ما هي حكاية ثلاثة شخصيات الموجود فينا؟
كل إنسان يعيش في أعماقه ثلاث أشخاص، بحيث أنه أثناء عملية التواصل نقوم بإخراج شخص يكون هو المتحكم في دائرة القيادة في عملية التواصل.
وحدة المعاملة أثناء التواصل تختلف حسب السياق الذي يتم فيه بناء الخطاب:
إن وحدت المعاملات تختلف حسب السياق
الاجتماعي، كل واحد منا يحرك جسده بطريقة معينة، تختلف حسب الموقف الذي يتم
معالجته، مثلا المدير الذي يتعامل مع زملائه في الشركة يكون لديه وحدة خطاب معينة
لكن عندما يتوجه إلى صديق في المنزل أو المقهى تتغير وحدة المعاملات حسب السياق
النفسي والاجتماعي.
حينما يكون التواصل موافقا بين حالات
الأنا المتوازية، يكون التواصل ناجحا، لكن المشكل في التواصل المقطوع، مثلا تواصل
بين حالات الأنا الطفل وحالة الأنا الراشد، حنا يكون التواصل مقطوعا الشيء الذي
يقود إلى جملة من المشاكل والصعوبات الغير واعية.
مثلا السلام باعتباره طقسا اجتماعيا قد يحمل جملة من الدلالات: حسب الموقف الذي نسعى إلى بنائه:
"إذا أردت أن تتحدث معي فحدد معنى مصطلحاتك" فولتير
أثناء عملية الحوار الداخلي يجب أن نعرف الصوت الذي يتكلم هل هو الراشد أم الطفل أم الوالد حتى تكون استجابتنا التواصلية جيدة في المعاملة ومبنية على نوع من التوافق في مستوى التواصل. يتحدث العلماء المتخصصين في هذا المجال علم تحليل المعاملات أن كل شخص منا يخبر ثلاث حالات نفسية:
1-حالة الوالد:
مفهوم يدل على معنى القوانين والمبادئ التي نتلقاها منذ لحظة
الولادة إلى سن الخامسة قبل أن يطور الطفل خبرة الوعي والفهم، وتدخل هذه التسجيلات
إلى الدماغ دون تحليل أو تبرير، تبدأ قبل أن تتطور لدى الطفل القدرة على التحليل
والتفسير لما يراه تجاه الناس، مصادر هذه التسجيلات تكون هي الأم والأب، لأنهما
المصدر المحدد لسلوك الطفل، قبل أن يولد الطفل اجتماعيا، وهذه المعلومات تسجل دون تعليل
أو فهم.
على سبيل المثال الطفل الذي يرى أباه يضرب أمه فإن هذه
المعلومة تدخل لدماغ دون تحليل موضوعي، ويبقى هذا التسجيل حاضر في المستقبل رغم
كبرنا، ما يتم تسجيله هو الضرب دون تفسير أو تعليل، وهي تسجيلا تعليمية، تتحول إلى
أفعال تلقائية.
وبذلك فإن دور الوالد هو جعل الشخص مرتاح وتحول
سلوكياته الاجتماعية إلى أفعال تلقائية، وفي هذا الوضع توجد تسجيلات سلبية وأخرى
ايجابية.
-2حالة الراشد:
في سن عشرة أشهر يتعلم الطفل تناول بعض الأشياء
بنفسه يوجهها بطريقة حرة، تبدأ حالة الراشد باعتبارها حالة تنم عن نوع من
الاستقلالية في القيام ببعض الأفعال، حينها يتطور لدى الطفل القدرة عل التفكير
والفهم والتميز بين الأشياء على المستوى الاجتماعي، و في مرحلة الراشد يبدأ الطفل
في تكوين بعض الأفعال الحرة والمستقلة، لهذا يجب تعزيز قيمة الاستقلالية
الذاتية داخل شخصية الطفل، و كل تسجيل يكون منسجما ومتناغم مع الشخصية يلعب دورا
ايجابيا في نمو شخصية الطفل، والتسجيل الشاذ ينم عن غياب التوازن في شخصية الطفل.
فالراشد يصنع نوع من التكيف والملاءمة مع المجتمع،
أي املاءات الراشد حتى لا يسقط في حالة من التناقض بين تسجيلات الوالد، التي تسبق
تسجيلات الراشد، الذي سوف يمتحن تسجيلات الوالد على المستوى الميداني، وهو مدين له
بالخبرة والتجربة، فالراشد يسعى إلى خبرة الحياة كما يريد، ودور الراشد هو خلق
الموازنة في الحياة الاجتماعية، لهذا نحتاج إلى انضاج الشخصية، حتى ننجح يجب
أن ننمي الجانب العلائقي والتواصل واثراء الحياة، لهذا يجب أن نخصب تجربة الراشد
لأنها صاحب ملازم للنفس، لهذا نحتاج أن نكون واعين في معاملاتنا.
3-حالة الطفل
تمثل الحالات الانفعالية والعاطفية والوجدانية، التي نخبرها منذ مرحلة الولادة إلى سن الخامسة، يتم من خلالها تسجيل جميع الانفعالات مع كل تعاطف أو مشكلة أو واقعة تقع ردود أفعال من قبيل الراحة المتعة الغضب التعاطف التوتر، يتم تسجيلها في الذاكرة الانفعالية، وبالمقابل تسجل لدى الوالد أيضا، لكن على المستوى التعليمي، لهذا لا يمحوا الوعي تلك المشاعر لأنها ليست إرادية، في كل واحد منا يوجد لديه طفل غير راضي بما يعيشه، لأن الطفل الطبيعي يحب أن يفعل ويخبر كل شيء لكن يتم منعه ع التربية والكبت الشيء الذي يعطي حالة عدم الرضا لدى الطفل الداخلي:
كم شخص يوجد فينا؟
مثالا لتوضيح كيفية اشتغال هذه الفرضية أثناء عملية التواصل:
إذا وجد شخصان في غرفة في عملية حوار، فكم
من شخصية تنحل منهما؟ على المستوى الظاهري يوجد شخصان، لكن على المستوى السيكولوجي
التواصلي، يوجد ثلاث شخصيات في كل واحد، تنحل عنها ست حالات نفسية مختلفة.
قصة المدير مع السكرتير:
دخل المدير إلى العمل فطرح سؤال على السكرتير كم الساعة، هذا سؤال راشد إذا كانت الإجابة متكافئة في عملية التواصل من طرف الراشد، سوف تجيب السكرتير تشير الساعة إلى العاشرة، لكن إذا قدمت إجابة طفل وقالت له، لماذا ليست لديك ساعة، فهذا الرد يكون على الطفل الذي يفشل في القيام بأعماله وهنا، تكون هنا العملية التواصلية غير متكافئة، وهنا يمكن أن يجيب بأنه ليس من الأدب أن تتعامل بهذه الطريقة مع المدير، فيكون الجواب من طرف راشد، أو يجيب بالطفل الداخلي فيقول لقد نسيت الساعة. ومنه فإن جميع أنواع التواصل التي نمارسها في الحياة اليومية تنطلق من هذه الفرضية.
لهذا يجب أن تكون لدينا خلفيات متعددة أثناء التواصل، من أجل فهم بعض التسجيلات العميقة والتي لا نعيها على المستوى الواعي في نفوسنا، حيث تدخل في البرمجة التلقائية للدماغ، تتم تسجيلات الوالد والطفل في نفس اللحظة منذ الولادة، فيكون الوالد هو الأنا التعلمية التي تحدد كل ما يمتلكه الطفل من معايير وقيم، في حين يكون الطفل الداخلي هو الأنا الانفعالية تسجل المشاعر والأحاسيس داخل منطقة amygdale في الدماغ، فكل واحد فينا لديه طفل داخلي غير راضي يبحث عن حالة التوازن والخروج من الخوف والقلق.
من هذا المنطلق نكون قد تعرفنا على المحددات النفسية التي تتحكم في السلوك الإنساني، في العرض المقبل سوف نتعرف على الحالات النفسية التي تتشكل لدى الإنساني منذ مرحلة الطفولة الشيء الذي يمكننا من فهم الأسباب الخفية وراء الإضطرابات النفية المختلفة.