ما الذي يتحكم فينا العقل ام العواطف:
مشكلة الإنسان
أنه لا يتصرف وفق ما يمليه عليه عقله المنطقي، إنما في حقيقة الأمر نحن نتصرف في
أغلب الأحيان من خلال ما نتعود عليه من سلوكيات وردود أفعال تصبح تلقائية على
مستوى العقل والعواطف. مثلا شخص يعرف كل شيء عن أفعاله السلبية ويمتلك القدرة على
التحليل والفهم، لكن إذا تقلصت لديهم منطقة الإدراك الحسي والعاطفي، يغيب عنه
الجانب التواصلي.
التحكم بالنفس وهم:
اليوت يعيش حياة عادية، لكنه بعد أن قام بعملية العملية في رأسه، من أجل استئصال ورم قاده إلى إلحاق ضعف شدید بقدرته على الشعور والتعاطف، لم يعد لديه القدرة على الإحساس بالأخرين.
حيث أنه استطاع إليوت
أن يشرح القرارات التي اتخذها شرحا تفصيليا، لكنه لم يستطع شرح ما جعله يتخذ تلك
القرارات، كان قادرا على تذكر الحقائق وتسلسل الحوادث بدقة تامة، بل إنه تذكر ذلك
كله بصورة حيوية نشطة، لكن عندما طلب منه الطبيب تحليل قراراته وكيفية اتخاذها:
لماذا قرر أن شراء ثقابة جديدة للورق كان أكثر أهمية من الاجتماع مع المستثمر؟
ولماذا قرر أن متابعة ذلك البرنامج التلفزيوني؟
لم يستطع أن
يقدم إجابة مقنعة، كان قادرا على إجراء مناقشة مطولة لتداعيات خياراته السيئة
ونتائجها. وكان قادرا أيضا على التحدث في جملة واسعة من الموضوعات مع المحافظة على
ما كان لديه من سحر وحش بالفكاهة. قال طبيبه النفسي إنه ليس مصابا بالاكتئاب.
لأن قدراته
المعرفية والمحاكمة المنطقية سليمة، لكن الورم (أو العملية الجراحية التي أجريت من
أجل استئصال ذلك الورم) أدى إلى إلحاق ضعف شدید بقدرته على الشعور والتعاطف. لم يعد في عالمه الداخلي ظلمة ونور، بل
صار مستنقعا رماديا من غير نهاية. صار ذهابه لرؤية ابنته والاستماع إليها وهي
تتمرن على عزف البيانو لا يثير في نفسه فرحة واعتزازا أبويين بأكثر مما يثيره فيها
شراء زوج جديد من الجوارب. صار إحساسه بخسارة مليون دولار كما لو أنه يملأ خزان
سيارته بالوقود، أو يأخذ بياضات السرير إلى الغسيل، أو يشاهد برنامجا تلفزيونيا تافها.
لقد صار أشبه بآلة قادرة على الكلام والمشي،
لكنها غير مبالية بأي شيء، لم تعد هناك أهمية لمستوى ذكائه بعد أن فقد القدرة على
الحكم على قيمة الأشياء وعلى التمييز بين الجيد والسيئ.
لقد فقد إليوت
تحكمه بنفسه، إذا كانت قدرات إليوت المعرفية (ذكاؤه، وذاكرته، وانتباهه) في حالة
جيدة جدا، فما الذي جعله غير قادر على اتخاذ قرارات صحيحة فعالة؟
هذا هو الأمر الذي حير الخبراء والباحثين:
جعل إليوت يرى
تلك الصور، واحدة بعد أخرى. ظل إليوت غير مبال على الإطلاق. لم يشعر بأي شيء. كان
عدم اهتمامه أمرا صادما إلى حد جعله، هو نفسه، يعلق على مدى سوء حالته. لقد أقر
بمعرفته الأكيدة بأن تلك الصور كانت ستسبب له اضطرابا شديدا في الماضي، وقال إن
قلبه كان سينفطر ألما وذعرا وإشفاقا. قال إنه ما كان يستطيع النظر إلى تلك الصور.
كان هناك سؤال
ثاني يثير قدرا من الحيرة لا يقل عما يثيره السؤال الأول: إذا كان إليوت لا يزال
حاد الذكاء، ولا يزال قادرا على التفكير العقلاني في المشكلات المطروحة عليه،
فلماذا شهد أداؤه في العمل ذلك التردي الكبير؟ لماذا تحولت إنتاجيته المرتفعة إلى
أداء في غاية السوء؟ ولماذا أهمل أسرته إهمالا أدى إلى انهيارها على الرغم من
معرفته التامة بالعواقب السلبية التي ستنتج عن ذلك؟
يمر كل واحد
منا بحالات يعرف فيها ما ينبغي عليه فعله، لكنه لا يفعله، ويحدث لنا جميعا أن نؤجل
أعمالا مهمة، ونتجاهل أشخاصا يهمنا أمرهم، ونتقاعس عن القيام بأمور من مصلحتنا
الواضحة أن نقوم بها. وعندما نمتنع عن فعل الأشياء التي ينبغي علينا فعلها، نفترض
أن هذا يحدث لأننا غير قادرين على التحكم بمشاعرنا وانفعالاتنا بالقدر اللازم.
يمر كل واحد
بحالات يتمنى فيها لو أنه كان من غير مشاعر، وذلك لأن مشاعرنا تقودنا، في حالات
كثيرة، إلى القيام بأفعال غبية نندم عليها في وقت لاحق، لهذا السبب ظل الفلاسفة
وعلماء النفس قرونا يظنون بأن التخلص منها مسألة ضرورية حتى نستطيع الوصول إلى
مرحلة الحكمة والتأمل، لكن الأبحاث العلمية اليوم تؤكد أهمية الجوانب العاطفية في
تحديد قيمة، الشخص وأبعاده النفسية.
موقف المفكرين والفلاسفة من المشاعر الإنسانية:
لقد كان هناك
على الدوام افتراض ضمني مفاده أن مشاعرنا وانفعالاتنا هي السبب في مشكلاتنا كلها،
وأنه ينبغي على عقلنا أن يتدخل لكي يزيل تلك الفوضى، يرجع هذا المنهج في التفكير
إلى عهد بعيد، إلى زمان سقراط الذي أعلن أن العقل هو منبع الفضائل كلها، وفي أوائل
عصر الأنوار، ذهب دیکارت إلى أن عقلنا مستقل عن رغباتنا الحيوانية عليه أن يتعلم
كيف يسيطر على تلك الرغبات.
كما أن أفلاطون قال إن للنفس ثلاثة
أجزاء، العقل (الدماغ المفكر)، والشهوات، والروح الدماغ الذي يشعر، وقال هيوم إن
التجارب والخبرات كلها إما أن تكون انطباعات أو أفكار (الدماغ المفكر)، إجمالا
يوجد اتفاق أنه يوجد لدى الإنسان دماغ يفكر ودماغ يدرك
ثم جاء فرويد
وكرر الفكرة نفسها، لكنه أضاف إليها بعدا جنسيا طاغيا، وذلك أن الفلاسفة ظلوا أكثر
من ألفي سنة يؤكدون على ضرورة فعله: جعل العقل مهيمنا على العواطف الجامحة من أجل
التوصل أخيرا إلى مساعدة الإنسانية في إحراز قدر من التحكم بنفسها، قد ساد هذا
الافتراض عبر قرون من الزمان (افتراض أن علينا استخدام عقلنا الواعي للهيمنة على
عواطفنا وانفعالاتنا، وهو لا يزال يحدد قسما كبيرا من ثقافتنا اليوم.
من هذا
المنظور فإن العواطف والمشاعر والانفعالات ليست إلا اختلالات أو عيوبا في النفس
البشرية لا بد من التغلب عليها وإصلاحها في تلك النفس، لكن في حقيقة الأمر فإن المشاعر
مسألة جوهرية في النفس الإنسانية، أنت غير قادر على تغيير نفسك، وليس
عليك أن تشعر دائما بأنه ينبغي لك فعل ذلك.
التحكم في النفس هدف صعب الحصول
إننا متعلقون بهذه الحكاية عن السيطرة
على النفس نتيجة اعتقادنا بأن سيطرتنا التامة على أنفسنا منبع كبير من منابع الأمل،
ونحن نريد الاقتناع بأن تغيير أنفسنا أمر بسيط مثل معرفة ما ينبغي تغييره. نحن
نريد الاقتناع بأن القدرة على فعل شيء ما أمر يعادل في بساطته اتخاذ القرار بفعله
وحشد قوة الإرادة الكافية لفعله. لقد بين هذا الاكتشاف أن الافتراض الكلاسيكي غير
صحيح، لأن المشاعر وإذا كانت الحياة أمرا بسيطا مثل تعلم المرء السيطرة على
انفعالاته وعواطفه واتخاذ القرارات استنادا إلى العقل.
معنى هذا القول أن للعواطف دور كبير في
توجيه أفعالنا وحشد الطاقة من أجل التركيز على الأشياء المهمة والضرورية في الحياة
الإنسانية، لهذا نحتاج فهم طبيعة المشاعر ومعرفة المدى الذي تؤثر به المشاعر على
نفوسنا وعواطفنا.
ما الفرق بين الدماغ المفكر والذي يشعر أثناء عملية الوعي؟
لمدة طويلة من الزمن ساد الاعتقاد أن الإنسان لديه تصور أن العقل
الإنسان يحتاج إلى الجانب المنطقي والعقلاني، وأنه الجانب المفكر والمدرك والواعي
هو الذي يحدد مستقبل أفكارنا وتصوراتنا، لكن في حقيقة الأمر أننا نتحرك وفق قواعد
العقل العاطفي دون أن نذري، توجد داخل كل واحد منا أبعاد لا يعرف مصدرها او كيف
يتحكم فيها.
لهذا يوجد داخل كل واحد منا دماغان:
لنعطي مثال توضيحي، لهذه المسألة، قد
يكون دماغك عبارة عن سيارة، اسما «سيارة الوعي»، تسير سيارة الوعي في طريق الحياة،
وفي هذا الطريق تقاطعات، ومداخل، ومخارج، حيث تمثل هذه الطرق والتقاطعات القرارات
التي يتعين عليك اتخاذها أثناء القيادة، وهي التي ستحدد مصيرك.
والآن، هناك شخصان في سيارة الوعي هذه: الدماغ المفكر، والدماغ الذي يشعر.
1-يمثل الدماغ المفكر أفكارك الواعية وقدرتك على
إجراء الحسابات وقدرتك على الموازنة المنطقية بين خيارات متعددة والتعبير عن
الأفكار من خلال اللغة.
2-ويمثل الدماغ الذي يشعر دوافعك وحدسك
غرائزك، في حين يكون دماغك المفكر منهمكا في حساب المدفوعات في سجل بطاقتك
الائتمانية، يكون دماغك الذي يشعر راغبا في بيع كل شيء والفرار إلى تاهيتي.
وقد حاول الفلاسفة والعلماء منذ القدم فهم الكيفية التي تشتغل بها
عقولنا وأدمغتنا، من خلال العديد من التقسيمات المختلفة والمتنوعة. عندما نفكر في أنفسنا وفي الطريقة التي
نتخذ بها قراراتنا، فإننا نفترض عادة أن الدماغ المفكر هو الذي يقود سيارة الوعي،
وأن الدماغ الذي يشعر يكون جالسا إلى جانبه وهو يصيح ويخبر السائق بالوجهة التي
يريد الذهاب إليها.
نمضي في قيادة السيارة، وننجز أهدافنا
ونبدأ طريق العودة إلى البيت، عندها يرى الدماغ الذي يشعر شيئا لامعا أو مغريا أو
مفرحا فيمد يده ويدير عجلة القيادة في اتجاهه فيجعل السيارة تندفع في مواجهة
سيارات قادمة، ويوقع الأذى بسيارات الوعي الخاصة بأشخاص آخرين، وأيضا بسيارة الوعي
الذي هو جالس فيها.
إلا أن الدماغ الذي يشعر عند، سوف
يتابع القيادة في ذلك الاتجاه مهما يكن حجم المعلومات والبيانات التي يقدمها
الدماغ المفكر، يشبه اختصاصي علم النفس الأخلاقي جوناثان هیات هذين الدماغين
بفيل وراكبه الذي يقوده: يستطيع من يقود الفيل أن يوجهه برفق وأن يدفعه إلى السير
في وجهة بعينها، لكن الفيل سيسير - في نهاية المطاف - في الوجهة التي يحب السير
فيها.
إن للدماغ الذي يشعر، مهما تكن عظمته،
جانبا مظلما، إنه يرفض التوقف لكي يسأل أحدا عن الاتجاهات، يكره أن يقول له أحد
أين يذهب. بغية تجنب هذه المشكلات النفسية، وبغية المحافظة على الأمل، ينشأ لدى
الدماغ المدرك خرائط قادرة على إيجاد المبررات اللازمة لاتخاذ الوجهة التي قرر
الدماغ الذي يشعر اتخاذها.
بمعنى أن الجانب العاطفي هو الذي يحدد توجهاتنا وبعدها يقوم العقل الواعي جاهدا تبرير هذه الأمور بشكل عقلاني ومنطقي. مثلا إذا كان الدماغ الذي يشعر راغبا في تناول الآيس کریم، فإن الدماغ المفكر يمتنع عن مخالفته وتذكيره بمساوئ السكر .... تنشأ بين الدماغين علاقة غير صحية أبدا. لكن أين المشكلة؟ هي أن الناس قد ذهبوا في هذا الاتجاه إلى أبعد مما ينبغي لهم الذهاب. فقد انتقلوا من الاعتراف بمشاعرهم وتقديرها حق قدرها إلى حالة متطرفة من الاعتقاد بأن مشاعرهم هي الشيء الوحيد الذي له أهمية.