يدل لفظ السلطة في دلالته العامة على القدرة في التأثير وتوجيه الغير
نحو تصرف بعينه، سواء كان راضيا أو مكرها. وهي بهذا المعنى تدل على القوة والنفوذ.
والسلطة بشكل عام هي القدرة على الأمر. ومنه يمكن طرح التساؤلات التالية ما
حدود السلطة السياسية؟ وما طبيعتها؟ وهل تنحصر السلطة السياسية في أجهزة الدولة أم
أن السلطة السياسية قدرة مشتتة في كل ثنايا المجتمع؟ أي هل هي قدرة متعالية عن
المجال الاجتماعي الذي تمارس فيه أم محايثة (ملازمة) له؟
موقف مونتيسكيو:
الأطروحة: إن
السلطة مفهوم يرتبط بالدولة وبمؤسساتها وأجهزتها، وهكذا فالسلطة لها طابع سياسي
خالص حسب مونتسكيو ويرى أنه لتجنب عشوائية وطغيان السلطة الحاكمة منع احتكار
السلطة في يد واحدة.
ولأجل ذلك لابد من ضمان مبدأ
الفصل بين السلط. باعتباره مبدأ مؤسس لدولة الحق والقانون، ومثلما يقول في
كتابه “روح القوانين " فإنه لكيلا يساء استخدام السلطة، لابد تبعا
لنظام الأمور أن تحد السلطة السلطة ذلك أنه توجد في كل دولة ثلاثة أنواع من
السلطة، السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية :
§ فالسلطة التشريعية تختص بسن القوانين وتحديد
الواجبات والحقوق، ويمثلها البرلمان
§ أما السلطة القضائية، فيتجلى دورها في الحرص على
تطبيق القانون، ومعاقبة مخالفيه، والفصل في المنازعات التي تقع بين الأفراد أو
المؤسسات. وتمثلها المحاكم.
§
في حين ان السلطة التنفيذية مكلفة بتنفيذ
القوانين داخل الدولة والسهر على سلامة الدولة داخليا وخارجا ويمثلها جهاز الحكومة
بمختلف مؤسساته التنظيمية.
ومثلما قد نفهم فإنه لضمان حرية المواطنين لابد
من الحرص على نحو قطعي، ألا تجتمع هذه السلط الثلاث في يد واحدة، وبالمقابل لابد
من الفصل بينها فصلا يجعلها متوازنة.
وهكذا نفهم أنه لا وجود لدولة الحق والقانون Droit
بدون إستقلالية البرلمان السلطة التشريعية) والعدل (السلطة القضائية)، عن السلطة
الحاكمة السلطة التنفيذية). واستقلالهما عن بعضهما البعض طبعا.
قيمة هذا التصور:
إن أطروحة مونتسكيو إذن تؤسس مفهوما جديدا للدولة ألا وهو دولة
الحق و القانون، حيث أنها تؤكد ضرورة مبدأ فصل السلط، وهذا ما يشكل تعبيرا
جذريا في تكريس العدالة في النظام السياسي للدولة ففصل السلط يخلق التوازن فيما
بينها حتى لا يحدث سيادة لإحداها على الأخرى هذا من جهة ويضمن عدالة القوانين
باعتبار ان السلطة التشريعية للبرلمان تمثل صوت الشعب من جهة أخرى إذن ففصل السلط
هو بمثابة جوهر يؤسس دولة الحق و القانون والتي تهدف حفظ مصلحة الشعب.
حدود هذا التصور:
تمثل أطروحة مونتسكيو تصورا تقليديا لمفهوم السلطة إنها أطروحة لا تصف
غير ظاهر السلطة أما باطنها فغائب هو ما سيبينه فوكو، أما في علاقة بالفكرة نفسها
فإن الفصل بين السلط قد يولد ضعفا في السلطة مثلا في حالة الطوارئ لا يمكن للسلطة
التنفيذية انتظار رأي السلطة التشريعية ومناقشات ممثليها بل لابد لها من الجمع بين
السلطتين للحسم السريع في قراراتها.
موقف مشيل فوكو: ميرو سلطة
الأطروحة:
إن للسلطة طابع اجتماعي، فالسلطة علاقة أو استراتيجية محايثة للجسم الاجتماعي
بمختلف مظاهرة: نجدها في العلم وفي السلوك والأجساد حيث تحمل دلالة بنيوية
واجتماعية وعلائقية:
السلطة من منظور فوكو اسم لوضعية استراتيجية
معقدة يتداخل في تكوينها و تحديديها عناصر مختلفة ومتشابكة وليست فعلا أو ملكا
لأحد، ومعنى أن السلطة محايثة أي ملازمة وتنتشر في مفاصل المجتمع كلها وليست مجرد
هيمنة سياسية لجهاز الدولة أو طبقة ما ) وعلائقيا: السلطة إجرائية تعكس إجراءات
خفية ومعلنة في الوقت نفسه أي) تتخذ صورة حربائية فهي متلونة وتحضر في كل العلاقات
الإجتماعية).
حيث ينتقد فوكو التصور الكلاسيكي الليبرالي والماركسي للسلطة، أي
النظر إليها باعتبارها مجموع الأجهزة والمؤسسات التي تمكن من إخضاع
المواطنين داخل دولة معينة، سواء عن طريق العنف أو عن طريق القانون. فهي غير قابلة
للاختزال في يد جهاز أو طبقة أو فرد معين، بقدر ما هي منتشرة وحاضرة في كل زمان
ومكان، ومعنى هذا الكلام، رفضه ربط السلطة، بالفئة الحاكمة والهيئات العليا في
أجهزة الدولة وحصر السلطة على الدولة فقط.
ويرى في المقابل أنها محايثة أي ملازمة للوضع الاجتماعي على نحو عام فهي اسم نطلقه على وضعية استراتيجية معقدة في مجتمع معين. ويؤسس بذلك فوكو لتصور جديد حول السلطة ولشرح تصور فوكو حول السلطة بما هي علاقات قوى متعددة قد تتخذ أشكالا مختلفة - فقد تكون مادية أو رمزية أو قانونية - وأنماطا متباينة - فقد تكون سياسية أو ثقافية - :
وفي مجال الطب نجد حسب فوكو أن سلطة الطبيب النفسي مثلا هي من عملت
على اقصاء المجنون من المجتمع الحديث، في حين كان مجنون القرية عنصرا يتعايش معه
اهل القرية لهذا لم يكن اقصاء المجانين الا بسلطة العلم.
قيمة هذا التصور:
يتجاوز ميشيل فوكو مفهوم السلطة التقليدي بوصفها مفهوما مركزيا يعكس
علاقة النظام السياسي أو الدولة بالأفراد، إلى مفهوم يتشكل من مجموعة العلاقات
والنظم المتشابكة، يتداخل فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمعرفي.
حدود أطروحة فوكو: من
المؤاخذات التي يمكن طرحها على تصور فوكو للسلطة أن تصوره لها يجعلها شيء غامض ،
وغير مرئي في الوقت نفسه، فهي المجهول الأكبر والحاضر الأوفر في علاقاتنا
الإنسانية. إنه تعريف واسع جدا لمفهوم السلطة يصعب معه تحديدها بدقة.
تركيب المحور:
إن الحديث عن طبيعة السلطة السياسية هو حديث عن مفهوم الدولة وتطورها
تاريخيا، فالدولة عبارة عن سلطة تمارس عن طريق مؤسسات وأجهزة نوعا من العنف والقهر
على أفرادها على نحو مباشر أو غير مباشر عبر آليات واستراتيجيات خفية، علاوة على
أنها جهاز يعمل على حماية أولئك الأفراد وضمان أمنهم، ما يجعلها سلاحا ذو حدين! إن
“الدولة هي الكيان السياسي لشعب أو لأمة، يحقق مبدأ سيادتها على نفسها وعلى أرضها،
وعلى منافعها، والكيان هذا كناية عن بني ومؤسسات تشكل ما يطلق عليه في النظرية
السياسية الحديثة اسم الشأن السياسي le politique أو المجال السياسي، أما السلطة، فتعبير عن
توازن القوى الاجتماعية والسياسية، وتجسيد مؤسسي لذلك التوازن في جهاز حكم، وهي
بهذا المعنى تنتمي إلى حقل الممارسات إلى الأمر السياسي) la politique
بوصفه فاعلية مادية في الاجتماع الوطني تمارسها قوى مختلفة ومتمايزة المصالح ...فهل
يمكننا القول إذن إن الوظيفة السياسية للدولة بعيدة عن الاخلاق، فكما رأينا إن
الدولة تطبق نوعا من العنف والاستبداد و الاستغلال للشعب حفاظا على مكانتها و
نظامها على نحو واضح أو خفي؟