التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

-اقتصاد المشاعر- بدعوى التحرر.. كيف جذبت شركات التدخين النساء لاستهلاك السجائر؟

 

السجائر ووهم الحرية والاستقلال


كلنا نعرف أن شركات التبغ ظهرت في النصف الأول من القرن العشرين، كان المجتمع الأمريكي، لازال محافظا نسبيا، لم تكن النساء يدخن، بشكل كبير، كانت هناك فئات قليلة من النساء تدخن، لكن هذا الأمر كان مشكلة بالنسبة إلى شركات صنع السجائر، لأن نصف السكان أمريكا، لا يدخنون السجائر التي تصنعها، الشركات في هذا السياق  قال رئيس الشركة الأميركية للتبغ في ذلك الوقت، جورج واشنطن هیل: «إنه منجم ذهب موجود في فناء بيتنا».

بدعوى التحرر.. كيف جذبت شركات التدخين النساء لاستهلاك السجائر؟

لهذا السبب  قررت الشركة الأميركية للتبغ في سنة 1928 أن تستعين بالمسوق  إدوارد برنایز الخبير في التسويق، لديه  أفكار جديدة في الحملات الاعلانية و تسويقية بشكل مختلفة تمام عن أساليب غيره من العاملين في قطاع التسويق. لأن القرن التاسع عشر، كان الناس يعتبرون التسويق مجرد وسيلة للإعلان عن الفوائد الحقيقية الملموسة للمنتج من خلال أبسط الطرق الممكنة وأكثرها اختصارا.

كان شخصا غير تقليدي، رأى بأن  أن الناس عاطفيون وانفعاليون، لأن الدماغ العاطفي  هو الذي يتولى القيادة من غير أن ينتبه أحد إلى ذلك، هذ الرجل من عائلة سيجمدون فرويد  مطلع بشكل  جيد على نتائج وأبحاث فرويد في مجال التحليل النفسي وقوة اللاشعور، الأمر الذي دفعه إلى  البحث عن الجوانب العاطفية الانفعالية التي تؤثر على الحياة النفسية للإنسان.

 تمثلت خطة برنایز بأن تتوقف أولئك النسوة جميعهن، في اللحظة المناسبة، ويشعلن سجائرهن في وقت واحد، قدم مجموعة من  المصورين لكي يلتقطوا صورا جميلة للنساء المدخنات، ثم نشر تلك الصور في الصحف الكبرى كلها، تحت عنوان «مشاعل الحرية»  من أجل إقناعهم أن التدخين، لديه القدرة على تمكين المرأة من الاستقلالية وتمكينها من القوة الإنجاز وتحقيق الاستقلالية. هده الخطة بكاملها تقوم على تزيف وعي النساء، الذي جعله يظهر كما لو أنه نوع من الاحتجاج السياسي، كان يعرف أن من شأن هذا أن يطلق شرارة المشاعر المطلوبة في قلوب النساء في مختلف أنحاء أمريكا.

التدخين  والبروباغندا

بعد هذا الحدث التاريخي، زادت جرأة النساء لممارسة هذا الأمر بشكل كبير، وبذلك يعود الفضل لبيرنيز في جعل عادة تدخين النساء أمراً مقبولاً اجتماعياً، إذن لقد نجح الأمر، بدأت النساء التدخين، ومنذ ذلك الحين، تحققت المساواة بين النساء والرجال من حيث فرص الإصابة بسرطان الرئة.

 بعدها أصبح شعار الشركات هو  أنا استهلك إذن أنا موجود، والخطير أن هذا الرجل أحدث ثورة في مجال التسويق بهذه الطرقية، من أجل صناعة معارف مزيفة قادرة على تسويق أفكارها ومعلومات، كاذبة  وهذا ما يسميه العلماء اليوم صناعة الجهل. كانت طريقة بيرنيز المفضلة للتلاعب بالرأي العام تتمثل في استخدامه طريق غير مباشر "طرف ثالث" لتبرير دوافع عملائه.حيث يقول بيرنيز "إذ كنت قادراً على التأثير في القادة، سواء مع أو بدون وعيهم الكامل وتعاونهم فإنك سوف تؤثر وبشكل تلقائي على المجموعة التي تقع تحت سيطرتهم." .

علم التسويق وصناعة الجهل:

مثلا  اليوم يجري تسويق السيارات القوية بين الرجال باعتبارها وسيلة للتأكيد على القوة والموثوقية، ويجري تسويق مواد التجميل لدى النساء باعتبارها سبيلا إلى أن تصير المرأة محبوبة أكثر.

سيكولوجيا الجماهير: المشاعر هي أساس التحكم في الناس

هناك طريقتان لخلق القيمة في السوق:

·   الابتكار والتجديد (تطوير الألم): الطريقة الأولى لخلق القيمة هي أن نستبدل بالألم ألما آخر يكون محتملا أكثر أو مقبولا أكثر.

·       الطريقة الثانية لخلق القيمة في السوق هي مساعدة الناس في تخدير ألمهم:

ظهرت ثقافة البوب، وصار المشاهير والرياضيون فاحشي الثراء، وللمرة الأولى، بدأت منتجات الرفاهية تنتج بكميات كبيرة وسوق ويعلن عنها لأبناء الطبقات الوسطى، حدث نمو انفجاري في التقنيات المريحة، الوجبات الجاهزة التي يسكنها المرء في المايكروويف، والمأكولات السريعة، والمفروشات الوثيرة،

ثقافة التسويق في عهد الأنترنيت:

اعتقد الناس أن الإنترنت سوف يحررهم، ويرفع عنهم قيود الرقابة وتراتبية السلطة، وأنه سيمنح كل شخص قدرة وصول متساوية إلى المعلومات نفسها والفرص نفسها حتى يتمكن من التعبير عن نفسه، لكن اليوم الشركات الكبرى تتحكم في الجماهير وتوجه سلوكياتهم وتصرفاتهم.

وهم الحرية الذي يسكن أدمغتنا دون أن نشعر:

صناعة الحرية المزيفة من خلال خيارات الاستهلاك ينفق المنتجون ملايين الدولارات على الأبحاث المتعلقة بالتسويق ودراسة نفسية المستهلكين وفهم أنماط الاستهلاك المختلفة والعمل على تلبية الاحتياجات التي تخلقها، ومن الوسائل التي يستخدمها المنتجون في عالمنا المعاصر لترويج منتجاتهم خلق الاحتياجات لدى المستهلكين، وقديمًا كانوا يقولون إن الحاجة هي أم الاختراع، وهذا الأمر يظهر في مراكز التسوق الكبيرة التي تصنع جملة من الاحتياجات المزيفة وتجعل منها ضرورة رغم أنها ليست مهمة.

لأن الشركات الكبرى لا تفعل شيئا سوى خدمة مصالحها والسعي إلى إعادة إدماج الناس والتحكم في مشاعرهم، فهم لا يفعلون شيئا غير تلبية رغبات السوق.  إنهم يوفرون لنا ما نطلبه، دماغنا العاطفي، شبيه بشامبانزي لعين مجنون يتناول كل ما يراه ولا يتوقف يصاب بجنون الاستهلاك.

إعطاء الناس تلك الكمية الفائضة من الملاهي والتسلية، التي يريدونها فهو لعبة خطيرة جدا،  لأن  تشجيع الناس على تفادي الألم من خلال مزيد من التسلية  يجعلنا أكثر هشاشة وأكثر ضعفا، ومن جهة أخرى لا أريد أن تلاحقني إعلاناتك الملعونة في كل مكان أذهب إليه.

لماذا لدينا هشاشة نفسية؟

إننا نعيش في عالم يعزز الهشاشة في كل مكان، ينكمش عالمنا بما يتناسب مع حجم قيمنا المتضائلة باستمرار، ويستحوذ علينا السعي إلى كما أننا  نحتاج أن نعرف أن  الهشاشة النفسية هي السبب الأول في جميع السلوكيات الإدمانية التي نعاني منها في الحياة.

تصبح لدينا القابلية لتبني سلسلة من السلوكيات الادمانية السلبية، مثل السعي المستمر لتفقد الهاتف، وحسابات التواصل الاجتماعي، إنها حالة مرضية، وكذلك الإصرار المرضي على متابعة مسلسلات لا نحبها على شبكة نتفلكس.

مفارقة حرية الاختيار والمشاكل النفسية:

مفارقة الاختيار كلما زادت الخيارات المقدمة إلينا (أي كلما ازدادت الحرية التي لدينا)، كلما تناقص رضانا إزاء ما نختاره، إذا أتيح لجين أن تختار بين نوعين من حبوب الإفطار، وأتيح لمايك أن يختار من بين عشرين نوعا، فإن مايك لا يتمتع بحرية تفوق ما تتمتع به جین، فالتنوع ليس هو الحرية، التنوع هو نسخ مختلفة من ذلك الشيء التافه عديم المعنى.

هذه هي مشكلة الاحتفاء الزائد بالحرية على حساب الوعي البشري، لا يجعلنا مزيد من المواد المتوفرة بشرا أكثر حرية بل يجعلنا حبيسي قلقنا وتفكيرنا فيما إذا كنا قد اخترنا الشيء الأفضل.

الحرية الحقيقية ترتبط بالمسؤولية:



الحرية الحقيقة ترتبط بالمسؤولية، والتحكم في النفس ولجم رغباتها في بعض اللحظات، إنها ليست مزية اختيار كل ما تريده في الحياة، بل هي مزية اختيار ما أنت مستعد للتخلي عنه في الحياة، هذه ليست حرية حقيقية فحسب، بل هي الحرية الوحيدة، لأن الوجود الإنساني يتمظهر من خلال التواصل مع الأخرين والالتزام وتحمل المسؤولية، هنا تكمن قيمة الحياة الإنسانية على المستوى النفسي والعاطفي.

مثلا عند ترغب في الذهاب إلى صالة الرياضة يجب أن صبح مسألة التزام، بهذا المعنى فإن الحرية ترتبط بالالتزام بالدرجة الأولى، لأن قدرتك على الالتزام والتحكم في المشاعر هي جوهر تحمل المسؤولية.

إن قدرا أكبر من الالتزام يتيح قدرا أكبر من العمق، وأما قلة الالتزام فهي تقتضي السطحية، وهذا ما لا يعرفه معظم الشباب اليوم بسبب النظرة التي نرى بها الوقت الزمن والأحداث، نريد كل شيء بسرعة غير أن هذا الأمر مستحيل التحقق، لأن التعلم والتحسن يحتاج إلى الوقت والمجهود حتى نصل إلى هذا المعنى الذي نتلكم عنه اليوم.

خاتمة:

نجحت  العولمة إذن في نشر النمط الاستهلاكي، والمساواة بين البشر في الاستهلاك، وتحويل الإنسان إلى كائن استهلاكي يستهلك الضارّ قبل النافع، ويسيء استخدام الموارد الطبيعية.إنَّ كثرةَ الاستهلاك تؤدي إلى الهلاك مقولةٌ حكيمةٌ جدًا، ففي القرن الواحد والعشرين نلاحظ بأنَّ هناك مظاهرًا مبالغةً في الاستهلاك، من عروض شرائية دائمة وتخفيضات للأسعار، فمثلًا: الجمعة السوداء، لهذا نحتاج إلى الحذر والانتباه للطريقة التي ننظر بها إلى الاستهلاك، ونراقب ذواتنا  و المحيط الذي نعيش فيه حتى لا نسقط في فخ الإستهلاك.

 


 

 

 

عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات