التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

هل التأمل يقاوم الهشاشة النفسية؟


الهشاشة النفسية وأثرها على الذات 



في سنة 2011، كتب نسیم طالب عن مفهوم أطلق عليه «ضد الهشاشة»، قد كتب أنه مثلما تصير بعض الآليات أكثر ضعفا تحت ضغط القوى الخارجية، فإن هناك آليات أخرى تكتسب مزيدا من القوة تحت ضغط تلك القوى، على سبيل المثال المزهرية شيء هش، إنها تتحطم و تشظى بكل سهولة، والنظام المصرفي التقليدي نظام هش أيضا، وذلك لأن تغيرات غير متوقعة في السياسة أو الاقتصاد يمكن أن تجعله ينهار، ولعل علاقتك بحماتك أمر هش أيضا لأن أي شيء تقوله لها قد يجعلها تنفجر غاضبة في موجة من الشتائم والدراما، بهذا المعنى يمكن القول أن الأنظمة الهشة تشبه الأزهار الجميلة، أو تشبه مشاعر المراهقين، لهذا نحتاج مراعاتها وحمايتها حتى لا تتعرض للضرر.

الأنظمة المقاومة للهشاشة:

يمكن التفكير بمقاومة الهشاشة باعتبارها ممارسة  تسعى إلى تحقيق التوزان داخل الدماغ، وذلك من خلال تقبل الألم بطريقة يكون المرء معها قادرا، على الإرادة والوعي، وضبط اندفاعات الدماغ الذي يشعر وجعلها تنتقل إلى نوع من السلوك أو الفعل المنتج، لأن الدراسات العلمية أثبتت قدرة التأمل على زيادة مساحة الانتباه ووعي الذات وتقليل مستويات الإدمان والقلق والخوف.

هل التأمل يقاوم الهشاشة؟



 يمكن القول أن التأمل من حيث الجوهر، هو تمرين على تدبير آلام الحياة في المجتمع، حيث يساعد في تعزيز التعاون والتضامن على المستوى النفسي والعاطفي والوجداني، فالتأمل في جوهره تمرين على أن يصير المرء مضادا للهشاشة، هو تدريب للعقل على الملاحظة وعلى استقبال فيض متدفق لا ينتهي من الألم من غير أن يترك المرء نفسه تغرق في ذلك التيار الجارف.

مواجهة نظام الهشاشة:

إننا ننفق قسما كبيرا من وقتنا ومالنا على الاهتمام بالأنظمة الهشة وعلى محاولة جعلها أكثر صلابة، إنك تستعين بمحام جيد حتى تجعل شركتك أقوى وأقدر على المنافسة، و تضع الحكومة  أفضل الأنظمة لجعل النظام المالي أكثر صلابة، كما أننا نضع الأنظمة والقواعد، كإشارات السير وأنظمة حقوق الملكية، حتى نجعل مجتمعنا أكثر قوة وصلابة.

فمثلا ممارسة الرياضة، والعمل الجسدي الشاق يؤدي إلى بناء عضلاتك وازدياد كثافة عظامك وتحسن دورتك الدموية، و يزيد رشاقتك أيضا، وأما إذا كنت تتفادى الألم والمشقة، مثلا عندما نمارس الرياضة، فإن التخريب الذي يقع داخل الجسد يتم إعادة بنائه برؤية جديدة أقرب للمواطنين.

لأن الدماغ البشري يعمل وفق المبدأ نفسه، فمن الممكن أن يكون هشا أو مضادا للهشاشة بحسب كيفية استخدامنا له، عندما يأتي الاضطراب وتحل الفوضى، بنكب العقل على العمل محاولا فهم ما يجري حوله، فيحاول أن يستنتج، ويبني نماذج عقلية ويحاول التنبؤ بما سيحدث في المستقبل ويقيم ما جرى في الماضي.

 هذا ما ندعوه تعلما، وهو يجعلنا أفضل من ذي قبل لأنه يتيح لنا أن نحقق كسبا من الفشل ومن حالة الاضطراب والفوضى، وأما إذا تجنبنا الألم، وتفادينا المشقة والفوضى، فإننا نصير أكثر هشاشة.


التحكم في الذات:

تتضاءل قدرتنا على تحمل النكسات التي تصيبنا في كل يوم وتنكمش، وبالتالي فإن حياتنا تنكمش بما يتناسب مع ذلك بحيث لا تكون لنا علاقة إلا بذلك الجزء البسيط المحدود من العالم الذي نستطيع التعامل معه في ذلك الوقت. بهذا المعنى فإن المعاناة هي الأصل في الحياة، ومهما تصبح حياتك «جيدة » أو «سيئة»، فإن الألم يظل موجودا.

 إذن نحتاج التركيز على ما يحقق لنا النجاح والتطور في الحياة، كل شيء في الحياة يرتبط بمدى قدرتك على التوزان النفسي والعاطفي، وقدرتك على الاستقامة، ومشاركتك ضمن مجتمعك، واتساع تجاربك في الحياة، وعمق جرأتك وثقتك بنفسك، وقدرتك على الاحترام والثقة والصفح والتقدير والتعلم والتعاطف.

إذن فإن النجاح والتطور في الحياة لا يتحقق من التجارب البسيط التي لا تدخل في بعض الحالات من الألم والخوف، البسيطة إنما تنتج من خلال التجارب الجوهرية التي تعمق نظرتنا للحياة.

إذا كانت كل شيء في حياتك هشا وضعيفا، فإن سبب ذلك  أنك اخترت اختر تتفادى الألم، لقد اخترت القيم الطفولية، قيم السعي خلف الرغبات والحاجات البسيطة، وخلف إرضاء الذات، مواجهة الألم ليس مسألة سهلة بل تحتاج إلى الجرأة والقوة النفسية والعاطفية وثقافة العمل والمسؤولية، لا تقتصر مشكلة هذا التضاؤل على أنه يفشل في تحقيق مزيد من السعادة لنا، بل إنه يولد قدرا أكبر من الهشاشة الانفعالية،  وهذا ما يجعل كل شيء يبدو سيئا في نظرنا.

التأمل سبيلنا لمحاربة الهشاشة النفسية:

التأمل ليس مجرد جلسة نقوم بها لمدة دقائق محدودة كل يوم إنما تجربة نفسية وحالة من الصراع والفوضى قصد تحقيق التوزان والحوار الإيجابي الفعال أثناء عملية التواصل سواء مع الذات أو مع الأخرين.  لكن التأمل الحقيقي أمر أشد كثيرا من اكتفاء المرء بالجلوس وإزالة التوتر عن نفسه مستخدما بعض التطبيقات الجميلة في هاتفه، يشتمل التأمل الصارم على أن تجلس هادئا وتراقب نفسك من غير أي رحمة، يجب أن تلتقط كل حكم، وكل هوى، وكل ارتجاف أن تكون حريصا على التوزان النفسي والقدرة على تقبل كل ما يحصل لك.

حينما نريد ممارسة التأمل فإن كل الأفكار السلبية والأشياء الغبية تأتي إلى أذهاننا، خیالات غريبة، وأحزان عمرها عشرات السنين، ودوافع جنسية غريبة، وضجر لا يحتمل، إضافة إلى الإحساس بالعزلة والوحدة والقلق. هذا بسبب الفراغ الذي يحصل في الدماغ، الذي يرغب في أن يكون أنت ويريد أن يتغذى على المزيد من المعلومات والمعطيات النفسية والعاطفية.

يجب أن نعرف أن التأمل فيه نوع من المكاشفة مع الذات الحقيقية، يجعلك في حالة من المسألة والوضوح تجاه نفسك والمحيط يفرض عليك أن تقول حقيقة الأمر الذي تعاني منه، حينما تجد صعوبة في جعل نفسك تتأمل، ليس عليك إلا أن تعثر على عدد الدقائق التي لا تكون مخيفة لك، يحاول أكثر الناس التأمل مدة تتراوح من عشر دقائق إلى خمس عشرة دقيقة.

التأمل حالة من المكاشفة:

يتجنب أكثر الناس التأمل مثلما يتجنب الطفل أداء واجباته المدرسية،  هذا لأنهم يعرفون ما ينطوي عليه التأمل في حقيقة الأمر، إنه مواجهة مع الذات المزيفة، وهو مراقبة دواخل عقلك وقلبك بكل ما فيها من ذعر ومجد، أقوم عادة بالتخلص من كل ما في نفسي بعد التأمل، وذلك لمدة تناهز ساعة واحدة.

حينما تجلس وتحاول أن تقوم ببعض التجارب النفسية للتأمل قد تصدم بنوع من الصعوبات النفسية والعصبية، تخيل الآن أنك تقوم بذلك طيلة اليوم، وفي كل يوم، وعلى امتداد ستين عاما. تخيل التركيز الفولاذي والتصميم الشديد الذي يتمتع بهما مصباحك الداخلي الكاشف، تخيل كم تكون عتبة الألم لديك مرتفعة، وتخيل كم تكون مضادا للهشاشة.

الشعور بالألم في الحياة الإنسانية:

لكن المشكلة تنشأ عندما يشعر المراهق بأنه قد أبرم صفقة سيئة، عندما يتجاوز الألم توقعاته، أو عندما يكون المكسب أقل مما كان يأمل فيه، هذا ما يجعل المراهق يقع - مثلما يقع الطفل في أزمة أمل: لقد ضحيت كثيرا، ولم أحصل بالمقابل إلا على شيء قليل، فما الفائدة من هذا كله.

وأما الشخص الناضج، فإن لديه عتبة ألم عالية جدا لأنه يفهم أن الحياة تستلزم ألما حتى يصير لها معنى، وأن لا شيء يمكن (أو يجب) التحكم فيه أو المقايضة عليه، هو يفهم أنك تستطيع أن تفعل أحسن ما يمكنك فعله بصرف النظر عن النتائج التي يحققها لك ذلك.

إن النمو النفسي فرار من العدمية، وهو عملية بناء مزيد من تراتبيات القيم المجردة المعقدة بغية إحراز القدرة على هضم كل ما تلقي به الحياة في وجه الإنسان، لأن القرارات التي نتخذها في الحياة ليس مسألة بسيطة إنما تحتاج إلى نوع من التحكم النفسي والوجداني حتى تكون ناجحة على المستوى النفسي والمنهجي.

ماهي القيم المضاضة للهشاشة النفسية؟

إنها تستفيد مما هو غير متوقع، كلما ساءت علاقات المرء، كلما صار الصدق أكثر فائدة له، وكلما صار العالم مخيفا أكثر، كلما استجمع الناضج شجاعة أكبر حتى يوجهه، وكلما صارت الحياة مضطربة أكثر، كلما صار التواضع أكثر قيمة لدى الشخص الناضج، هذه هي مزايا الوجود بعد مرحلة الأمل.

لأنه كلما صرنا مضادین للهشاشة أكثر من ذي قبل، كلما صارت مشاعرنا واستجاباتنا أكثر قيمة وجمالا، وكلما تمكنا من ممارسة قدر أكبر من التحكم بأنفسنا، وكلما صارت قيمنا أكثر مبدئية، من هنا، فإن مقاومة الهشاشة مرادف للنمو وللنضج، فالحياة تيار من الألم لا ينتهي أبدا، والنمو هو الامتناع عن التماس سبيل إلى تجنب ذلك التيار، بل هو غوصنا فيه وتمكننا من استكشاف طريقنا في أعماقه.

لهذا لم يتحدث أفلاطون وأرسطو والفلاسفة الرواقيون عن حياة من السعادة، بل عن حياة ذات معنى وعن تطوير القدرة على تحمل الألم والإقدام على التضحيات الصحيحة... هكذا كانت الحياة في زمانهم، تضحية طويلة مستمرة،  ولم تكن الفضائل القديمة نفسها، فضائل الشجاعة والصدق والتواضع، إلا أشكالا مختلفة من ممارسة اللاهشاشة: إنها مبادئ تستفيد من النزاع والفوضى

.

 


عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات