التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

المحور الثاني:الـــــرغبة والإرادة: ذ.أيوب الوكيلي

 


المحور الثاني:الـــــرغبة والإرادة
:




وضعية الانطلاق"

 

" يحكى أن سفينة أوشكت على الغرق، فسارع الركاب إلى رمي أنفسهم في البحر طلبا للنجاة سباحة، وكان بينهم مسافر أصر على ألا ينجو إلا وبصحبته ثروته من الذهب، فما كان منه الا ان أوثق جيدا صرة أو صرتين إلى خصره، ولكنه ما إن تأمل الثروة الباقية حتى بدا له بسرعة أن ما أوثقه قليل، فأضاف المزيد، ومع ذلك كان الباقي لايزال أكبر مما حمل! فأضاف المزيد ثم المزيد، وأخيرا قرر أن يلقي بنفسه في البحر إسوة بباقي المسافرين، فكان مصيره أن هوى مباشرة إلى القاع السحيق وغرق بسبب ثقل وزن الذهب!"

تحليل الوضعية المشكلة

هل كان مسافر يريد فعلا ما قام به (الحرية)؟ أم أنه كان مدفوعا بما يتجاوز إرادته (غياب الحرية)؟ هل كان مسافرنا على وعي وبصيرة تامتين بطبيعة رغبته الجامحة في النجاة بصحبة الذهب؟  هل كان بمقدوره أن يجعل رغبته موضوع تأمل؟ أم أن الرغبة استبدت به فألغت كل تفكير وتأمل في سلوكه قبل ممارسته؟

تأطير إشكالي للمحور:

إن تميز الانسان عن باقي الكائنات الأخرى، لا يقف عند حدود كونه كائنا عاقلا بل يتجاوزها إلى مستوى كون كائن راغبا، إذا كان يشارك الحيوانات البعد البيولوجي، فإنه يتجاوزها إلى أبعاد الرغبة التي تتخذ أشكال مختلفة متنوعة، لأنه يحقق رغباته بأشكال مختلفة ومتنوعة، تتخذ أبعاد نفسية واجتماعية وثقافية حضارية. ومن جهة أخرى  تعتبر الإرادة ذلك التصميم والسعي الواعي من أجل تحقيق هدف معين، وهي كذلك القدرة على الاختيار والتصرف وفق ما يمليه تفكير الفرد مادام الوعي موجبا ومؤسسا للرغبة باعتبارها ميلا واعيا تجاه موضوع ما من أجل تحقيق اللذة وتجنب الألم، فما هي دلالة الإرادة؟

Ø معجم صليبا : الإرادة هي شوق الفاعل إلى فعل يتصور الأسباب الداعية إليه، والأسباب الصادرة عنه، وأن يدرك قيمة هذه الأسباب، ويعتمد عليها في عزمه.

Ø المعجم الفلسفي : الإرادة تصميم واعٍ على أداء فعل معين، ويستلزم هدفا ووسائل لتحقيق هذا الهدف، والعمل الإرادي وليد قرار ذهني سابق.

من هذا المنطلق يمكن طرح التساؤلات التالية:  على أي نحو تتعالق الرغبة والإرادة؟ ماذا نسمي الرغبة إذا خلت من الوعي؟ ولماذا نخص الإنسان وحده بالرغبة؟ وبعبارة أخرى، هل تقف الرغبة ضد الإرادة؟ وهل يمكن إغفال الوعي أثناء معالجتنا لمفهوم الرغبة؟

تـحليل نص اسبينوزا :

1-إشـــكالية النص:

 مماذا تتألف النفس البشرية؟ ما طبيعة الجهد الذي تبذله وما غايته؟ ما الرغبة؟ وما علاقتها بالإرادة؟ وهل يمكن الوعي بها

2-أطـــــروحة النص: 

       

تشكل الرغبة ماهية للإنسان، إذ أنها تتجذر في أعماقه، وهي لذلك خاصة بالإنسان لأنها ترتبط بعنصر الوعي لديه، إذ الرغبة هي الوعي بما نشتهيه ونريده، رغم أننا نجهل حقيقة لماذا نرغب في شيء من الأشياء. الرغبة هي التي تخلق التصور، لأننا لا نرغب في الشيء ونشتهيه لكوننا نعتقده شيئا طيبا بل نعتبره شيئا طيبا لكوننا نرغب فيه ونشتهيه. يخلص سبينوزا إلى القول بأن "الشهوة والرغبة ماهية أو جوهر النفس" بمعنى أن الإنسان جوهريا كائن راغب".

3 مفاهيم النص: 


- الإرادة :

هي الجهد الذي تبذله النفس من أجل المحافظة على ذاتها. فالإرادة تتعلق إذن بالتفكير العقلي وبالقدرة على الاختيار.

- الشهوة:

حسب سبينوزا ذلك الجهد الذي يبذله الجسم والنفس معا من أجل المحافظة على الذات، والقيام بما هو ضروري من أجل استمرارها. وقد اعتبرها سبينوزا "ماهية الإنسان ذاتها".

- الرغبة:

هي الشهوة المصحوبة بوعي ذاتها. أي أنها وعي الإنسان بما يشتهيه ويسعى إليه من أجل المحافظة على ذاته.


* علاقة الإرادة بالشهوة : الإرادة هي ذلك الجهد الذي تبذله النفس(العقل) من أجل المحافظة على حياة الإنسان واستمراريتها. والشهوة هي ذلك الجهد الذي تبذله النفس والجسم معا من أجل استمرار الإنسان في الوجود، هكذا فالإرادة هي في خدمة الشهوة بحيث تزودها بالوعي، وتجعلها تتحقق وفقا لتدخل العقل.

* علاقة الشهوة بالرغبة : الرغبة هي تحقيق ما يشتهيه الإنسان بشكل واع. فالعلاقة قوية بين الرغبة والشهوة.

3-أفـــــــكار النص:

·      تحافظ النفس على وجودها بواسطة ما تحمله من أفكار. ولما كانت النفس تعي ذاتها بواسطة هذه الأفكار، فهي إذن تعي ذلك الجهد الذي تبذله من أجل حفظ ذاتها من خطر الفناء.

·      يميز سبينوزا بين الإرادة والشهوة والرغبة، فالأولى هي ذلك الجهد الذي تبذله النفس(العقل) من أجل المحافظة على حياة الإنسان وبقائه. والثانية هي ذلك الجهد الذي تبذله النفس والجسم معا من أجل استمرار الإنسان في الوجود، ويتحتم على الإنسان الخضوع له ليضمن بقاءه. أما الرغبة فهي في الأصل شهوة غير أنها مصحوبة بوعي إذ يحقق الإنسان شهواته عن وعي، وهو ما يجعل الرغبة إنسانية بامتياز.

·       وما يجعل الشيء طيبا أو خيرا هو أننا نشتهيه ونريده ونرغب فيه، وليس العكس، إذ لا تقتصر علة الرغبة في بناء المنزل في السكن فقط، باعتباره علة غائية، بل هناك علل أخرى تقف وراء هذه الرغبة، وهي علل نجهل حيثياتها في أغلب الأحيان.

4- الأساليب الحجاجية:

·      أسلوب العرض والتوضيح: "لما كانت النفس، من جهة أخرى، تعي ذاتها… فهي إذن تعي جهدهاوظيفته: عرض كيف تحفظ النفس وجودها بواسطة ما تحمله من أفكار، وتوضيح كيف تعي ذاتها وتعي الجهد الذي تبذله من أجل المحافظة على بقائها.

·      أسلوب الإستنتاج: "لقد غدا من الثابت إذن، من خلال ما تقدم أننا لا نسعى إلى شيء …وظيفته: إثبات أن ما يجعل الشيء طيبا أو خيرا هو أننا نشتهيه ونريده ونرغب فيه، وليس العكس.

·       أسلوب التعريف والتقسيم: * التمييز بين الإرادة والشهوة: - الإرادة = هي الجهد الذي تبدله النفس من أجل المحافظة على وجودها. - الشهوة = هي الجهد الذي تبدله النفس والجسم معا من أجل القيام بأمور ضرورية وحتمية.

·      أسلوب المثال: "فإذا قلنا مثلا... بناء منزل؛ مضمونه: لا تقتصر علة الرغبة في بنائه في السكن فقط، باعتباره علة غائية، بل لعلل أخرى في هذه الرغبة، وهي علل غالبا ما نجهلها.

مناقشة التصور السابق بمنظور التحليل النفسي:

شكلت أطروحة صاحب النص هذه حول علاقة الرغبة بالإرادة، الطرف النقيض لأطروحات رأت في الرغبة مجالا خاصا يشد عن الوعي والإرادة، خاصة أصحاب مدرسة التحليل النفسي، فهذا المحلل النفساني الفرنسي جاك لاكان Jacques Lacan (1981-1901)، يذهب في كتابه: " التحليل النفسي والطب " إلى القول إن مجال الرغبة هو مجال اللاشعور، واللاشعور لغة تنفلت من سلطة الذات لها بنيتها الخاصة والمستقلة، فهي ترفع درجة اللذة والاستمتاع، خارج منطقة الوعي والإرادة، إنها استمتاع الجسد الموشوم بالتوترات والضغوطات الجنسية الدفينة والمنسية.

إن الخلاصة التي يمكن الخروج بها من هذا التصور أن ما يحرك الرغبة هو قوى اللاشعور التي تستهدف تحقيق اللذة، والاستمتاع، ومصدرها هو التخيلات والاستيهامات التي تبنيها الذات حول موضوع المرغوب فيه.

موقف :جيل دولوز- Gilles Delenze

لكن هذا طرح لم يلق القبول من بعض الفلاسفة من أمثال الفيلسوف الفرنسي المعاصر Gilles Delenze" 1995-1925" وصديقه Felix Guattari اللذين ذهبا في كتابهما " Anti- Edipe" إلى انتقاد نظرية التحليل النفسي التي أرجعت الرغبة فقط إلى عقدة أوديب وحصرت وظيفتها في إنتاج الاستيهامات، ليس إلا، مع العلم أن الرغبة هي إنتاج للواقع، ولا يمكن أن تكون كذلك إلا في الواقع، أو بتعبير آخر هي خلق لحياة "Création de vie " فهي تعمل كما يعمل الإنتاج الاجتماعي، وهذا الإنتاج هو إنتاج واع يعمل بإرادة الأفراد، مما يعني أن الرغبة لا تنفصل عن الإرادة والوعي، إذ يرى أن الرغبة إذا كانت تنتج شيئا ما، فهي تنتج موضوعا واقعيا، فهي بهذا المعنى موجودة في جميع مكونات الحقل الاجتماعي التاريخي، فمجال صراعها هو المجتمع وليس الفرد المعزول.

خلاصة تركيبية:

    نخلص مما سبق أن إشكالية الرغبة والإرادة تطرح جملة من المفارقات، والاشكالات في مجال الفلسفة، وذلك بحكم ما نتج عنها من أحكام ونتائج مختلفة ومتنوعة، فهناك من يرى أن الرغبة تمثل الجانب الواعي في الإنسان وهناك من يرى أن الرغبة تمثل الجانب اللاشعوري الغير مدرك والذي لا يمكننا التحكم فيه أو السيطرة عليه،  و نظرا للطابع المتناقض للرغبة، فمن الرغبات ما هو قابل للتحقق، ومنها ما هو مجرد حلم ليس إلا، فإنه يصعب أن نطابق تمام المطابقة بين الرغبة والإرادة، وخاصة حين نعلم أن الإرادة هي فعل واع وهادف، إذ أننا في الفعل الإرادي نعرف مسبقا ماذا نريد ونهيئ الوسائل الملائمة لتحقيق ما نريد، ولكن هذا لا يعني غياب أي نظام مشترك بينهما، فالفعل الإرادي هو ذلك الفعل الذي يلائم بطريقة واعية ميول ورغبات الذات، إلا أن هذه الملاءمة لكي تكون ممكنة، لابد أن تكون الرغبات المطلوبة ذات طابع واقعي وقابلة للتحقق. وفي هذه الحالة يمكن الحديث عن تلاؤم وائتلاف بين الرغبة والإرادة، ومن هنا يكون لقول صاحب النص : " لا وجود لإرادة غير مسبوقة برغبة قابلة للتنفيذ ".







عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات