التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

مفهوم الدولة ....المحور الأول: مشروعية الدولة وغاياتها.

 


 مشروعية الدولة وغاياتها.

البناء الاشكالي:

إذا كانت السياسة، فن تدبير الحكم" فإن هذا الفن لا يمارس في حياتنا المعاصرة إلا من خلال مؤسسات وأجهزة تسمى الدولة، لكن إذا كان مفهوم الدولة في أعم معانيه، يشير إلى مجموع المؤسسات والأجهزة المنظمة لحياة الأفراد والمجتمع في مجال ترابي معين، والتي تمارس في الآن نفسه، سلطة على هؤلاء الأفراد، الشي الذي يدفعنا إلى طرح جملة من التساؤلات التالية:

كيف نشأت هذه الدولة؟ ومن أين تستمد مشروعيتها - أي مجموع المرتكزات والتبريرات والدعائم التي تقوم عيها سلطة الدولة - لممارسة سلطتها السياسية؟ وما الغاية من وجودها؟  وهل هي غاية في ذاتها ضرورية أم تظل مجرد وسيلة لخدمة الإنسان يمكن الاستغناء عنها؟

 مقاربة توماس هوبز :

§      الأطروحة: تستمد الدولة مشروعيتها في الحكم من التعاقد الاجتماعي، بغية تحقيق الأمن والاستقرار وضمان السلم والأمان داخل المجتمع.

§      حجج هذه الأطروحة:

يرى هوبز أن الدولة هي اتحاد للكثرة في كيان واحد بسيادة مطلقة ناتج عن تعاقد اجتماعي، أو ميثاق حر يقوم على التنازل المتبادل والحر بين الأفراد عن حقهم الكلي في الحرية والقوة لصالح سلطة حاكمة وبالخضوع لأحكامها وإرادتها ما دامت تحقق الغاية من وجودها السلام والأمن.

حيث  ينقل الوجود الإنساني من حالة الطبيعة، التي تتميز بسيادة الحرية المطلقة (الفوضى) وسيطرة الأهواء الطبيعية، حيث "الإنسان ذئب للإنسان" أي حالة خوف وحرب الكل ضد الكل، إلى الحالة المدنية والتي تتميز بكونها حالة تقوم على التعاقد الاجتماعي، ويسودها الأمن والسلام، وتضبط بها الحرية بقيود القانون والنظام، ويسودها حالة غنى وإزدهار وسعادة في جميع المجالات اجتماعية علمية وفنية، إذ هي حالة تحرر الناس من خوف بعضهم بعضا، إنها حالة تحفظ حياة وبقاء الفرد وذلك بفضل وجود الدولة.

§      القيمة الفلسفية لأطروحة هوبز:

تكمن قيمة هذا التصور التعاقدي للدولة بشكل عام، فإنه قدم نظرية ثورية تؤكد على حرية الأفراد فضلا عن كونها تقدم تصورا عقلانيا للدولة، أي ذلك التصور الذي يرى أن الحياة المدنية للأفراد يمكن أن تنتظم وفقا لضوابط واختيارات عقلية، وتتخذ هذه الضوابط العقلية صورة حقوق طبيعية (الحياة)، الأمن ، الحرية ، الملكية...) وواجبات معقولة.

 ومقيدة بسلطة التعاقد الاجتماعي الذي يعبر عن إرادة كل فرد وهي نظرية معارضة لنظرية الحق الالهي التي كان يستند لها الملوك في القرون الوسطى للحكم باسم الله.

§      حدود هذه الأطروحة:

إنها نظرية تؤسس لحكم إستبدادي، حيث لا حدود للسلطة الحاكمة فهي تعمل على إخراج الناس من حالة خوف بعضهم البعض إلى حالة خوف الجميع من سلطان الحاكم حصر وظيفة الدولة في الأمن إن وظيفة الدولة لا يمكن حصرها في تحقيق الأمن على حساب الحرية مثلا ولا تحقيق السلم على حساب العدل.  فبدون حرية وعدل أي قيمة تبقى للحياة الإنسانية، ولكرامة الإنسان. وأي معنى للدولة، فكأن الدولة مجرد جهاز للأمن الداخلي والخارجي. وفي هذا تقزيم لمجال الدولة وأجهزتها ووظيفتها.!!

§     موقف سبينوزا: غاية الدولة تحقيق الحرية

الأطروحة: يدافع سبينوزا عن أطروحة مفادها أن الدولة تستمد مشروعيتها من التعاقد الاجتماعي والغاية القصوى من وجودها ضمان الحرية وضمان الحق الطبيعي لجميع الأفراد في الحياة، والعمل، والحرية، رافضا أن تكون مجرد وسيلة للسيادة والتسلط على الأفراد وإرهابهم.

§      حجج الأطروحة:

يتأسس تصور سبينوزا على مفهوم خاص للدولة باعتبارها مؤسسة تشريعية أو قانونية الغاية من وجودها تحقيق الحرية وضمانها لجميع الأفراد، إذ نشأتها قائمة على تعاقد اجتماعي بين هؤلاء الأفراد فهي بذلك وسيلة لخدمتهم، وتأمين الحياة الطيبة لهم جميعا.

فليس الغاية من وجود الدولة السيادة على الناس، وتكبيلهم بأغلال الخوف، وإجبارهم على الانصياع لإرادة سواهم، أما الغايات الحقيقية لوجودها فهي تحرير كل فرد من الخوف، تحقيق حياة آمنة لكل فرد قدر الإمكان، صيانة وتعزيز الحقوق الطبيعية للفرد الحياة و العمل، توفير الظروف لتنمية قُدُرَاتِهم الذهنية والجسدية، القضاء على الحقد والضغينة والخداع و الحسد والظلم في معاملات الناس فيما بينهم.

§      مقارنة بين هوبس وسبينوزا:

 يتفق كل من هوبس وسبينوزا في ضرورة الدولة للحياة الإنسانية، وفي اعتبار التعاقد الاجتماعي مصدر مشروعيتها، مثلما يتفقان في التأكيد على إنسانية قوانينها، وكونها نتاج لاختيار عقلاني للأفراد، فضلا عن تأكيدهما بأن وجود الدولة هو نقل للإنسان من حالة الخوف والتوحش (حالة الطبيعة) إلى حالة الأمان والتحرر (الحالة المدنية).

غير أنهما يختلفان حول صورة الدولة، فهي سلطة سيادية مهيمنة عند هوبس، حيث التعاقد بين الأفراد ليس ملزما للسلطة الحاكمة وسلطة تشاركية ديمقراطية لدى سبينوزا، حيث التعاقد بين الأفراد والسلطة الحاكمة، وتتباين الغاية من وجودها لديهما فإذا كانت غايتها تحقيق الأمن حسب هوبس فغايتها بالنسبة لسبينوزا هي تحقيق الحرية.

المناقشة:

موقف  هيغل:

 يرى هيغل أن الدولة غاية في ذاتها وتستمد مشروعيتها من ذاتها، فهي التجسيد الفعلي للفكرة الأخلاقية ويرفض اعتبارها مجرد اختیار حر للأفراد لإدارة شؤونهم أو وسيلة لغايات خارجية، إن الدولة غاية في ذاتها لأنها تجسيد للروح الموضوعي وتحقيق للإرادة الكونية الحرة بوصفها فكرة أخلاقية، حيث يلتحم الحق والأخلاق عبر المسيرة الجدلية للعقل.

لهذا يكون الانتماء إلى الدولة ضرورة أخلاقية وليس اختيارا حرا للفرد نابعا من رغبته في إشباع وتلبية حاجاته، لأن هذه الغاية ترتبط بمؤسسات المجتمع المدني وليس الدولة التي تتعالى عن ذلك، لتصبح ضرورية في ذاتها.

o     بعض الأسس الحجاجية لأطروحة هيغل:

نقد التصور التعاقدي: ينبني تصور هيغل على نقد النظرية التعاقدية للدولة لأن أصحابها في نظره وقعوا في خطأين:

 الخطأ الأول: الخلط بين مفهومي الدولة والمجتمع المدني والحال أنه لابد من التمييز بينهما فمفهوم المجتمع المدني يدل على المجال المتميز الذي يقع بين مجال الأسرة ومجال الدولة، ويشمل الحياة الإقتصادية للجماعة والتنظيمات القانونية التي تضمن قيامه مثل الادارات والأسواق وغيرها،  وهو بذلك مجال لإشباع الحاجات اليومية للأفراد ومجال للتنافس بينهم في ظل تعارض المصالح الخاصة لكل فرد منهم.

وهكذا فخدمة المصالح الخاصة وتحقيق السلم وحماية الملكية والحرية الخاصة لكل فرد هي من اختصاص هذا المجال أي المجتمع المدني أما مفهوم الدولة باعتبارها تركيب عقلي فهي تتجاوز التجزيء والصراع بين الحريات الفردية، وهي بذلك غاية في ذاتها لأنها التجسيد الفعلي للفكرة الاخلاقية ولا يمكن اعتبارها مجرد وسيلة لتحقيق الأمن (ضد هوبس) أو الحرية (ضد سبينوزا وروسو).

 فهذه غايات تتحقق من خلال المجتمع المدني، في حين أن الدولة هي أساس وجود المجتمع المدني باعتبارها غاية في ذاتها، إذ تعتبر تجسيدا فعليا لسيروة العقل في التاريخ وهي تتحقق على نحو مباشر في العرف والقانون وعلى نحو غير مباشر في وعي الأفراد بوصفها شرط تحررهم.

إن الخلط بين المجتمع المدني والدولة يجعل الدولة مجرد كيان عرضي أي مجرد وسيلة لخدمة الأفراد الذين يختارون بمحض إرادتهم الحرة الإنتماء إليها أو تأسيسها. فتصبح بالتالي الدولة مسألة غير ضرورية، في المقابل يؤكد هيغل إن وجود الدولة أمر ضروري وأن الفرد لا قيمة له بدون دولة، فالدولة هي المصير أي القدر الحتمي لحياته وهذا يعني أن الحياة في ظل الدولة ليست أمرا اختياريا بل ضرورة واضطرار للكائن الإنساني.

الخطأ الثاني: الغلط في تحديد علاقة الفرد بالدولة وهو نتيجة للخطأ الأول إن أصحاب نظرية التعاقد اعتبروا أن أساس الدولة هو الفرد الحر في حين أن هيغل يؤكد العكس فلا فردية حرة بدون دولة، وهكذا فالدولة ليست اختيارا ذاتيا حرا للفرد. وبذلك فإن العلاقة بين الفرد والدولة هي علاقة تماه وتداخل لا يمكن الفصل بينهما.

القيمة الفلسفية لتصور هيجل:

قيمة هذا التصور يمكن تفسير أولية الدولة “الدولة غاية في ذاتها عند هيغل تفسيرا، تاريخيا بالعودة إلى واقع التخلف الذي عانته ألمانيا المتمثل في عصر هيغل في غياب دولة قوية، ووحدة وطنية فألمانيا كانت تعيش حالة دويلات متصارعة وضعيفة. وكانت الحاجة لمعنى جديد للدولة يوحد الشعب الألماني.

 وبهذا الاعتبار تحمل أطروحة هيغل للدولة قيمة واقعية في زمنه وتاريخية في زمننا وفضلا عن ذلك فهو تصور عقلاني، يعلي من أهمية الدولة وضرورتها أخلاقيا وروحيا، لحياة الفرد المواطن والمجتمع، وهذا يمنحها قيمة منطقية وأخلاقية.

و لهذه الأطروحة حدود منها كونها تصور شمولي ومجرد للدولة يصعب فهمه دون استحضار النسق الكامل لفلسفة هيغل. وقد يعتبر تبريرا لتسلط الدولة واستبدادها على الأفراد.

تركيب المحور:

خلاصة القول، إن الدولة أعظم اختراع إنساني أنجزته البشرية، واهتدت إليه في تاريخها. وهو اختراع، اقتضته ضرورات موضوعية وحاجات حيوية. لكن نتائجه تعدت مجرد منافعه المباشرة في تنظيم الاجتماع الإنساني، وإجابة حاجاته المادية، فلقد نجم من تكوين الدولة تكوين المجتمع نفسه بل وتكوين الفرد الحر المواطن.

والدولة الحديثة دولة حق وقانون ومؤسسات، يسود فيها الدستور، وتنفصل فيها السلط وينزل فيها القضاء منزلة المرجع، ويكون فيها الشعب مصدر السلطة، وتوضع فيها السلطة رهن إرادة الشعب، وتنبثق منه عبر اختياره الحر في الاقتراع، وهي الدولة التي تكون السلطة فيها ملكية عمومية قائمة على مبدأ التداول الديمقراطي، وتكون فيها السياسة حقاً اجتماعياً قائماً على المنافسة السلمية الديمقراطية.

عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات