التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

المحور الثاني: الحرية والإرادة.

 

المحور الثاني: الحرية والإرادة



ما علاقة الحرية بالإرادة؟ هل يعني أن حريتنا نتاج لإرادتنا أم أننا ملزمون بها؟ هل تشكل الإرادة شرطا للحرية؟ هل يمكن الحديث عن حرية الإرادة؟ هل الإرادة الحرة هي التي تتحكم في الحياة الإنسانية؟ وهل نحن مسؤولون عن أفعالنا أم مضطرون إليها؟

     تتحدد الحرية على مستوى الوعي بأنها إمكان الاختيار، فلكي يكون هناك عدة حوافز للعمل وعدة إمكانات. وقد يكون الاختيار مستحيلا حين تتساوى لدينا كل الحوافز، فحمار بوريدان الذي وجد نفسه أمام طعامه وشرابه على مسافة واحدة منهما، يقضي جوعا وعطشا لأنه لا يجد داعيا يدعوه للتوجه إلى اليمين أقوى من داع يدعوه للتوجه إلى اليسار، أي العجز عن الاختيار.

إن قرارا في مثل هذه الحال يرد إلى ما يمكن أن ندعوه حرية التساوي، فليست الحرية على هذا الوجه تعبيرا عن شخصية معينة. إنها الحرية السلبية القائمة على اللامبالاة في نظر ديكارت، والتي يستوي فيها الضدان بلا رجحان.

     الحرية عند ديكارت تتجلى في الإرادة، القدرة على الاختيار والإيثار والترجيع وفق الإرادة الحرة ودون الإحساس بأي تدخل أو ضغط خارجي يملي علينا ذلك الاختيار، أي بعيدا عن أي تدخل خارجي. والحرية بهذا المعنى ترتبط بالإرادة والقدرة على الاختيار. هذه القدرة التي تزيد وتنقص وفق مدى وضوح الأشياء التي نختارها. فقدرتي تزيد نحو بعض الأشياء كلما زاد ميلي نحوها، هذا قائم على البداهة والتبصر، والميل نحو بعض الأشياء بسبب دخيلة ربانية، وهذا لا ينقص من حريتي شيئا، بقدر ما يقويها.

Ø   موقف ديكارت:

     إن الحرية عند ديكارت ترتبط بالمعرفة، فهي المجال الذي تستطيع فيه الإرادة الحرة أن تختار وأن تصدر أحكامها. وكلما كانت معرفتي بالأشياء أوضح وأكثر كلما كانت قدرتي على الاختيار أقوى وأوضح. أما عدم وضوح الأشياء وعدم معرفتي الواضحة بها تقود إلى جعل حريتي سلبية وغير مبالية وتقود أحيانا إلى استواء الضدين بدون رجحان.

Ø   موقف سارتر:

     يعمل جان بول سارتر إلى تعميق مفهوم الحرية أكثر وربطه بالوجود بعد أن كان مرتبطا مع ديكارت بالمعرفة فقط. إن سارتر ينطلق من الوجود ومن الوجدان، لهذا نجده يقول: "إننا لا ندرك ذواتنا إلا من خلال اختياراتنا، وليست الحرية سوى كون اختياراتنا دائما غير مشروطة"، إن الذات الإنسانية ليست مشروطة بشيء، بقدر ما تعتبر كل شيء مشروطا بالذات. الإنسانية مرادفة للحرية عند سارتر، فنحن ننفصل عن الأشياء بالحرية، فهو وحده الحامل للحرية في الكون، بلا حرية لا وجود للإنسان وبلا إنسان لا وجود للحرية في الطبيعة.

     إن الحدود والإكراهات والإشراطات الطبيعية والاجتماعية والتاريخية لا تسمى حدودا إلا إذا وجدت الحرية. لو لم توجد الحرية بشكل مسبق لما وعينا هذه الأشياء كحدود. فالحواجز لا توجد إلا لامتلاك الإنسان الحرية المطلقة، هذا ما دفع بسارتر إلى القول:

"إن الإنسان محكوم عليه بأن يكون حرا. إنه يحمل ثقل العالم كله على كتفه. إنه مسؤول عن العالم وعن نفسه بصفته نوعا متميزا عن أنواع الكيان الأخرى". ثم يقول أن إثبات الوجود يستلزم إمكانية إعدامه ومن يستطيع إعدام الموجود سوى الإنسان؟

يذهب سارتر كما سبق القول إلى أن الإنسان مرغم على أن يكون حرا، من حيث أنه لا يستطيع أن يتحاشى الاختيار، لأن الامتناع عن الاختيار هو نفسه اختيار. والوعي ذاته حرية، ولا يمكن إلا أن يكون ــ بالضرورة ــ كذلك، أي من حيث تركيبه الوجودي.

     لهذا يميز سارتر بين الوجود في ذاته، أي وجود الأشياء، والوجود لذاته، أي الإنسان، وهو الذي يحدث ثغرة في هذا الوجود الضيق المكتمل الممتلئ بنفسه والذي هو هوية في ذاته، والشعور هو الذي يفتح باب العدم في العالم، وبالحرية يجيء العدم إلى العالم.

     ذلك أن حرية الإنسان تسبق ماهيته وتجعلها ممكنة، فماهية الإنسان منوطة بحريته، ولا تمييز بين الحرية ووجود الإنسان، فالإنسان هو حريته، لأن الحرية هي الشعور ذاته، ولا يمكن أن يحيا الإنسان بلا شعور. الحرية تبرهن عن نفسها بتحقيق نفسها حين يحقق الإنسان شخصيته من خلال أحداث العالم بدل أن يخضع لهذه الأحداث من الخارج وكأنها قدر أعمى.

عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات