التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

مفهوم : المجتمع الأولى باك فلسفة

 



مدخل إشكالي:

يشير المجتمع في دلالته الفلسفية إلى "مجموعة من الأفراد يرتبطون بعلاقات منظمة ومصالح متبادلة".  فهل يمكننا الحديث عن الإنسان في شخص الفرد، وعن وعي هذا الفرد ورغباته إلا في ظل مجتمع، بهذا المعنى فإن المجتمع يشكل دورا أساسيا في بناء الفرد من خلال مؤسسات، تنظم علاقات الأفراد، بحيث يمارس المجتمع سلطة على الأفراد يستمدها من الأفراد أنفسهم.

لذا فإن  وجود الإنسان كفرد لا يتحدد فقط بكونه كائنا واعيا وراغبا، بل أيضا بكونه كائنا اجتماعيا، فخارج الدائرة الاجتماعية، لا يكون الفرد سوى عينة بيولوجية ليس إلا، لذا يعتبر المجتمع المجال الحيوي الذي بداخله يحقق الأفراد وجودهم المادي والمعنوي، وتنتظم سلوكياتهم ومواقفهم وفق مبادئ وضوابط يفرضها المجتمع.

فالمجتمع الإنساني هو مجموعة من الأفراد، تربط بينهم علاقات قوية تجسدت في شكل مؤسسات، أصبحت في الغالب محمية بواسطة آليات الضبط والنظام، تبدأ من النهي والتوبيخ، لتصل إلى العقاب الذي يشعر الفرد بسببه بقوة القهر والخضوع لإكراه الجماعة.

 لكن هذا الارتباط الحميمي بين الفرد ومجتمعه، يجعل من علاقة الفرد بمجتمعه علاقة التباس، بحيث لا يمكن الحسم في طبيعة هذه العلاقة، وعن وضعية الفرد داخل مجتمعه، وعن مدى تأثير المجتمع في أفراده، وردود أفعالهم تجاهه، مما يجعل من موضوع المجتمع موضوعا إشكاليا.

وإذا كان تعريف لالاند Lalande في معجمه الفلسفي يقدم المجتمع كمجموعة من الأفراد توجد بينهم علاقات ومصالح متبادلة:  

فعلى أي أساس يقوم الاجتماع البشري؟ هل يرتبط بوازع فطري طبيعي، أم يقترن بإرادة الإنسان في التساكن مع أخيه الإنسان في ظل تعاقدات ومواثيق مشتركة؟ هل يعود فعلا إلى طبيعة الانسانية الاجتماعية، أم إلى السعي للاتفاق والتعاقد الإرادي لتنظيم تلبية الحاجات؟

ثم ما وضعية الفرد داخل المجتمع؟ هل هو ذات حرة ومستقلة، أم مجرد عنصر خاضع للجماعة؟  وما علاقة الفرد بالمجتمع؟ أيهما أسبق الفرد أم المجتمع؟

كيف يمارس المجتمع السلطة على الأفراد هل بشكل قهري تسلطي مباشر أم بشكل غير مباشر عن تطريق التحكم في إشباع الحاجات؟

   المحور الأول: أساس المجتمع:

  -1إشكال المحوريلعب المجتمع دورا أساسيا في الحفاظ على استمرارية الفرد، عبر التماسك الذي يخلقه بين الأفراد في إطار التكافل والتعاون وتبادل الخدمات والمهام، فهل وصل الإنسان إلى تحقيق هذا التماسك عبر التعاقد والاتفاق؟ أم أن المجتمع يقوم بشكل طبيعي وضروري؟  

 أرسطو: "الانسان اجتماعي بطبعه"

يرى أرسطو في كتابه المطول السياسة، أن الإنسان حيوان مدني قابل بالطبيعة للحياة الاجتماعية، التي تجد أسمى تعبير لها في الدولة والتي يعتبرها سابقة على الأسرة والفرد. إن الحاجة إلى الاجتماع لا تفرضها غرائز الإنسان فقط، بل كذلك خصوصية الإنسان، باعتباره وحده الحيوان الناطق (العاقل)

تحليل نص ابن خلدون: ضرورة الاجتماع البشري:


استهل ابن خلدون  نصه بعبارة مشهورة للفيلسوف اليوناني أرسطو "الإنسان مدني بالطبع"، ومعناها أن التجمعات البشرية هي تحقيق للطبيعة الإنسانية واكتمال لماهيته، فقدر الإنسان في نظر أرسطو، هو أن يعيش في مجتمع مع أبناء جلدته وأفراد نوعه.

 وهو الأمر الذي حاول ابن خلدون أن يؤكده من خلال إبرازه أولا للكيفية التي خلق بها الإنسان، فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإنسان وركبة على صورة لا يمكن أن يتم لها البقاء إلا بوجود الغذاء، ووهبه القدرة على تحصيل الغذاء، لكن ابن خلدون يرى أن الإنسان عاجز بمفرده على تحقيق متطلبات حياته، مقدما مثالا عن هذا العجز الذي يفترض لتجاوزه التعاون مع بني جنسه.

وفي هذا يقول: "لو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثلا، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ، وكل واحد من هذه الأعمال، يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد ونجار..."

 فالعيش إذن، داخل جماعة والتعاون مع أفرادها، هو الطريق الممكن لتحقيق متطلبات حياة الأفراد، لكن المظهر الاقتصادي. ليس الوحيد الذي يفسر في نظر ابن خلدون ضرورة الاجتماع البشري، بل هناك مظهر أخر مكمل للمظهر الاقتصادي، وهو المظهر الدفاعي، ويقدم أمثلة توضيحية لهذا المظهر، فالإنسان داخل نظام الطبيعة هو الكائن الأضعف، فقدرته لا توازي قدرة الفرس أو الحمار أو الثور أو الاسد أو الفيل.

فقد جعل الله سبحانه لكل حيوان أعضاء يدافع بها عن نفسه، وزود الإنسان باليد والفكر، التي بواسطتهما استطاع أن يصنع لنفسه أسلحة يعوض ما ينقصه على المستوى البيولوجي، ويحمي بها نفسه من كل هجوم محتمل، لكن تحقيق ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالتعاون وتضافر جهود أفراد المجتمع.

يرى بن خلدون أن المجتمع مرتبط بالطبيعة البشرية، فحياة الفرد مرهونة بالعيش رفقة الآخرين، وتبادل التعاون والتكافل، وذلك للتغلب على الضعف الذي يسم الإنسان. فالإنسان اجتماعي بطبعها إذن فإن أساس الاجتماع البشري عند ابن خلدون هو أساس طبيعي لأن الإنسان اجتماعي بطبعه، ویحتاج إلى الآخرين من أجل تحقيق حاجاته الأساسية في العیش.

ومن أجل تأكيد أطروحته قدم ابن خلدون جملة من الأساليب الحجاجية أهمها:

أسلوب الاستشهاد: ویتجلى في استشهاده بالحكماء/الفلاسفة (أفلاطون وأرسطو خصوصا) في قولهم بأن الإنسان مدني بطبعه، وذلك لتأكد أطروحته القائلة بأن الاجتماع البشري ضروري.

أسلوب المثال: مثال الحنطة الإنسان یحتاج إلى الغذاء من أجل بقائه، وهو لا ستطيع أن یوفر لنفسه كل الحاجات، لذلك فهو یحتاج إلى الغیر من أجل توفيرها.....

أسلوب المقارنة: إذا ما قارنا بین الإنسان والحيوانات، وجدنا هذه الأخيرة تتفوق علیه من حیث الشراسة والقدرة الجسدية. غیر أن الله وهب للإنسان العقل والید، بحیث یصنع
آلات وأسلحة تمكنه من الدفاع عن نفسه وتأكيد تفوقه، وكل ذلك یحتاج إلى التعاون بین أفراد الإنسان.

   المناقشة القيمة الفلسفية لنص ابن خلدون:

إن ما قدمه ابن خلدون من تصور حول أساس المجتمع، له قيمته الفكرية والتاريخية، ساعدت في فهم بعض العناصر الأساسية التي ساهمت في نشأت المجتمع، لكن هذا التصور الطبيعي للأساس المجتمع، لم يلق القبول من طرف فلاسفة عصر الأنوار، من أمثال جون جاك Jean Jacques Rosso (1778-17) الفرنسي، وطوماس هوبز Thomas Hobbes الإنجليزي ( 1588-1679).

حيث   أرجع هؤلاء نشأة المجتمع ونشأة السلطة، إلى نوع من التعاقد الصريح أو الضمني بين أعضاء المجتمع، عبر أخذ قسط من حقوقهم وحرياتهم للجماعة أو للسلطة المنبثقة عنها. وهكذا أصبحت نظرية التعاقد ترتبط بمفاهيم من قبيل السيادة للشعب والأولوية للقانون والمساواة في الحقوق والحريات…

جون جاك روسو "العقد الاجتماعي أساس الاجتماع البشري"


يندرج النص داخل المجال الاشكالي لمفهوم المجتمع، حيث يتناول الإشكال المتعلق بالأساس الذي يقوم عليه المجتمع، وهذا الأساس أو الأصل الذي يختلف حوله الفلاسفة فمنهم من يعتقد أنه قائم على الضرورة الطبيعية ومنهم من يرى أنه قائم على الاختيار الحر والتعاقد الإرادي للأفراد.  والتساؤل المطروح: هل يقوم على ما هو تعاقدي اتفاقي أم على أساس ضروري طبيعي؟

يرى رسو أن المجتمع يعود في نشأته بالأساس إلى التعاقد والاتفاق بين الأفراد الأحرار الواعين من أجل الانتقال من حالة الطبيعة التي هي حالة فوضى وعنف إلى حالة المدنية والمجتمع لما فيها من مزايا لصالح الإنسان المتمثلة في حالة النظام والأمن والحرية للجميع.

حيث يمثل العقد الاجتماعي المفهوم الأساسي داخل النص ويتحدد كاتفاق إرادي واعي بين الأفراد لتسيير شؤونهم باللجوء إلى الحق والعقل في مقابل القوة، والحرية المدنية المشروطة باحترام حقوق الآخرين في مقابل الحرية الطبيعية الحيوانية التي تخلق الفوضى والظلم والاعتداء على الآخرين.

حيث أن الإنسان انتقل من حالة الطبيعة التي كان يسودها الوهم، وفقدان الأمل، وطغيان الجانب الجسدي الشهواني والأنانية والتوحش والانحطاط والبلادة والحرية الطبيعية المرتبطة بالقوة والحق اللامحدود ... 

إلى  حالة المدنية التي تتميز بالعدل والأدب والقيام بالواجب ومراعاة المصالح المشتركة واتساع الافق العقلي والفكري وسمو النفس ونبل العواطف والحرية المدنية المرتبطة بالتعاقد المؤسس على الحق القائم على التعاقد المشترك بين الأطراف.

   لذلك اتفق الأفراد على وضع نظام يخضع الجميع لبنوده ومقتضياته، فيستبدل الاندفاعات الغريزية والالتجاء للقوة لحل النزاعات بالعدل والالتزام بالواجبات، وينتقل البشر من الحيوانية، التي لا يراعي خلالها الفرد إلا ذاته إلى الإنسانية التي تستوجب مراعاة الغير واحترامه.  هكذا يتبين من خلال ما سبق أن أساس الاجتماع الانساني حسب روسو، يقوم على الاتفاق والتعاقد من أجل تجاوز حالة الطبيعة بسلبياتها ومساوئها إلى حالة المجتمع حيث سيادة التوافق والقانون والحق.

تركيب المحور:

يتبين من خلال معالجة الموقفين (ابن خلدون ورسو) أن هناك تعارض بين الموقفين في مقاربة إشكالية أساس الاجتماع البشري: حيث نجد موقف بن خلدون يعكس التصور التقليدي لأساس المجتمع (أرسطو أفلاطون ...) حيث يعتبرون أن أساس الاجتماع البشري أمر ضروري طبعي فإنسان كائن يميل للإجتماع مع الأخرين من أجل توفير جاجياته الأساسية، أما بالنسبة للفيلسوف الثاني جون جاك روسو الذي يرى أن التعاقد هو أساس الاجتماع البشري، يتحدث عن الدولة كوجه متقدم للمجتمع البشري، قائم على القوانين الوضعية.

 

عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات