التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

المحور الثالث: الحرية والقانون



المحور الثالث: الحرية والقانون.


إشكالية المحور:

     ما علاقة الحرية بالقانون؟ هل تتعارض الحرية مع الخضوع للقانون، أم أن في الخضوع للقانون ضمانة لها ولقيامها؟ ماذا تعني الحرية، هل هي خاصية داخلية للوعي، أم أنها فعل وممارسة في الحياة العامة؟

1-  موقف جون جاك روسو:

     يذهب فلاسفة العقد الاجتماعي توماس هوبز وجان لوك وجان جاك روسو بالإضافة إلى سبينوزا إلى القول بأنه لا وجود لحرية بدون قانون، والإنسان الأكثر حرية هو الإنسان الذي يعيش في الدولة. فروسو يؤكد أنه "لا وجود قطعا لحرية من دون قوانين، ولا شخص فوق القوانين: وحتى في حالة الطبيعة، لا يكون الإنسان حرا إلا عندما يخضع للقانون الطبيعي... إنه يخضع للقوانين، لكنه يخضع إلا للقوانين وبفضل قوة القانون لا يخضع للبشر". 

    الإنسان لم يشعر بحريته، ولم يتسن له ممارستها إلا في إطار القوانين المنظمة. وعليه فإنه لا يمكن تصور مفهوم الحرية خارج القانون. وبدون قانون تصبح الحرية حقا لكل الناس، يفترض توفر دولة وقوانين يضبطان هذه الحرية ويوجهانها، ويمنعان تصادم الحريات، بل يدفعان إلى تعايشها. فلا مجال للحديث على الحرية إلا داخل الدولة.

     في نفس الاتجاه يذهب  توماس هوبز الذي يوضح دور الدولة والقانون في الحفاظ على الحرية، فالناس قبل ظهور الدولة كانت لهم الحرية المطلقة في فعل أي شيء، في غياب كامل الموانع الخارجية التي تحول بين الفرد وما تمليه عليه غرائزه وأهواؤه. في هذه الحالة تصبح الحرية أداة للهيمنة الاستيلاء والسيطرة على كل شيء بما فيها السيطرة على أجسام الناس الآخرين، فتنتشر الفوضى وتندلع الحرب المزرية، حرب الكل ضد الكل، وتسلب حرية الأفراد وحياتهم، ويجردون من ممتلكاتهم، في ظل هذه الظروف لا يمكن لأي أحد أن يستمتع بخيراته، فتنتشر الفاقة والفقر والوحدانية والشقاء والوحشية والجهل، والخشونة التي تحرمنا من نعيم الحياة. 

    أما عندما نستجيب لنداء العقل، ونتخلى عن حريتنا المطلقة والكاملة، ونرضى بالقدر الثاني من الحرية في ظل حكومة دولة قائمة، فتصبح حريتنا حرية مقيدة بالقانون يضبطها ويؤطرها ويجعلها حرية فاعلة. تصبح الحرية هنا قانونية تضبطها قواعد تشريعية تبلور الإرادة العامة المشتركة في حياة مشتركة هادئة ويسيرة تكفل الحرية للجميع بالقدر الكافي الذي يضمن الأمن والسلم والتعايش والتعاون والتآزر للجميع.

         فالقوة التي كانت في حالة الطبيعة مصدرا للتعاسة والخوف والحرب المزرية، ستصبح مصدرا لسعادتهم وأمنهم، وذلك عندما توضع في يد شخص واحد أو مجلس واحد، فيصبح بذلك الكل من أجل الواحد، والواحد من أجل الكل. أي الجماعة من أجل الفرد، والفرد من أجل الواحد.

     يخلص هوبز إلى أن الدولة القائمة على العقل والقانون تحقق لجميع أفرادها حريتهم وحقوقهم، فتزدهر العلوم والفنون، وينعم الناس بالخيرات، فيرتفع الفقر وتذهب الفاقة، فتضع الدولة حدا للأهواء والهمجية والشقاء والفقر، فيكثر الغنى، ويستتب الأمن، "ونتذوق عذوبة الاتفاقات"

     إن الإنسان لم يشعر بحريته الحقيقية إلا داخل علاقات اجتماعية تحكمها القوانين والتعاقدات. فالحرية هي ما تسمح به القوانين من أفعال داخل المجتمع.

2-بنجامان كونستان:

     يتجاوز بنجامان كونستان الطرح القديم للحرية، ويرى أن الحرية لا تقتصر على العيش داخل مجتمع يسوده القانون، بل يجب على القانون أن يضمن حقوق الإنسان ويرعى المواطنة، ويحمي الأفراد من شطط السلطة، ومن استعمالها في غير محلها، واستعمالها في ما يحفظ حقوق الناس وحريتهم، وتكريس الولاء للقانون لا للأشخاص. قانون يحميهم من الاعتقالات التعسفية، ومن التوقيف بدون مبرر قانوني، ويجرم سوء المعاملة، ويرفض تكريس السلطة في يد شخص أو جماعة ما، بل بجعلها مشتركة بين الجميع.

     إن الحرية في المجتمع الذي يسوده هذا النوع من القانون تضمن حرية الرأي، وحرية اختيار الوظيفة التي يريد، وممارستها بالطريقة التي يريد، والتمتع بملكيته بدون قيد أو شرط، وحق التجول والتحرك في بلده كما يشاء.

     إن الحرية تكمن في حق كل فرد من أفراد المجتمع في المشاركة في حكومة بلده، وحق تعيين الموظفين أو بعض منهم على الأقل، وحق المطالبة بحقوقهم كاملة، ومن واجب الدولة الاهتمام وإعطاء العناية اللازمة لهذه المطالب. القانون هنا يضمن الحرية، هذه الحرية التي تحد من شطط سلطة ما بواسطة سلطة ما كما يذهب إلى ذلك مونتسكيو.

     ينطلق ماكس سترنر من أن القول بوجود قوانين وقواعد تضمن الحرية وتحددها، قول قد يضمر تناقضا، لأن القوانين تقيد الحرية. فالحرية في نظره مستحيلة في ظل الدولة، التي تحد بواسطة قوانينها التنظيمية من حرية الفكر والعمل، وذلك على اعتبار أن "الدولة لا تروم إلا غاية واحدة: تقييد واستعباد الفرد". يذهب سترنر إلى تصور الحرية داخل مناهج التجربة الوجدانية والفكرية، وما تمارسه الذات في عزلتها من حرية التفكير.

 

 

 

 

 


عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات