التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

نظريات التعلم - النظرية البنائية-

 



شكلت نظريات التعلم الإطار العام الذي يشمل الكثير من الحقائق والقوانين التي تتصل بتفسير ظاهرة التعلم سواء عند الإنسان أو الحيوان. إذ نجد الكثير من الباحثين الذين اهتموا برصد هذه الظاهرة من أمثال ثورندايك، بافلوف، سكينر، كوفكا، كوهلر، بياجي، وبرونر...وغيرهم.

لم يختلف العلماء على مركزية موضوع التعلم وأهميته في حياة الإنسان باعتباره أقدر الكائنات الحية على التعلم، لكنهم قدموا تفسيرات مختلفة ومتنوعة لهذه الظاهرة والتي ساهمت في إغناء الممارسة التربوية. ومن أبرز النظريات المرتبطة بهذا المجال نجد:

النظرية البنائية أو التكوينية

إن التقدم الذي أحرزه علم النفس في تفسير عملية التعلم واكتساب المعارف طرح الكثير من الاستفهامات حول مدى نجاح النظريات السلوكية والجشطالتية في فهم هذه الظاهرة.

 يعتبر جون بياجي أحد رواد هذا الاتجاه المعرفي، فالتعلم في رأيه نتاج للتفاعل بين العوامل البيولوجية والعوامل البيئية. والتعلم حسب بياجي ليس عملية ميكانيكية تقوم على أساس تخزين المعلومات في الذاكرة وإنما هو عملية نمائية ديناميكية تهدف إلى تحقيق التوازن Equilibration من خلال آلية الاستيعاب Assimilation و التلاؤم Accommodation  أو بمعنى آخر إن بناء أو تكوين المعرفة عند بياجي عملية وظيفية يجيب بواسطتها الفرد على سؤال أو مشكلة أو وضعية محددة.   

1-المفاهيم الأساسية في نظرية بياجي

- التوازن

يعتبر التوازن بمثابة الدافع الكامن وراء كل نشاط فكري للقضاء على حالة التوتر والقلق التي يعيشها الفرد نتيجة تغيرات ظهرت في المحيط، وأنتجت لدى الفرد حاجة إلى المعرفة والفهم لتفسير ما طرأ من تغيرات على المحيط. وكل حالة توازن تليها حالة من اللاتوازن التي تتطلب حركية جديدة للعودة إلى التوازن. ولا يتم ذلك إلا من خلال عملية الاستيعاب والتلاؤم.

- الاستيعاب

الاستيعاب هو آلية سيكولوجية تمكن من استدماج المعطيات الخارجية وإدخالها للذهن حتى يتم فهمها وتأويلها وتفسيرها طبقا لما يتضمنه من بنيات فكرية متنوعة، لتخرج بالتالي في شكل معرفة.  

- التلاؤم

أما التلاؤم فيقصد به تلك الآلية التي تهدف إلى تحقيق نوع من التوافق بين المتعلم وشكل المعرفة المطلوبة، ولا يتم ذلك إلا من خلال تعديل أو تفسير أنشطته الفكرية حتى يصبح في مستوى فهم وتفسير ما يروج في المحيط الخارجي، وهذا الفهم والتوافق يؤدي إلى حصول نوع من التوازن الجديد.

- مراحل النمو المعرفي عند بياجي

لقد حاول بياجي أن يرصد عملية التعلم من خلال مختلف التحولات الأساسية التي تطرأ على تفكير الفرد في مختلف مراحل العمر، حيث اعتبر أن لكل مرحلة خصائصها في التعامل مع موضوع المعرفة وهي تتحدد بطبيعة المرحلة النمائية التي يعيشها الفرد، وبطبيعة الإمكانات والأدوات الحسية والحركية والفكرية المتاحة في كل مرحلة.

من هنا نلاحظ بان المعرفة أو التعلم عند بياجي هو عملية وظيفية تخضع لنوع من الديالكتيك، فهي تبدأ من حالة اللاتوازن أو التوتر والقلق المعرفي، أي الإحساس بمشكلة معينة ومحاولة الإجابة عنها لتحقيق نوع من التوازن، ثم تبدأ مشكلة أخرى ليظهر معها قلق معرفي جديد وحالة من اللاتوازن تعقبها أيضا محاولات جديدة لتحقيق التوازن... وهكذا باستمرار.  

  وبناء على ذلك قسم بياجي النمو المعرفي إلى أربعة مراحل توازيها أربعة أنماط من التفكير وهي: المرحلة الحسية الحركية -المرحلة الماقبل إجرائية-المرحلة الإجرائية-المرحلة الصورية. فما هي إذن خصائص ومميزات كل مرحلة؟

1-المرحلة الحسية الحركية : La phase sensori-motrice

وتبدأ من الولادة حتى السنة الثانية، وهي مرحلة نمائية تظهر فيها تنسيقات بين الحواس والحركات. وهو ما يساعد الوليد على تشكيل البذور الجنينية للصور الذهنية التي تمكن من الاشتغال التطبيقي والتمركز حول الذات. ففي هذه المرحلة يمكن ملاحظة الوليد في المهد وهو يكرر مجموعة من الحركات مثل لمس أشياء قريبة منه والضغط عليها بقوة أو إدخالها في فمه ومحاولة تحسسها، فهو يعالج كل الموضوعات المقدمة إليه معالجة حسية حركية. 

2-المرحلة ما قبل الإجرائية: La phase préopératoire

وتبدأ من السنة الثانية أو الثالثة حتى السنة السادسة أو السابعة من عمر الطفل. وهي فترة نمو تظهر فيها خصائص التمركز حول الذات سيكولوجيا. مثال الشمس تقول لي صباح الخير، والقمر يرافقني ويمشي معي في كل مكان...فكل الأشياء فيها روح بالنسبة إليه وتكلمه وهو ما يعني ظهور النزعة الإحيائية لديه، كما أنه يعتبر نفسه محور العالم وكل الأشياء تدور في فلكه، يضاف إلى ذلك مجموعة من الأدوات الاستيعابية الجديدة مثل اللعب الرمزي والحركي، والتواصل المتنوع مع الآخرين. وفي هذه المرحلة يبقى الطفل مرتبطا بما يراه ويحسه ولا يستطيع بناء مفاهيم معقدة أو الدخول في متاهات منطقية بعيدة، ويستمر الطفل على هذه الحال حتى حدود السنة السابعة من عمره لينتقل إلى مرحلة أخرى. 

 3 - المرحلة الإجرائية أو المشخصة: La phase concrète 

تبدأ هذه المرحلة من سن السابعة أو الثامنة حتى سن الحادية عشرة أو الثانية عشرة سنة.

زيادة على القدرات المكتسبة لدى الطفل سابقا تضاف قدرات جديدة تتمثل أساسا في بروز عمليات ذهنية قابلة للعكس تمكن الطفل من القيام بنشاط ما وبعكسه ذهنيا للعودة إلى نقطة الانطلاق، وليتوصل في النهاية إلى فكرة الاحتفاظ بخصائص الأشياء، مثل الطول، الحجم، الوزن، وهي فكرة كانت منعدمة في المراحل السابقة.

مثال فكرة الاحتفاظ: سكب كوب كبير من الماء في ثلاثة أكواب صغيرة يعرف الطفل ذهنيا أن الكمية لم تتغير بتغير الإناء لأنه يستطيع ذهنيا أن يعيد السائل من الأكواب الثلاثة إلى الكوب الأصلي، هذا على خلاف ما كان في المرحلة السابقة التي يميل فيها إلى تفضيل الأكواب الثلاثة على الكوب الأكبر اعتقادا منه أنه تحتوي كمية أكبر من السائل.

 ومن الأدوات الاستيعابية التي تسمح للطفل بتكيف أكبر مع محيطه جملة من العمليات الذهنية من بينها القدرة على الترتيب، القدرة على التصنيف، القدرة على القيام بالعمليات الزمانية والمكانية المختلفة....   

- المرحلة الصورية المجردة La phase formelle    

تبدأ هذه المرحلة من سن الثانية عشرة تقريبا، وتتميز بطغيان التجريد والتعميم الذي يميز عالم المراهق. حيث يبدأ في تجاوز العالم المحسوس وبناء الفرضيات واستنتاج المبادئ، بل أكثر من هذا فهو قادر على بناء قضايا وفرضيات أخرى انطلاقا من استنتاجات سابقة. وهذا ما يؤهله لمعرفة القوانين والنظم والنظريات والمعادلات والقياسات والنماذج وما يمكنه من تحقيق نموذجه الافتراضي.

بعض التطبيقات التربوية للنظرية البنائية

ربطت هذه النظرية التعلم بالنمو أو النضج، لكن ما يحكم هذا النمو دائما هو الميكانيزمات الداخلية (البيولوجية) للفرد والتي لا تتأثر إلا في حدود ضيقة بما هو خارجي. كما أنها أعادت الاعتبار للذات المتعلمة ولتمثلاتها السابقة في بناء واستكشاف المعارف، حيث أن المتعلم يقوم بدور فعال في بناء معارفه وليس مجرد متلقي سلبي. كما تؤكد هذه النظرية على أهمية الاستعداد في النشاط التعلمي، لأنه يكشف عن طبيعة القدرات والمهارات المتوفرة لدى المتعلم في أي مرحلة من مراحل التعلم.

 

عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات