التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

مفهوم الدولة..... المحور الثالث: الدولة بين الحق والعنف

 



البناء الإشكالي:

 لم يكد العنف يبارح السياسة في التاريخ الإنساني، فلزمن طويل تلازما حتى كادت السياسة لا تعرف إلا به أو بما هي عنف، هكذا يقترن معنى الدولة في وعي عامة الناس وبعض خاصتهم مثلا بالقوة والشدة والقهر،  وما أبدته من غلظة وقسوة في ممارسة الحكم فأذاقت المجتمع مرارات لا تطاق، أو في التجربة التاريخية وما حملته من مظاهر بطش وقهر السلاطين بالأقارب فضلا عن الأعداء، أو بطش الثوار والمتمردين بأعوان السلطة ورؤوسها...من هذا المنطلق يمكن طرح جملة من التساؤلات: هل العنف ضروري لتمارس الدولة وظيفتها؟ ألا يتعارض العنف مع الحق والقانون؟

موقف نيكولا مكيافيللي: الغاية تبرر الوسيلة:

الأطروحة: السلطة غاية في ذاتها ولحفظ استمراريتها لابد من الجمع بين الوسائل المشروعة الحق والقانون والوسائل غير المشروعة (القوة والخداع) بعض الأسس الحجاجية للأطروحة: ينطلق مكيافيللي في كتابه "الأمير " لبيان تصوره حول كيفية ممارسة السلطة السياسية من ابراز كيف أن كل أمير " باعتباره أعلى ممثل للسلطة السياسية (الدولة)" يكون بين خيارين إما أن يكون محبوبا أو مرهوبا

ويرى أن المسألة الأولى (المحبة والحكم بالحق والقانون غير كافية لأن المحكومين ليسوا بشرا خيرين وطيبين، بل ذناب متربصة وصيادون أشرار ينصبون الفخاخ، فلابد أن يكون أسدا ليرهب الذئاب وثعلبا ماكرا ليتجنب شباك الصيادين، ولإن إكتساب حب الآخرين أمر عسير المنال في كل أوان بخلاف اكتساب رهبتهم فهو هين مضمون.

  وهذا يجعل المسألة الثانية الرهبة والحكم بالقوة والمكر ضرورية: لأن الغاية تبرر الوسيلة وفي السياسة لا أخلاق إن مجال السياسة مجال مصالح وصراعات فغاية السلطة السياسية ذاتها أي حفظ السلطة وضمان ديمومته. وهكذا فلابد للأمير أن يحكم في الآن ذاته بالوسائل المشروعة الحق والقانون وغير المشروعة (القوة) والمكر) إذ مجال السياسة مجال صراع وتنافس غايته حفظ استمرا السلطة والسيطرة.

ولهذا كان على الأمير إذا خير بين أن يكون محبوباً أو مهابا عليه أن يختار المهابة بدل المحبة فهي أضمن لسلطته وسلطانه، دون أن يغفل استعمال حتى الوسائل المشروعة لبسط تسلطه فالأمير لا بد أن يكون واقعي وبراغماتي نفعي في الآن نفسه.

 تأسيسا على ما سبق فإن العلاقة بين الدولة باعتبارها سلطة سياسية والعنف باعتباره ممارسة للقوة والخداع هي علاقة تكامل إذ أنه آلية من آليات ممارستها حسب مكيافيللي إلى جانب القوانين والأخلاق.

قيمة هذا التصور من مظاهر قوة أطروحة مكيافيللي نذكر أنه ثورة في مجال السياسة فبدل البحث عن ما يجب أن يكون يفضح ما هو كائن بالفعل إنه تصور واقعي وتاريخي، يفصل السياسة عن الأخلاق ويبين طبيعة السلطة باعتبارها تسلط وسيطرة وفي ذلك تعرية للواقع السياسي وكشف الحقائق.  سعى مكيافيللي لاستعادة مجد روما التاريخي ووقف الحروب الأهلية التي سادت في عصره ودولته ايطاليا القرن 16م يبرر شرعنته لقوة الدولة.

حدود هذا التصور مما يؤاخذ عليه التصور المكيافييلي كونه يؤسس لاستبدادية الأمير / الدولة، يبرر الأفعال اللاأخلاقية باسم المصلحة العليا للدولة، يعتبر الشعب مجرد أدوات للحكم والتحكم أشياء) وليسوا أشخاصا وفي ذلك نفي لقيمة الشخص/ المواطن.

موقف  ماكس فيبر:

 الأطروحة: يرى فيبر أن العلاقة بين العنف الدولة علاقة حميمية فالعنف المشروع أساس سلطة الدولة.

بعض الأسس الحجاجية لهذا الأطروحة: يؤسس فيبر أطروحته حول علاقة الدولة بالعنف على عبارة تروتكسي القائلة " إن كل دولة هي جهاز مؤسس على العنف" مميزا عنف الدولة بما هو عنف مشروع، ويقصد فيبر بمفهوم العنف المشروع القوة التي تستعملها الدولة في تنظيم المجتمع وحمايته، فهو بذلك ممارسة مشروعة للدولة، يكون محط قبول من الجميع، إذ يقضي على الفوضى، ويحافظ على التدبير الجيد للمجتمع، ويؤكد شرعية الدولة، مثال عنف جهاز الشرطة الحافظ للأمن الداخلي أو الجيش الحافظ للأمن الخارجي.

وهكذا فالعلاقة بين مفهوم الدولة ومفهوم العنف المشروع علاقة حميمية حسب فيبر فدولة بلا عنف أي قوة وهيمنة لا تكون وعنف بغير دولة جريمة.

 متلما يؤكد أن مجال السياسة هو مجال هيمنة وسيادة الإنسان على الإنسان، والدولة باعتبارها سلطة سياسية سواء كانت تقليدية أو حديثة ديمقراطية أو استبدادية لا يمكنها أن تستغني عن العنف الذي لجأت له كل التجمعات السياسية، وإن وظيفة الدولة الأساسية هي ممارسة العنف واحتكار استعماله وتنظيمه بقوانين وإجراءات ولهذا فالدولة هي المخولة باستعماله وبتفويض من يستعمله. فلكي تمارس الدولة وظائفها واختصاصاتها فإنها تلجأ بالإضافة على الوسائل القانونية إلى العنف المادي الذي تحتكره والذي يسميه بالعنف المشروع.

 القيمة الإيجابية لهذه الأطروحة كونها تصور اجتماعي للسلطة السياسية واقعي وفعلي. / كونها تجرد الأشخاص من حق العنف وتسنده للدولة الشرعية ممثلة الشعب والشرعية / تأكيدها خصوصية المجال السياسي وكونه مجال للمهنئة إن السياسة مهنة وليست منة فهي وظيفة لها قواعد وضوابط.

 من المؤاخذات الممكنة على هذا التصور أي حدوده: كونه تبرير لعنف الدولة / أنه قد يوقعنا في الخلط بين قوة الدولة وعنفها / أنه لا يميز في العنف المشروع درجاته التي تحول دون أن يكون شرا في ذاته أو شرا لابد منه والحال إن عنف الدولة إنما غايته الخير وليس يدرك الخير بالشر فمدخل الشر شر فليست الدولة كيانا معصوما.

§      المهاتما غاندي اللاعنف قانون النوع الإنساني:

 لا مشروعية للعنف ولا تبرير له فالعنف رذيلة أخلاقية ووصمة عار في جبين الإنسان، إن العنف إرادة حاقدة وسينة في إلحاق الأذى بالغير الخصم) مثلما ان العنف لا يجلب غير العنف، فهو قانون النوع الحيواني وليس قانونا للإنسانية

يرفض غاندي العنف كأساس للممارسة الإنسانية سواء كانت سياسية أو اجتماعية وهو بذلك يرفض كل مشروعية للعنف أو تبرير فالعنف رذيلة أخلاقية ووصمة عار في جبين الإنسان إن العنف إرادة حاقدة وسيئة في إلحاق الأذى بالغير (الخصم) مثلما ان العنف لا يجلب غير العنف، فهو قانون النوع الحيواني.

 في المقابل يدعو إلى اللاعنف باعتباره مقاومة روحية قوامها المحبة وإرادة الخير وهو لا يعني الاستسلام، بل هو أقوى سلاح إذ يجرد الخصم من قوته وهي إرادة ابراز قوته نفسها.

حيث  أسس غاندي ما عرف في عالم السياسية ب"المقاومة السلمية" أو فلسفة اللاعنف  وهي مجموعة من المبادئ تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية، تهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعي الكامل والعميق بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاعنف أساليب المقاومة اللاعنيفة:

القيمة الفلسفية هذا التصور:

 يحمل تصور غاندي قيمة روحية عالية فهو تصور يتوافق مع كل نزعة خيرة تسعى إلى تأسيس الحياة الطيبة، ويؤسس غاندي بتصوره لمجتمع التسامح والإخاء والصفح والغفران ويتماشى تصوره وروح أغلب الأديان السماوية والوثنية ، ويتناسب وكل منزع عقلاني يدعو الى الإقناع بالتواصل والحوار بدل العنف والقوة.

لكن حدود هذه الأطروحة أنها  مثاليته المطلقة وصعوبة تجسده واقعيا من طرف الجميع، وغفلته عن الطبيعة العنيفة للفطرة الإنسانية ونزوعها لحب الهيمنة والتسلط إن اللاعنف هو نفسه عنف قائم على الأغلبية وإلا فلا أثر له في الواقع.



 

عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات