العلمية في العلوم الإنسانية:
استطاع الإنسان أن يحقق
انجازات ملموسة وأن يصل إلى نتائج متقدمة في العلوم الطبيعية التجريبية، ومع ظهور
العلوم الإنسانية في القرن 19 سعت إلى التخلص من الخطاب الفلسفي التأملي
الميتافيزيقي حول الإنسان والتشبه بالعلوم الحقة التي نجحت في انفصالها عن الفلسفة
وفي تحقيق رفاهية الإنسان.
حيث نشأت العلوم
الإنسانية التي تريد الإحاطة بكل جوانب الظاهرة الإنسانية، نفسية واجتماعية،
ثقافية، سياسية، غير أنها طرحت جملة من الإشكالات المنهجية تكمن في التداخل بين
الذات والموضوع، والذي يشكل عائقا أمام تحقيق الموضوعية وبلوغ العلمية. ومن جهة أخرى فإن خصوصية الموضوع المدروس تقود إلى إشكال آخر
حول نوعية المنهج الملائم لخصوصية الظاهرة الإنسانية، وطبيعة العلاقة بين علمية
العلوم الإنسانية والنموذج العلمي الذي تقدمه العلوم الحقة. هكذا فإن نشأت العلوم
الإنسانية جاءت في سياق إبستمولوجي اتصف بالصراع بين العلوم الحقة والفلسفة حول
مصير العلوم الإنسانية.
الشيء الذي يقودنا إلى
طرح جملة من التساؤلات: إذا كانت الظواهر الطبيعية محكومة بمبدأ
العطالة تقبل الدراسة والبحث والتجريب والتكرار بحسب إرادة الباحث فهل تستطيع
العلوم الإنسانية أن تتعامل مع الظاهرة الإنسانية باعتبارها موضوعا قابل للموضعة؟ وكيف
يمكن موضعة الظواهر الإنسانية؟ وهل يمكن
تفسيرها أم فهمها؟ و أي نموذج يجب الأخذ
به في العلوم الإنسانية أهو نموذج العلوم الحقة أم نموذج يصاغ انطلاقا من طبيعة
الموضوع المدروس؟