التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

المحور الثاني: الفرد والمجتمع

 




   التأطير الإشكالي:

يقول الروائي الفرنسي بالزاك أن "العزلة أمر جيد ولكنك تحتاج شخصا لتخبره أن العزلة أمر جيد"، بهذا المعنى فإن الإنسان كائن اجتماعية بالضرورة، ولذلك، فيمكن القول، إنه رغم اختلاف الفلاسفة والمفكرين حول الأساس الذي يقوم عليه الاجتماع البشري، وحول ما يدفع الإنسان إلى الاجتماع.

 غير أنهم يتفقون على أن المجتمع أم ضروري ومهم لا يمكن التخلي عنه أو تجاوزه، فالمجتمع بيت الإنسان، وفيه يستطيع تطوير قدراته العقلية، وتوسيع أفكاره، في المجتمع تسمو النفس وتنبل العواطف، كما قال الفيلسوف الفرنسي جون جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي.

 الشيء الذي يدفعنا إلى طرح جملة من التساؤلات النقدية: ما طبيعة العلاقة القائمة بين  الفرد والمجتمع؟ هل الفرد ذات مستقلة عن المجتمع وعن إكراهاته واشتراطاته أم أنه ذات  خاضعة لبنياته ومؤسساته؟

تحليل نص: نروبرت إلياس

يرى  الفيلسوف إلياس أن الطريقة التي يسلكها الأفراد في حياتهم، ما هي إلا نتاج التنشئة الاجتماعية والترويض الذي خضعت لهما طبيعتها، لكن هذا لا يعني أن الفرد هو مجرد موضوع سلبي يخضع لتأثير المجتمع، بل بالعكس فالفرد دور وازن في طبع المجتمع بسماته الخاصة.

 ولتوضيح هذا الأمر يشبه النص علاقة الفرد بالمجتمع بالعملة النقدية، بحيث يكون الفرد هو العملة المطبوعة والآلة الطابعة في نفس الوقت، لأحد البعدين أهمية على حساب الآخر، لكن هذا لا يمنع الحضور القوي للبعد الآخر.

كما يؤكد نوربرت إلياس على أن علاقة الفرد بالمجتمع علاقة جدلية، علاقة تأثير وتأثر، انطلق من الحوارات التي دارت بين مجموعة من المفكرين حول علاقة الفرد بالمجتمع، ليخلص إلا أن هناك موقفين متناقضين متقابلين، الأول يؤكد أن "كل شيء يرجع إلى المجتمع"، وأن الأفراد المنعزلين هم من يؤثرون في المجتمع، وأنه حتى إذا افترضنا أن فعل الفرد مشروط اجتماعيا، فما ذلك إلا بسبب تأثرهم بأفراد آخرين، ومعنى كل ذلك هو أن الفرد أساس المجتمع وأنه هو الذي يؤثر فيه.

 أما الموقف الثاني، فيذهب إلى عكس ما ذهب إليه الموقف الأول، حيث يرى أن "كل شيء يرجع للمجتمع"، وأن جميع قرارات الأفراد مشروطة بشروط اجتماعية، وكذلك بالنسبة لإرادة الأفراد، ومضمون هذا القول إن الأفراد يظلون خاضعين للمجتمع وإشراطاته.

 لكن نوربرت إلياس لا يرى أن الفرد يبقى خاضعا فقط، كما أنه لا يرى أنه يبقى مجرد موضوع سلبي خاضع لتأثيرات المجتمع وإشراطاته، بل يؤكد أن الفرد هو الآخر يؤثر في المجتمع ويطبعه بطابعه الشخصي. 

 يتبين من تحليل مضمون النص أن العلاقة بين الفرد والمجتمع هي علاقة تكامل ووحدة، إنهما وجهان لبنية واحدة، لكن هل يمكن القبول بهذا التصور كحل الإشكالية العلاقة بين الفرد والمجتمع؟ 

مضمون القول إن كل إنسان يحتاج إلى الانتماء للجماعة لا يمكن أن نعيش وحدنا بمعزل عن الأخرين. بهذا المعنى لا يمكن النظر إلى الفرد والمجتمع كجوهرين متمايزين ومختلفين، أي أن المجتمع يوجد خارج الفرد، والفرد منعزل عن المجتمع. بل إن الفرد والمجتمع وجهين لعملة واحدة.

المناقشة القيمة الفلسفية للنص:

إذا كان نوربرت إلياس يرى أن علاقة الفرد بالمجتمع علاقة جدلية، وقف عند أهمية كل منهما وتأثيره في الآخر. 

بهذا المعنى فإن علاقة المجتمع بالفرد تقوم على التداخل والتبادل بحيث لا يمكن أن يستقل أحدهما عن الطرف الأخر. لكن، إذا كان الفرد خاضعا للمجتمع ولتأثيراته، ولو بنسبة من النسب، فهذا يجعل منه فردا غير مسؤول عن أفعاله واختياراته، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: أليس الفرد كائنا مستقلا بكيانه وحريته؟

موقف آلان رونو: علاقة الفرد بالمجتمع:

يذهب آلان رونو إلى القول إن الفرد لم يُنظر إليه ككائن مستقل ولم يُنظر إليه باعتباره منبع تمثلاته وتصوراته، إلا في العصر الحديث، حيث اعتبر الفرد بمثابة مبدأ وقيمة أساسية، وهو ما يصطلح عليه بالنزعة الفردية، التي تقوم على فكرة أساسية  و هي الحرية.

 هذا المبدأ الذي ابتدعه ومجده المحدثون بداية مع النزعة الإنسانية التي انتصرت للإنسان ونظرة إليه كذات حرة وله الحق في اختيار وجوده الخاص، أو بداية مع الفلسفة الديكارتية التي أعلنت أن الحقيقة الأساسية هي حقيقة الذات، وخاصة الذات المفكرة…أصبحت الذات حرة تمتلك الاستقلالية النابعة من فكرة الذات المفكرة.

غير أن تصور الفلسفة الحديثة أو العصر الحديث عموما للإنسان بما هو فرد حر للفرد لم يبلغ ذروته إلا مع الفيلسوف إيمانويل كانط، الذي جعل الميزة الأساسية للإنسان هي الإرادة الحرة، وجعله يتصرف وفق منطق الواجب الذي يمليه العقل، باعتباره أرقى ما يملكه الإنسان في هذه الحياة.

 يراهن النص على أن الحرية هي جوهر الحياة الإنسانية، لكن، إذا عدنا إلى التحليل النفسي، وإلى ما أكد عليه بعض علماء الاجتماع كإيميل دوركايم، فيمكن تفنيد أطروحة الحرية، فالفرد ليس حرا حتى في عقر منزله الخاص كما قال سيغموند فرويد، كما أن كل الواجبات التي نقوم بها (الواجب كأخ، الواجب كمواطن، الواجب كزوج…) ليست إلا إملاءات المجتمع، ولا نقوم بها إلا خضوعا لسلطته.

موقف أنتوني غيدانز A.Giddens :

        يخضع الفرد منذ ولادته لتنشئة اجتماعية تخلق منه كائنا ملائما للحياة المشتركة، فتحدد له أنماط السلوك واللغة والأفعال المباحة والممنوعة والواجبة. فيتعرض الفرد لتنشئة أولية في فترتي الرضاعة والطفولة، تتولاها الأسرة، تمده خلالها بالثقافة السائدة، وتنشئة ثانوية عندما يوسع دائرة معارفه.

غير أن الفرد لا يكون مجرد متلقٍ سلبي لهذه التنشئة، فلا يتعرض لبرمجة ثقافية تقصي تأثيره، بل إنه أيضا يؤثر فيمن يتولون تربيته من خلال ميولاته ورغباته الشخصية، التي تفرض عليهم تغيير سلوكياتهم.

خلاصة تركيبية:

خاتمة القول إن علاقة الفرد بالمجتمع لعلاقة ملتبسة، علاقة غير واضحة المعالم، ولعل الذي يجعلها كذلك هو هذه العلاقة الجدلية التي تؤس لعلاقة الفرد بالمجتمع. فالفرد من جهة يستطيع التأثير في المجتمع، عبر إرادته وقراراته واختياراته، لكنه من جهة ثانية يخضع لتأثير المجتمع، لمؤسساته وأنظمته، لإشراطاته وإكراهاته.

 وهكذا يمكن القول، أن علاقة الفرد بالمجتمع ليس بالعلاقة الأحادية الجانب، بل هي علاقة ذات وجهين، أو لنقل ذات بعدين، بعد فردي ذاتي، يكون فيه الفرد هو سيد ذاته، عبر وعيه وإرادته واختياراته، وبعد اجتماعي، يكون فيه الفرد خاضعا للمجتمع ولإملاءاته ولسلطته، لنجد أنفسنا أمام إشكال فلسفي آخر، يمكن أن نعبر عنه استفهاميا كالآتي: بأي معنى يمارس المجتمع سلطته على الأفراد؟

ويمكننا أن نخلص انطلاقا من الاختلاف الذي لاحظناه بين موقفي الفلاسفة أن الفرد وإن كان يساهم بهذا القدر أو ذاك في بناء النظام الاجتماعي وتطويره، إلا أنه يفقد بالتدريج خصوصياته خلال التنشئة الاجتماعية، فيخضع لضوابط تنتهي به إلى فقدان خصوصياته والاضطرار إلى التشبه بالآخرين. فهل يعبر هذا عن سلطة يمارسها المجتمع؟



عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات