التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

درس التقنية والعلم للسنة الأولى باك -في رحاب الفلسفة-1BAC نتائج تطور التقنية

 


مدخل إشكالي:

لقد كانت الطبيعة محط اهتمام وإلهام فلاسفة الإغريق القدامى، لهذا كانت علاقتهم بالطبيعة علاقة انسجام وحب، تمثل هذا الحب والانسجام في قصائدهم الفلسفية التي ألّفوها بلغة شعرية وجودية، فهل ظلت علاقة الإنسان بالطبيعة علاقة حب وانسجام أم أنها اتخذت منحى آخر بعد انفصال العلم عن الفلسفة في اللحظة الحديثة؟ كيف تفاعلت الفلسفة الحديثة مع استقلال العلم عن الفلسفة؟ هل ظل الإنسان محبا لها ومنسجما معها أم أصبح يهدف إلى تسخيرها والتحكم فيها وتجريب كل أدواته التقنية في السيطرة عليها واستغلال خيراتها؟

ما هي أهم الإشكالات والرهانات التي يطرحها إشكالية المحور:

ما هي نتائج تطور التقنية على الطبيعة وعلى الإنسان؟ هل استطاع الإنسان أن يسيطر على الطبيعة وعلى التقنية أم أن هذه السيطرة انقلبت عليه وصار مسيطرا عليه من طرفهما، بحيث صارت التقنية والطبيعة تتحكم بمصيره (كما هو الشأن في الكوارث البيئية التي نحن واقعون تحت تأثيرها)؟

ما هي أبعاد التقنية ومظاهرها في المجتمعات المعاصرة؟ وما أثر هذا التقدم التقني على الوجود البشري؟ هل يشكل التقدم التقني تهديدا للوجود الإنساني على الأرض أم أنه يعزز مكانته ويزيد من سلطانه على الطبيعة؟ ألا يشكل هذا التقدم التقني قلقا متزايدا على مصير الكون برمته وليس على مصير الإنسان ووجوده فقط؟

تحليل نص: "السيطرة على الطبيعة" روني ديكارت

(ملحوظة مفهوم التقنية كما هو متداول اليوم ليس له وجود في كتابات ديكارت، اللفظ المستعمل هو لفظ الفن والصناعة وهي ملاحظة تنبّه لها الفيلسوف المغربي عبد السلام بن عبد العالي في كتابه "الفكر في عصر التقنية).

إشكالية النص:

 هل يمكن حسب ديكارت الاقتصار على تأمل الطبيعة فقط؟ أم أنه يجب علينا تجاوز التفكير النظري التأملي نحو التفكير العملي التقني؟ ما الغاية من العلم الطبيعي ومن التقنية؟ كيف يمكننا السيطرة على الطبيعة وتملكها وتسخيرها لخدمتنا؟ هل يمكن للعلم الطبيعي أن يحقق لنا هذه الغاية ويجعلنا سادة الطبيعة ومالكيها؟

مفاهيم النص:

1-    الفلسفة النظرية:

  هي تلك الفلسفة التي يصطلح عليها ديكارت بالفلسفة المدرسية أو النزعة السكولائية وهو اصطلاح قدحي في إشارة إلى تلك الاتجاهات الفلسفية المسيحية التي تجتر النص المقدس والكتابات الأرسطية. تدل في سياق النص على تلك الفلسفة الجوفاء والعقيمة والتي وجب القطع معها لأنها لا تنفعنا في شيء، ولا تساعدنا على بسط سلطاننا وسيطرتنا على الطبيعة.

2-  الفلسفة العملية:

هي تلك الفلسفة العملية التي أصبحت ترتكز على العلوم الطبيعية وتحتفي بالتقنية كأداة لتملك الطبيعة والتحكم في مواردها ومقدراتها. تحضر هذه الفلسفة في النص كبديل للفلسفة النظرية العقيمة. إنها الفلسفة التي تزاوج بين الرياضيات والفيزياء وتقوم بترييض الطبيعة من خلال تحويلها إلى أشكال ومقاييس ومعرفة قوانين لتسهيل التحكم فيها وتسخيرها لخدمة البشرية.

3-   العلم الطبيعي:

 العلم الطبيعي في نص ديكارت يطرح التباسا إذا لم نقرأ كتاب ديكارت كاملا، ففي هذا الكتاب يذكر بعض العلوم التي درسها في مدرسة لافليش la flèche منها المنطق وهو العلم الذي اعتمدت عليه العلم في القرون الوسطى، كذلك المنطق الذي اعتمد عليها هذا العلم سيكون عقيما. في المقابل يتني على الرياضيات باعتبارها النموذج الأكثر يقينية، والآخذ بهذا المنهج يوصل إلى اليقين في كل ما ندرسه ونبحث فيه.

أطروحة النص:

يقدم ديكارت في هذا النص دعوة صريحة إلى تجاوز الفلسفة النظرية السكولائية لأنها فلسفة عقيمة وجوفاء ولا تقدم للإنسان منافع عملية، ويدعو في المقابل إلى تبني فلسفة عملية تجعلنا سادة الطبيعة ومالكيها، وتحسن من ظروف حياتنا ووجودنا.

أفكار النص:

1)   ينطلق ديكارت من التأكيد على ضرورة الإفصاح عن مبادئ العلم الطبيعي لما لهذا العلم من نجاعة وفائدة. فبعد أن اختبره في حل مجموعة من المعضلات تبينت له المنافع التي يؤدي لها تطبيق مبادئه في دراسة قوانين الطبيعة، وهو ما لزم عنه التخلي عن الفلسفة النظرية أي التعاليم المسيحية المدرسية التي كانت توظف المنطق الأرسطي.

2)   يرى ديكارت أن ارتباط الفلسفة العملية بالعلم الطبيعي يمكننا من فهم ومعرفة القوانين التي تتحكم في الظواهر الطبيعية، لأن معرفة قوانين هذه الظواهر تتيح لنا السيطرة على الطبيعة وتسخيرها وتجعلنا "سادة الطبيعة ومالكيها".

3)   يصرح ديكارت في الفقرة الأخيرة من النص بالغرض من تطبيق مبادئ العلم الطبيعي في السيطرة على الطبيعة والذي لا يتمثل فقط في اختراع الصنائع وتسهل التمتع بخيرات الأرض، بل أيضا في حفظ الصحة الإنسانية التي تشكل غاية وأساس كل الخيرات التي يسعى إليها الإنسان في هذه الحياة.

استنتاج:

من هذا المنطلق يمكن طرح جملة من التساؤلات النقدية، أم انفلت من عقاله ودمر الطبيعة وهدد مصير الإنسان في هذا الوجود؟ كيف تتمثل مفهوم السيطرة في سلوك الإنسان تجاه الطبيعة؟ ما هو حال الطبيعة اليوم؟ وما مستقبل الإنسان فيها؟ كيف تتصور أنت مستقبل الطبيعة؟ وكيف تتصور مستقبلك كفرد داخلها؟ ماذا يجب على كل فرد أن يفعل لتفادي التدهور المتلاحق للطبيعة من حولنا؟

المناقشة: القيمة الفلسفية:

من خلال شعار ديكارت في كتابه "مقال في المنهج" 1637، الذي يسعى إلى السيطرة على الطبيعة فهو فعال ومرتبط بهدف السيطرة على الأشياء، لغرض عملي نفعي.  



يمكن القول إذن هذا الزواج بين العلم والتقنية في فجر العصر الحديث يعود إلى ما قبل ديكارت إلى فرانسيس بيكون، وبدرجة كبيرة إلى جاليليو جليلي "Galileo Galilei" الذي قام بترييض الطبيعة من خلال قولته الشهيرة: "الطبيعة مكتوبة بلغة رياضية".

لكن هذا الشعار الديكارتي الذي كان أصل فكر التنوير ومنبع العلم والتقنية كانت لها نتائج خطيرة جدا على الوجودين الطبيعي والإنساني، بحيث تحول شعار ديكارت "لنكن سادة الطبيعة ومالكيها" إلى تدخل فادح في الطبيعة مستغلا خيراتها ومستنزفا قدراتها ومدمرا معالمها.

إشكالات المناقشة:

فما الذي يجب فعله في هذا الوضع؟ هل نستمر في العمل بشعار ديكارت الداعي للسيطرة على الطبيعة أم يجب علينا التحكم في تحكمنا في الطبيعة وإحياء علاقة الانسجام والود معها كما كان الشأن مع فلاسفة الإغريق؟ اليس بإمكاننا إقامة عقد طبيعي معها على غرار العقد الاجتماعي الذي نقل الإنسان من حالة حرب الكل ضد الكل إلى حالة السلم والأمن كما قال هوبس؟

النص المحاور: "ضرورة التحكم في التحكم" مشيل سير

من أهم الملاحظات الأساسي في النص مفهوم "التحكم في التحكم"، ما هو معنى التحكم في التحكم؟  في أي تحكم يجب أن نتحكم؟ وكيف سنتحكم في التحكم؟ وما المقصود بالعقد الطبيعي؟

 يستحضر النص الشعار الديكارتي "التحكم في الطبيعة" ويرى أنه من الضروري أن يتحكم في هذا التحكم الديكارتي.  أما عنوان الكتاب "العقد الطبيعي" فهو يدعونا إلى إبرام عقد مع الطبيعة عقد يحفظ حقوقها ومجالها ومقدراتها، ويجنبها العنف الممارس عليها. عقد يؤسس لعلاقة جديدة مع الطبيعة، علاقة مبنية على الاحترام والانسجام والحفاظ عليها حتى لا يتحول هذا العنف الممارس عليها إلى عنف مضاد يقضي على الوجود الإنساني على هذا الكوكب.

فما هي النتائج المترتبة عن التقدم التقني؟ ما هي نتائج الشعار الديكارتي الذي رفع في فجر العلم الحديث "أن نصبح سادة الطبيعة وملكيها" على الطبيعة؟ وكيف ينبغي التحكم في التحكم الديكارتي؟

موقف مشيل سير:

ينطلق "مشيل سير" من الشعار الذي رفعه ديكارت في فجر العصر الحديث "أن نصبح سادة الطبيعة ومالكيها" موضحا ما آل إليه هذا الشعار من نتائج كارثية على الطبيعة، فالتحكم المفرط أدى إلى تخريب الطبيعة وممارسة العنف عليها، واستغلال مواردها وطاقاتها واستنزاف خيراتها مما كبدها وكبد الإنسانية خسائر فادحة

الأمر يبدو واضحا في ثقب الأزون والاحتباس الحراري والتلوث والأمطار الحمضية....، مما يحتم علينا، حسب مشيل سير، التحكم في التحكم الديكارتي عن طريق تقنين وعقلنة تدخلنا في الطبيعة.

 لأن التحكم الذي نادى به ديكارت كان الهدف منه السيطرة على الطبيعة وتملكها والسيادة عليها، مما أسس العنف الموضوعي الذي مارسه العلم الحديث والمتمثل في الدمار الذي لحق الطبيعة.

الأمر الذي يدفعنا إلى إعادة النظر في تحكمنا، فإذا كان التحكم الأول تحكم علمي وتقني في الطبيعة، فإن التحكم الثاني هدفه التحكم في الشعار الديكارتي، أي التحكم في العلم والتقنية عن طريق تقنينهما وتوجيههما نحو ما هو ايجابي ومفيد للطبيعة والإنسان.

تركيب المحور:

يتبين مما سبق أن التقدم التقني بداية كانت له نتائج ايجابية على مستويات عدة منها تحسين ظروف عيش الإنسان والقضاء على الفقر نسبيا والرفع من جودة الحياة والقضاء على جملة من المشاكل والصعوبات داخل المجتمع الحديث..... لكن سرعان ما تحول هذا التحكم في الطبيعة إلى تحكم مضاد، حيث صار الإنسان ضحية لهذا التحكم بعد أن صار ضعيفا أمام الطبيعة ومستعبدا من طرفها.

عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات