الناقد المغربي سعيد بنكراد يترجم كتاب الفيلسوفة والمحللة النفسانية الفرنسية إلزا غودار عن صورة عرضية وهشة تملأ مساحات العوالم الرقمية بالتيه والتضليل.
ما معنى كلمة سلفي؟
تخبرنا الشبكة أن الظاهرة رأت النور سنة 2002 في منتدى استرالي؟ (ABC online) وكانت كلمة مشتقة من الإنجليزية self التي تعني النفس، وتعني أحيانا أخرى "أنا وحدي"، وقد أضيفت إليه لاحقة عامية وعاطفية "le". انطلاقا من ذلك سينتشر السيلفي في جميع أنحاء العالم بفضل الثورة التكنولوجية. وقد خصه المصمم والمصور الفوتوغرافي جيم کروز Jim Krause سنة 2005 بكراس فوتوغرافي. إلا أنه لم يعرف انتشاره الحقيقي إلا سنة 2012.
وفي سنة 2013 اختيرت "السيلفي" كلمة السنة" في قواميس أوكسفورد،
وسيدخل سنة 2015 إلى القاموس الفرنسي لاروس، وبعدها سيجد طريقه، سنة 2016، إلى
قاموس بوتي روبير. وابتداء من هذا التاريخ لم يعد أحد يتجنب الحديث عنه.
ماذا يعني السيلفي؟
الأمر يتعلق بممارسة اجتماعية نفسية جديدة غير مسبوقة تفرض علينا، طرح
مجموعة من الأسئلة، خاصة بالعلاقة مع الذات ومع الصورة ومع الآخرين ومع العالم ومع
التكنولوجيا الحديثة، لقد أصبح السيلفي، من خلال مظاهره المتعددة والتافهة، رمزا
لمجتمع في عز تحولاته، مجتمع يديره الشباب بفضل تمكنهم من التكنولوجيا الجديدة.
إنه دليل على منعطف حاسم عرفه
عالمنا منذ سنوات مع ظهور الرقمية، وهكذا أصبح من الضروري فهم "ظاهرة
السيلفي" ووضعها ضمن تفكير شامل حول ما يدبر في الفضاء الافتراضي الذي لا
يتوقف عن التطور، وخاصة ضمن العلاقات التفاعلية بين الناس.
وهكذا يمكن أن نطلق على هذه اللحظة التي ابتدعت فيها الذات الإنسانية،
من خلال الرقمية، علاقة جديدة مع نفسها ومع العالم، مرحلة السيلفي، فليس العالم هو
الذي تغير، بل طريقة إدراكنا له هي التي تغيرت، وهذا الأمر ناتج بسبب ظهور وسيط
بيننا وبين العالم" ذاته الهاتف والشاشة والآلة الفوتوغرافية والحاسوب الذي
نصفه بالذكي".
لقد أصبح هذا الشيء الغريب هو صلة الوصل بيننا وبين الآخرين، بين ما
نحس به وما نقدمه للنظرة، بين أنا وأنت: فإلى أي حد يمكن لهذا السيلفي أن يكون
فاتحة العلاقة جديدة بين الأفراد؟
هل الذات هي الذات في الميديا؟
هل سيؤدي التقاطي لصورتي والقذف بها في شبكة تواصلية في انتظار أن تحصل على جيمات (لايكات) إلى تغيير في علاقتي مع نفسي، وإلى تغيير أوسع وأعمق للأنا؟
لقد أصبح هذا الشيء الغريب هو صلة الوصل بيننا وبين الآخرين، بين ما
نحس به وما نقدمه للنظرة، بين أنا وأنت: فإلى أي حد يمكن لهذا السيلفي أن يكون
فاتحة العلاقة جديدة بين الأفراد؟ خاصة عندما نأخذ في الحسبان إمكانية اختصاره في
شاشة، أي إنتاج صور، وهو أيضا ما يمكن من الكشف عن الأنا.
لقد أصبحنا نعيش تجارب لم يسبق أن
عشناها من قبل: من الممكن أن ننظم لقاء يجمع بين آلاف الأشخاص دون أن يتحرك أحد
منا من مكانه، كما سيكون من الممكن في المستقبل قياس ملابس عن بعد في عشر ثواني،
وذاك ما يتطلبه المسح الضوئي ب 360 درجة.
تقدم لنا هذه القطائع الرقمية رؤية هامة عن عالم افتراضي في تفاعل
دائم مع العالم الواقعي. ومع ذلك، فإن الأمر يتعلق فقط بما يصنف ضمن المعاينة أو
التكهن، فمن الصعب قياس نتائج هذا التطور بدقة.
الذات الواقعية والذات الافتراضية:
إن الذات "الحقيقية" لا قيمة لها قياسا ب"بديلها"
الذي لا يعيش سوى في الصور وضمن سيل التعليقات التي يقدمها عن نفسه أو عن
"البدائل" الأخرى، فما يرى فيها ليس ذاتا تتحرك ضمن فضاء عمودي
تستوعبه العين في كل أبعاده، بل انعكاساتها في شاشات المحمول أو اللوحة، هذا الذي
خلق جيلا شابا لديه الرغبة، في الكشف عن كل شيء، الكشف عن خيرات الجسد عند الإناث،
والتباهي بواجهات الذات البرانية عند الذكور.
الرغبة المفرطة في التعبير عن الذات تجاوزت كل الحدود، لم يعد الواقعي
ملاذا تحتمي به الذاكرة وتبحث فيه عن حقائق الوجود، بل أصبحت مواقع التواصل هي مصدر الوجود. حيث أصبح
"الأكل" و"المشي على الشاطئ"، و"السفر" أحداثا
كبيرة، كما أصبح تعلیق عابر على حدث عابر "موقعة" حقيقية تنال من
الجيمات واللايكات ما لم يحظ به أبطال التاريخ مجتمعين.
بهذا المعنى فإن الذات مع السيلفي، أعلنت ظهور کیان جدید يمكن رده إلى "ذات افتراضية"، وهي لحظة لا تقود إلى الانفتاح على زمنية ممتدة في ممکنات الذاكرة، بل ذات منغلقة في شاشات محدودة التواصل.
لم يعد الشباب مهتما بالمشاريع الكبرى على المستوى السياسة والقيم
والتوجهات الفكرية الكبرى في العالم، إنما الكل أصبح مهتما لحظات إيقاع استهلاك،
حيث ثم إقصاء الزمن الواقعي من الفضاء العمومي وأودع في مساحات الافتراضي وهي
أشكال تواصلية جديدة تتحكم في وجودنا ووجهه وتشرطه بكل ما يجب أن يقود إلى
الاستهلاك وحده.
أصبح الطابع الاستهلاكي أساس الحياة، أي تحديد فضاء حسي استهلاكي هو الهوية الوحيدة التي يحضر من خلالها المواطن في الفضاء العمومي، لذلك أدمن الناس الكلام، في الشوارع وفي الفضاءات المغلقة وفي ظلمات الفايسبوك.
الكلام بين الواقعي والافتراضي:
حتى الكلام لم يغدو نشاطا يعبر عن
خاصية من خاصيات الإنسان، فهو الناطق وحده دون غيره من الكائنات، بل أصبح نشاطا
هدفه في بعض الأحيان مجرد ملء، فراغ وظيفته جديدة تتلخص في "الثرثرة" وحدها،
فنحن نتكلم لأن في حوزتنا "زمنا" في حاجة إلى الاستهلاك. لم يعد الكلام
تعبيرا عن التعلم والتواصل، بل يعد في ذاته وظيفة تحتاج إلى موضوع للاستهلاك.
أصبح الحوار والتواصل مجرد تمضية للوقت، فهم لا يملئون وقتهم بفعل
منتج، إنما الهدف هو الكلام وبذلك يكون الكلام، وليس الزمن، هو الدليل الوحيد على
وجود مدی محسوس يفصل بين لحظة وأخرى، فلا قيمة لزمنية موجودة خارج حدود الكلام.
هذا الاستغراق يقلص من قدرتنا على التأمل في ذواتنا والمحيط الذي نعيش
فيه، يمنح الناس أكبر قدر من الزمن لكي لا تكون لهم لحظة واحدة ليتأملوا ذواتهم أو
محيطهم، ويحاصرونهم بالحاضر وحده، لكي لا يسقطوا ما يشكل حلما.
المصدر المعتمد:
إلزا غودار “أنا أوسيلفي إذن أنا موجود: تحولات اللأنا في العصر الإفتراضي” ترجمة – وتقديم: سعيد بنكراد المركز الثقافي للكتاب الطبعة الأولى: 2019.