الطرح الاشكالي:
عرفت المعرفة العلمية تطورا، كبيرا على مستوى المناهج والمقاربات التي تجعل من النظرية العلمية، عبر مراجعتها ونقدها والانقلاب عليها أحيانا، إذن فما هي الحدود الفاصلة بين ما هو علمي وما ليس علميا في النظرية؟ وما هي معايير صلاحيتها العلمية؟ وكيف نتحقق من سلامة النظرية العلمية؟ وكيف يتم البث في صدقية النظرية العلمية؟ وما الفرق بين نظرية علمية ونظرية غير علمية؟
الموقف التجريبي: معيار التحقق التجريبي
يتحدد معيار التحقق من صدقية النظرية العلمية في نظر المدرسة التجريبية (فرنسيس بيكون، كلود برنار، بيير دوهیم، روني توم،...) في قابليتها للتحقق التجريبي، مادامت النظرية أصلا هي صورة ناسخة لموضوعات الواقع التجريبي، حيث التجربة هي منبع النظرية ومحكها ووسيلة بيان صدقها من كذبها، ولا يصح نعث معرفة ما بصفة «العلمية» ما لم تخضع للفحص التجريبي، وكل تجاوز لهذا الشرط فهو خروج من العلم وارتماء في أحضان الأسطورة والمعرفة الخيالية والمثالية المجردة. أما العقل وحده فهو مجرد أطر فارغة بلا معرفة.
المناقشة: موقف كارل بوبر: معيار علمية النظريات العلمية هو القابلية للتكذيب
بخصوص معايير علمية النظريات العلمية، يؤكد الفيلسوف
الإنجليزي كارل بوبر أن مبدأ التحقق
التجريبي لا يسمح لنا بالتحقق بشكل كلي من صدق فكرة علمية ما، وإنما بشكل جزئي فقط،
وبالتالي فالنظريات التي يقول عنها أنصار الوضعية المنطقية بأنها علمية، هي علمية
بشكل نسبي فقط، أي حتى يتم تفنيدها.
تركيب:
يتبين من خلال مقاربتنا لإشكالية معايير علمية
النظريات العلمية، أن يوجد اختلاف بين الفلاسفة والعلماء في تحديد المحدد الأساسي
لعلمية النظرية، من جهة نجد معيار التحقق
التجريبي، والذي يرى أن النظرية لا يمكن
أن تكون علمية إلا إذا كانت تقبل أن نتحقق منها تجريبيا، ومنجها أخرى معيار القابلية للتكذيب، والذي يؤكد
أنصاره أن النظرية لا يمكن أن تكون علمية إلا إذا كانت تقبل أن نكذبها، ومنها أيضا
معيار التماسك المنطقي، والذي يؤكد أنصاره أن معيار علمية النظريات ليس هو
قابليتها للتحقق التجريبي ولا هو معيار القابلية للتكذيب، حيث نتأكد من انسجامها المنطقي والعقلاني. وبالتالي، فهذا الاختلاف يساهم في إغناء مجال
البحث العلمي، وتأكيد على أن العلم يبقى نسبيا من جهة أولى، وأنه دائم التقدم
والتطور عبر تصحيح أخطائه من جهة ثانية. كما يقول باشلار:
"تاريخ العلم تاريخ أخطاء تم تصحيحها".
ذ. أيوب الوكيلي