أفادت الدراسات العلمية المتأخرة أن هناك منطقة في الدماغ تُدعى القشرة الدماغية الأمامية المتوسطة، وهذه
المنطقة تنشط حينما يُفكّر الشخص في نفسه، وخاصة في الأهمية العاطفية لموقف ما لنفسه،
وفي نتيجة مُماثلة.
في هذا السياق تقول الدكتورة ( ليه سومرفيل Leeh Somerville) ورفاقها من جامعة هارفارد، بأنه كلما انتقل الفرد من فترة الطفولة إلى سن المراهقة، تُصبح هذه المنطقة أكثر نشاطاً في المواقف الاجتماعية، وتصل إلى ذروتها في سن الخامسة عشرة تقريباً، وعند هذا الحد تحمل المواقف الاجتماعية الكثير من العواطف، مما يتطلب استجابة لضغط الوعي الذاتي، وهذه الاستجابة ذات شدة عالية، وهذا يعني أنه في فترة المراهقة، يسعى الطفل إلى تجاوز البنيات الاجتماعية وخلق نوع من الاستقلالية في الممارسة السلوكية والتواصلية. على خلاف ذلك حينما يصبح راشدا يتقلص لديه الاهتمام بالذات ويكون أكثرا عطاء خصوصا عندما يصبح أبا أو أما.
تطور النسج العصبي في مرحلة المراهقة:
في مرحلة المراهقة يعرف النسيج العصبي جملة من التحولات من خلال نمو وصلا عصبية جديدة، في فترة المراهقة تساعد عملية تشكيل الدوائر الكهربائية في تجهيزنا لتعلم الدروس اللازمة لنا للعبور إلى فترة الرشد.
وهنا
تبدأ عملية التفكير المنطقي والعقلاني في العمل داخل أدمغتنا، وتعد كذلك القشرة
الصدغية الجانبية الظهرية من أكثر المناطق الدماغية التي تنضج متأخرة، ولا يصل
الإنسان إلى حالة البلوغ إلا في بداية العشرينات من عمره، رغم أهمية تلك المنطقة
في ضبط الانفعالات العاطفية.
فالطريقة التي ينظر فيها المراهقون إلى تبعات السلوك تخضع إلى تغير في
الدماغ حسب جدول النماء الطبيعي، وهذه التغيرات تقودنا إلى ما يُسمّى بالوعي
الذاتي، وإلى زيادة تقبل المخاطر، وإلى سلوكيات يكون دافعها إرضاء الرِّفاق وهُنا
أسجل نصيحة إلى الآباء والأمهات المحبطين حول العالم أن هويات المراهقين ليست
نتيجة لاختيارهم ولا لمزاجهم بقدر ما هي نتاج المرحلة يتعرض فيها الدماغ إلى تغير
عصبي شديد لا يُمكن الإفلات منه.
مرونة الدماغ في مرحلة الرشد
ما أن نبلغ خمسة وعشرين عاماً من العمر، حتى تكون عمليات التغير في الدماغ خلال مرحلة المراهقة قد اكتملت، وتكون التغيرات البنائية في هوياتنا وشخصياتنا قد انتهت، وكما يبدو الدماغ عضواً مكتمل النمو تماماً، وهنا قد يخطر ببالنا أن هوياتنا كراشدين قد استقرت، وأصبحت غير قابلة للتغير، ولكن الحقيقة عكس ذلك تماماً.
ففي فترة الرشد، تستمر أدمغتنا بالتغير، وتُدعى هذه الميزة بالمرونة، أي أن هناك شيئاً يُعيد تشكيل دماغنا أو يحتفظ في شكل ما من أشكال هوياتنا، وهذا تماماً ما يحدث في الدماغ في فترة الرشد، وهو أن الخبرات التي نكتسبها يومياً تُغيَّرنا، وتُحافظ على قدرتها في التغيير. هذا الأمر يؤكد أن الزمن يزيد ويطور القدرات العقلية وينميها بأشكال مختلفة ومتنوعة.
إذن فكل التفاصيل التي تمر بها حياتنا سواء كانت صغيرة أو كبيرة تعتبر جزء أساسي في تحديد مستقبل شخصياتنا وأبعادها النفسية والاجتماعية.
فعندما فحص دماغ آلبرت آینتشتاین (Albert Einstein) - أحد
أشهر العلماء في القرن العشرين - ورغم أن حجم دماغه لم يُظهر أي اختلاف إلا أنه
تبين أن الخلايا الدماغية الخاصة بأصابعه اليُسرى كانت أكبر محدثةً طيّاً كبيراً
في القشرة الدماغية التي تُدعى علامة أوميغا وهي تشبه الحرف اللاتيني (2) ويُعتقد
أن هذا كان بفضل هوايته الأقل شهرة في عزف الكمان، وهذا الطي العصبي أصبح علامة
مميزة لكل عازفي الكمان الذين برعوا بالعزف باستخدام أصابعهم اليسرى.