1. مفهوم التربية (Education)
كلمة التربية (Education) مشتقة من اللفظة اللاتينية (Educere) وتعني القيادة، أما في معناها
الاصطلاحي فاللفظة تشير إلى معاني العناية والرعاية والتنشئة والتأديب والتكوين...
و تدل كلمة التربية حسب في تصور إميل دوركايم (E. Durkheim)، هي الفعل الذي يؤثر من خلاله الجيل الراشد على الجيل الصاعد الذي لم ينضج بعد للحياة الاجتماعية.
بمعنى أن التربية عنده تشير إلى عملية التنشئة الاجتماعية. ومن جهة أخرى يرى عالم النفس البراغماتي جون ديوي
بأن التربية هي الحياة نفسها وليست مجرد إعداد للحياة الاجتماعية، فهي عملية نمو وتعلم، بناء وتجديد، مستمرين للخبرات.
يشتمل مفهوم "التربية" على الخصائص الآتية:
·
التربية خاصية إنسانية، فهي عملية مستمرة وظيفتها بناء الشخصية المتكاملة
وفق أبعاد محددة:
1.
بعد النفسي (سيكولوجي): تمكن المربي من معرفة شخصية الطفل والمراهق، معرفة
مشاعره ورغباته وميوله، ودوافعه الشعورية واللاشعورية...
2.
بعد الاجتماعي (سوسيولوجي): تساعد المربي على ضبط عوامل التنشئة الاجتماعية (المؤسسات الاجتماعية)
والغاية منها حيث تكوين المواطن الصالح.
3. بعد ثقافي: تنقل الإنسان من كائن بيولوجي إلى كائن ثقافي عبر نقل التراث الثقافي إلى الأجيال اللاحقة.
دلالة مفهوم البيداغوجيا (Pédagogie)
1-المعنى الاشتقاقي:
تتركب كلمة
"البيداغوجيا"
(pédagogie)[1]
في معناها الاشتقاقي الإغريقي، من لفظتين هما "بيدا" (péda)، وتعني "الطفل" و"غوجيا" (agogé) وتفيد القيادة والسياقة والتوجيه، ومن ثم فكلمة
"البيداغوجي" (pédagogue) تشير إلى الشخص المكلف بمراقبة الأطفال ومرافقتهم في خروجهم
للدراسة أو النزهة، والأخذ بأيديهم ومصاحبتهم، وهي مهمة كانت قديما موكولة عند
اليونانيين للعبيد المسنين.
2- المعنى الاصطلاحي:
تعددت دلالات المعنى الاصطلاحي لكلمة "بيداغوجيا" واختلفت بحسب التوجهات الفكرية للبيداغوجيين؛ فإذا كان جون ديوي (John Dewey) يعتبر البيداغوجيا علما لأنها تستلزم أولا طرائق في البحث تماثل طرائق العلوم الأخرى تجعل التربية أكثر تطابقا مع الواقع والعقل، فإن نفس التصور نجده عند أنطون ماكارينكو (Anton Makarenko) معتبرا البيداغوجيا العلم الأكثر جدلية وحركية وتعقيدا وتنوعا.أما بالنسبة أما السوسيولوجي إميل دوركايم (Emile Durkheim) يرى أنها مجرد نظرية تطبيقية للتربية، تستعير مفاهيمها من السوسيولوجيا والسيكولوجيا، تساعد المربين على القيام بمهامهم.
هل يمكن تعريف البيداغوجيا؟ علوم التربية
هكذا نستنتج
صعوبة تعريف "البيداغوجيا" تعريفا جامعا ومانعا، بسبب تعدد واختلاف
دلالاتها الاصطلاحية من جهة، وبسبب تشابكها وتداخلها مع مفاهيم وحقوق معرفية أخرى
مجاورة لها من جهة أخرى.
الانتقال من البيداغوجيا إلى الديداكتيك
يتفق معظم
الباحثين في مجال التربية بأن "البيداغوجيا" حقل معرفي يستمد مقوماته
النظرية من علوم التربية، (السيكولوجيا والسوسيولوجيا وفلسفة التربية...) فهي
تفكير وتأمل في المذاهب والأنظمة والطرائق وتقنيات التربية والتدريس. لكن افتقاره
للوسائل والأدوات العملية سيجعله يترك المجال لحقل معرفي تطبيقي هو "الديداكتيك".
لهذا اعتاد البيداغوجيون أن يشيدوا فرضياتهم على نظريات علوم التربية، حيث تنهل المقاربات البيداغوجية عموما من نظريات علم
النفس النمو أو نظريات التعلم أو سوسيولوجية المدرسة أو التصورات الفلسفية للتربية.
ذلك أن البيداغوجيا في البداية كان منطلقها
فلسفيا، قوامها التفكير التأملي، لكنها سرعان ما اتجهت نحو العلمية عندما ارتبطت
تاريخيا بالعلوم الإنسانية خاصة السيكولوجيا في البداية حيث أفرز تخصصا جديدا اسمه
"السيكوبيداغوجيا" (Psycho-pédagogie)، ثم ارتبطت البيداغوجيا بالسوسيولوجيا فيما بعد.
وتطور الأمر
إلى أن ارتبطت البيداغوجيا بالديداكتيك
فأدى ذلك إلى عقلنة الممارسة التربوية، حيث الانتقال من التأمل النظري إلى
الممارسة التطبيقية، في سياق علاقة جدلية بين هذين التخصصين المذكورين.
إذ لا يكفي البحث فقط في "كيف يتعلم المتعلم؟" (الديداكتيك) ولكن كان لا بد من الاستناد إلى مقاربة بيداغوجية تحدد نوعية المناهج والبرامج والمحتويات والمعينات، فهذا التكامل بين البيداغوجيا والديداكتيك هو الذي جعل هذا الأخير يحظى بالمصداقية العلمية والاعتراف الأكاديمي منذ الستينات من القرن العشرين إلى يومنا هذا.