطاع غزو الفضاء، وتمكن من
التحكم في الجينات.
وقد عرفت التقنية بفضل التطورات النوعية التي عرفها تاريخ العلم منذ بداية العصر الحديث تقدما هائلا، وانتشرت انتشارا واسعا في كل أرجاء الكون مما جعلها تحدث الكثير من الأضرار، سواء على مستوى المجال الطبيعي أو على مستوى المجال الأخلاقي والثقافي للإنسان.
يمكن إذا أن نتصور فارقا بين طبيعة
"التقنية" وطبيعة "العلم".
ففي الواقع لا يتطور العلم إلا بفضل
تقدم الأدوات التقنية، والحقيقة أنهما يتفاعلان. ودراسة مختلف أنواع التقنيات تدعى
التكنولوجيا. يتبين أن هذا التعريف لا يحصر التقنية في الآلات فقط، بل يوسع من
دائرتها لتشمل حتى الجانب الحرفي اليدوي.
أما المفهوم الثاني المكون للعنوان "العلم science"
يتبين من هذا التعريف أن العلم يرتبط
بالمعارف النظرية، كما قد يدل على المهارات العملية وحتى التقنية، وهو ما يبين
غياب حدود فاصلة بشكل قطعي بين العلم والتقنية، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل عن
علاقتهما:
الشيء الذي يدفعنا إلى طرح جملة من التساؤلات:
• هل التقنية خاصية إنسانية؟ فكيف تتحدد علاقة التقنية
بالطبيعة؟ وبأي معنى تبسط التقنية سلطتها على الطبيعة؟
• و ما
علاقة التقنية بالعلم؟ وهل التقنية تطبيقا عمليا للعلم باعتباره جانبا نظريا، أي
أنها مجرد امتداد تطبيقي له أم أن تقدم العلم نتاج لتقدم التقنية ذاتها؟
• وهل
تقتصر التقنية على الآلات والأدوات أم أنها طريقة في الوجود واستراتيجيات للحفاظ
على الحياة؟ وسواء كانت آلات وأدوات أو استراتيجيات تهدف حفظ الحياة، فهي هي خاصية
إنسانية فقط أم تتجاوز البعد الإنساني لتحضر حتى عند الحيوان؟
• هل
التقدم التقني تقدما ايجابيا أم سلبيا؟
بمعنى، هل تنطوي التقنية على أبعاد ايجابية أم تحمل في طياتها سلبيات يتوجب
علينا الحذر منها؟
•
هل لتسخيرها لصالح الإنسان أم للسيادة
والسيطرة عليها؟ ما ميزة التقنية الإنسانية؟ وما وجه ارتباطها بالعلم؟ وهل شكل هذا
الارتباط نقطة قوة للإنسان؟ أم أنه يتجه بالإنسانية إلى مستقبل غامض؟