الأسس النظرية لمقاربة التدريس بالكفايات (نظريات التعلم):
قبل التطرق إلى نظريات التعلم التي شكلت الأسس النظرية لمقاربة التدريس بالكفايات، لا بد من الناحية المنهجية تعريف مفهوم التعلم، وتمييزه عن مفهوم آخر لصيق به (النضج). فالتعلم (apprentissage) هو عبارة عن تغيرات تكسب الفرد معارف ومهارات وقدرات وقيم... ترجع في جوهرها إلى آثار الظروف البيئية (الاجتماعية)، في حين أن النضج (maturation) هو عبارة عن تغيرات بيولوجية وفسيولوجية تحدث في بنية الجسم الإنساني ووظائف أعضائه نتيجة للعوامل الوراثية الفطرية.
النظرية الجشطلتية في التعلم (Gestalt théorie):
ظهرت نظرية الجشلطت في العقد الأول من القرن العشرين في ألمانيا على يد الرواد الأوائل لهذه المدرسة وهم ماكس فيرتيمر (Max Wertheimer /1880-1943) ولفجانج كوهلر (Wolfgang Köhler / 1887-1967) وكيرت كوفكا (Kurt Kofka / 1886-1941) وكيرت لفين (Kurt Lewin / 1891-1947). ثم انتقلت هذه النظرية إلى الولايات المتحدة الأمريكية في العشرينيات من نفس القرن، بعدما هاجر كل من كوفكا وكوهلر إلى أمريكا. أما كيرت ليفين فقد أسس فيما بعد نظرية أخرى قريبة من الجشطلت سميت بنظرية المجال أو الحقل (la théorie du champ).
مفهوم "الجشطلت" (Gestalt):
تشير إلى الخاصية المشتركة لكل من الكلمات الآتية: الشكل، الصيغة،
الكل، البنية، الهيئة، الصورة، المجال الكلي، التركيب الخلاق، بمعنى الكل الذي
يحتوي الأجزاء، أي أن الجشطلت بمثابة بنية كلية تتشكل من مجموعة من العناصر
الجزئية المرتبطة فيما بينها بقوانين داخلية، وعلاقات متفاعلة ودينامية ووظيفية.
لهذا اعتبر الجشطلتيون أن الفهم لا يتحقق إلا بإدراك الكل. وهذا ما
جعلهم ينتقدون السلوكيين الذين اعتبروا أن الجزء هو المحدد للكل. ذلك أن المعاني
الجزئية لا يمكن فهمها إلا في سياقها الدلالي الكلي، إذ يتولد المعنى من خلال هذا
الكل الذي يتضمن العناصر والوظائف والعلاقات، بهذا المعنى فإن الجاشتالتية حسب نوربرت
سيلامي (Norbert Sillamy)
" بنية أو شكل كلي... وتقترح الجشطلتية أن تنظر إلى الظواهر في كليتها دون
تجزيء عناصر ذلك الكل، لأن كل عنصر خارج البنية أو الشكل الكلي، لا تصبح له أية
قيمة تذكر. "[1]
أمثلة:
- يُدرَك اللحن الموسيقي ككل بوصفه مجموعة من النغمات الجزئية
المتوالية.
- يدرك المربع أو المثلث كلية، وليس باعتباره مجموعة من الأجزاء
(أضلاع، زوايا، رؤوس...).
- يدرك الحرف جيدا داخل إطاره الطبيعي الخطاب (discours) ككل، ومن ثم الجملة
فالكلمة؛
- يدرك وجه الشخص كلية، وليس انطلاقا من تركيب أجزائه كالأنف أو الفم
أو العينين وغيرها...؛
- يدرك الكل ليس فقط بوصفه تجميعا للأجزاء، بل باعتباره شرطا لتحقيق الفهم.
الجشطلتية نظرية في التعلم: (التعلم بالإدراك والاستبصار)
وتقوم الجشطلتية، بوصفها نظرية في التعلم، على الإدراك والاستبصار
باعتبارهما عمليتين ذهنيتين:
الإدراك (perception):
هو استنتاج
القواعد والقوانين والعلاقات بين عناصر البنية الكلية.
يتأثر الإدراك عند الجشطلتيين بالعوامل الخارجية (المحيط الخارجي،
المدرس، المتعلم، موضوع التعلم، التفاعلات القائمة بين عناصر وضعية التعلم...)
الاستبصار (Insight):
هو لحظة إدراك الموضوع
في كليته بسهولة ويسر، بناء على يقظة الفكر. ومن تم يتحقق الفهم عند إدراك المعنى
وزوال الغموض.
وهذا يتم بطريقتين:
- طريقة أولية استكشافية فجائية وعشوائية يسلكها المتعلم في محاولة
للتعرف على الموضوع في كليته وما يتضمنه من عناصر وعلاقات.
- طريقة ممنهجة دقيقة ومركزة يقوم بها المتعلم في محاولة التعرف على
الموضوع، فيعمل على عزل عناصره والكشف عن وظائفها وعلاقاتها.
شروط التعلم وفق النظرية الجشطلتية:
- الفهم: التعلم عن طريق الفهم يظل راسخا، لأنه يتحقق
بالنتائج المترتبة (الفائدة)؛
- الاشتراك: التعلم بإشراك المتعلمين
أكثر فعالية من التعلم بالتلقين.
- الدافعية والحافزية؛ التعلم الناتج
عن الرغبة أكثر فائدة.
- التعميم: قدرة المتعلم على نقل تعلماته
إلى وضعيات مشابهة.
- إعادة التنظيم: إعادة تنظيم الإدراك
وهيكلته.
قوانين الجشطلت: الاستعداد لمباريات التعليم 2022
وضع فيرتيمر سنة 1923 مجموعة من القوانين
والقواعد المساعدة على عمليتي الإدراك والاستبصار، وهي ما يلي:
* قانون التشابه: (Similarité)
تشابه عناصر موضوع ما يساعد على إدراكه كوحدة متكاملة، وقد تكون هذه
العناصر عبارة عن أحجام أو أصوات أو ألوان أو أشكال هندسية... يمكن إدراكها بواسطة
الحواس.
هذا القانون لا يصلح لدراسة
وإدراك التفاصيل، لأن المطلوب هو دراسة الوحدة بدل الأجزاء.
مثال:
- قد تمكن المتعلم من تصنيف أشكال هندسية مثلا انطلاقا من تشابها؛
- المفردات المتشابهة تنتمي إلى مجموعة واحدة.
* قانون التقارب: (Proximité)
التقارب المكاني والزماني بين العناصر يؤدي
إلى إدراكها كوحدة أي ككل...
مثال:
- تقارب الأشياء أو الأصوات... يعتبر من العوامل
المساعدة على إدراكها.
-
المفردات القريبة أو المتجاورة يمكن فهمها إذا ما نظر إليها كمجموعة.
- الحرفان "د" و"م" إذا
كتبتا متقاربتين يقرآ كلية (دم)، الذي يعني سائلا حيويا في جسم الكائن الحي...
أما إذا كتبتها متباعدين ( د م) فيقرآ على شكل حرفين الدال و الميم.
* قانون التماثل: (Symétrie)
تماثل الأشياء والأشكال وتقابلها انطلاقا من
محور محدد يساعد على إدراكها ككل على أساس أنها متماثلة وموحدة.
مثال:
- مثلث أو مربع متقابل مع آخر في محور واحد؛
- يمكن الاستفادة من هذا القانون أثناء تقديم
أشكال هندسية أو رسوم أو مجسمات...
* قانون الإغلاق: (Clôture)
عادة يميل الفرد إلى إتمام وإغلاق الأشياء
الناقصة عند إدراكها كلية فينظر إليها كوحدة متكاملة.
مثال:
- أشكال هندسية ناقصة (مثلت أو مربع أو دائرة
...)؛
- يمكن توظيف هذا القانون في أنشطة التعبير
الشفوي أو الكتابي، حيث دفع المتعلمين إلى إتمام الكلمات أو الجمل أو العبارات
الناقصة؛
* قانون الاستمرارية: (Continuité)
إدراك أن الأشياء والعناصر التي تتجه نحو
اتجاه معين على أنها ستستمر في ذلك الاتجاه بشكل لانهائي.
مثال:
الاستمرار في رسم سلسلة بوضح حلقات متواصلة
بشكل لانهائي...بعدما تم إدراكها كلية على أساس أنها تشكل سلسلة.
توظيف النظرية الجشطلتية في تعلم الفلسفة:
لا يمكن فهم دلالة مفهوم فلسفي معين إلا داخل النص (أي في سياقه الدلالي الكلي). هنا تكمن أهمية التدريس بالنصوص في ديداكتيك الفلسفة، وبالتالي يتحقق الفهم من خلال هذا النص الذي يتضمن الألفاظ والمفاهيم والأفكار والروابط اللغوية، عد ذلك يتم تفكيك العناصر أثناء التحليل ثم الاستنتاج.
[1]
Norbert Sillamy, Dictionnaire de la psychologie, Librairie Larousse,
Paris, 1964.
مأخوذ من كتاب "في طرق
وتقنيات التعليم، تأليف عبد الكريم غريب وآخرون، سلسلة علوم التربية، العدد7،
الرباط، 1992، ص 79.