هل التقنية تتحكم في الإنسان؟
إننا نعيش في عصر "الهنا والآن" كل شيء مباشر وكل شيء ملك اليد: بإمكانك وأنت جالس أمام لوحة المفاتيح، وبجرة نقر أن تستحضر العالم أمامك.
وقد عبر جيل ليبوفتسكي عن ذلك، وهو
يصف مرحلة ما بعد الحداثة التي أعقبتها ما فوق الحداثة قائلا: "لقد حلت
محل الرؤى الحماسية للتقدم آفاق أقل حجما، يتعلق الأمر بزمنية تهيمن عليها الهشاشة
والعرضية. إنها آفاق يمتزج فيها سقوط البناءات الإرادية للمستقبل مع انتصارات
موازية للمعايير الاستهلاكية التي تنصب على الحياة في الحاضر وحده، تشير مرحلة ما
بعد الحداثة إلى ظهور زمنية اجتماعية جديدة تتميز بهيمنة الهنا والآن" هذا
الكلام يؤكد أننا نعيش عصرا ما فوق كل شيء على المستوى الفردي والجماعي.
لقد غير جو حضارة الهشاشة من الإيقاع الانفعالي، واستولى الشعور
بالخوف على كل الأذهان فأصبحت الصحة هوسا عند الحشود العريضة، ولا يتحدث الناس
اليوم إلا عن الإرهاب والكوارث والأوبئة.
لقد دخلنا مرحلة ما يسميه
عالم السياسة زاكي العايدي "إنسان الحاضر" ويحيل، ضمن تصورنا للزمن، على الانتقال من
"الثقب" إلى "السلة).
حيث يقول: "لدي إحساس أن القلق الذي يسود حاليا في الميدان
الفلسفي والسياسي بخصوص "التواصل" لا علاقة له إطلاقا بالقضايا الفلسفية
والسياسية "الكلاسيكية" الخاصة بأسس الجماعة البشرية في رغبتها في
الحياة ضمن عیش مشترك وضمن فضاء عمومي، كما سبق أن تناولتها الأنوار". وقد
ذكر، وهو يقدم تشخيصا لمرحلة كانت خاضعة لسلطة التقنية العلمية، بأن "كل
تكنولوجيا (...) هي صنيعة تمكن المستعملين من تخزين أكبر قدر من المعلومات وتقوية كفاءاتهم
والزيادة من إنجازاتهم".
تغير كل شيء حتى مفهوم الزمن لم يعد كما كان من قبل، كما أن إحساسنا
الداخلي بما يسميه بيرغسون "المدة الداخلية". لزمن الفزيائي تقلصت كل
شيء أصبح سريعا، حتى أن إدراكنا للزمن، تغير وتحول في تمثل الماضي والحاضر
والمستقبل. وهكذا بإمكاننا، بنقرتين أو ثلاث أن نكون هنا والآن متصلين في الفضاء
وفي الزمان.
لقد تغيرت علاقتنا مع الزمن، لقد تغيرت جذريا منذ العشرية الأخيرة من
القرن العشرين، أصبحنا نعيش استبدادا جديدا، يمارسه الزمن علينا قد استوعب كل
طاقاتنا. وفي هذا السياق ظهرت للوجود أشكال جديدة للتعبير عن علاقتنا بالزمن هي
الاستعجال والمباشرة والآنية والسرعة.