الانتقال من الصورة الحقيقية إلى الصورة المزيفة:
الكلمات لا تقوم اليوم بدورها بشكل تام. فالواقع لا يبني كما كانت من قبل أصبحت الصورة هي من يحدد خياراتنا وقراراتنا بدأننا ننتقل شيئا فشيئا من التمركز البشري إلى التمركز التقني. لقد التقطت، كما يذكر ذلك الفيلسوف إيف میشو Yves Michaux" سنة 2001، 86 مليار صورة، كان أغلبها ورقيا. وفي سنة 2012 التقطت 850 ملیار صورة أغلبها ظل رقميا ولم يتحول أبدا إلى ورق. انتقلنا من عالم كانت الصورة فيه تسجل ما هو موجود، إلى عالم تتكاثر فيه الصور بلا جدوى.
يتعلق الأمر بصور هشة وعائمة، صور ملتقطة بسرعة، فلم يكن أصحابها مكرهين على تقديم صورة جميلة، . ويضيف إيف میشو قائلا: "لقد انتقلنا من مجتمع فقیر (وأحيانا محروم من الصور) إلى مجتمع يرزح تحت نير الصور. لقد أصبحنا ننظر إلى هذه الصور بطريقة مختلفة عن نظرتنا لها في مرحلة الكفاف: نفعل ذلك بلا اكتراث، ونحن ننتقل من قناة إلى أخرى. إننا ننسخ عدد هائلا منها، حتى وإن كان هناك في مكان ما شخص قد ينتبه إلى جزئية صغيرة لم ينتبه إليها أحد. "بهذا المعنى أصبحت الصورة فعلا يسعى إلى كسب الوقت وحرماننا من الحرية والاستقلالية الذاتية.
رولان بارت يتفحص الصورة الفوتوغرافية بنظرة تأملية:
من الواضح أن تعريفها
"للتمثل في الذهن وفي الروح، وهو التعريف الذي يقدمه قاموس ليتري، هو الذي
يقود إلى اعتبار إننا نفكر داخل اللغة ومن خلال كلماتها في هذا السياق يقول : رولان
بارث، "فإن كلمة صورة تعود، حسب اشتقاق قديم، إلى الجذر imitari
(محاكاة). ها نحن بشكل مباشر في قلب القضية الهامة التي يمكن أن تثيرها
سميولوجيا الصورة: هل يمكن للتمثيل التناظري (النسخة) إنتاج أنساق العلامات، لا أن
يكون مجرد ركام من الرموز").
ويذكر بارث أن للصورة سمعة سيئة عندما يتعلق الأمر بعلاقتها بالمعنى:
ويسند إليها الحس السليم مهمة "التمثيل" الغاية منه محاكاة خرقاء
للواقع. ومع ذلك، علينا أن نقبل أن الصورة تخبئ بداخلها شحنة رمزية قوية.