نظرية الذكاءات المتعددة … سبيلنا لإنقاذ الجيل القادم
يعتبر مجال الذكاء من أكثر الموضوع التي شغلت بال الباحثين والدارسين
منذ القدم، باعتبارها العنصر الأساسية الذي يميز الوجود البشري والذي جعله يصنع
الحضارة ويتطور على جميع الموجودات الأخرى مرتبط بالعقل وقدراته على الإبداع
والابتكار، هذا ما جعل موضوع الذكاء محط اهتمام الفلاسفة والمفكرين منذ القدم.
وعلى مر العصور ثم الاهتمام بالذكاء من خلال مقاربات مختلفة، لكن
التطور العلمي الذي عرفه القرن العشرين ساعد في الكشف عن الكثير من الأبعاد
المحددة للذكاء البشري، ذلك أن مجمل النظريات، تركز على الجانب الخارجي للذكاء
البشري، غير أنه و في سنة 1983 ، سيحدث عالم نفس أمريكي زلزالا في المسلمات
المتعلقة بالذكاء البشري
نظرية الذكاءات المتعددة:
هكذا قام هوارد جاردنر Howard Gardner بإعادة النظر جذريا فيما يتعلق بالذكاء
وآثاره على العملية التعليمية التعلمية ، وتقدم بنظرية جديدة عن الذكاءات المتعددة
في كتابه نظريات الذكاءات المتعددة، رافضا فكرة الذكاء الواحد و مؤكدا
على وجود العديد من القدرات العقلية المستقلة نسبيا لدى كل فرد أطلق عليها "الذكاءات البشرية".
نظرية الذكاءات المتعددة Multiple Intelligences
نشأة الذكاءات المتعددة:
ارتبط مفهوم الذكاء بالعمليات العقلية المتعلقة بالذاكرة والمعرفة
والإدراك والطلاقة والاستدلال والقدرة العددية والانتباه والاستيعاب، حيث توجد الكثير من النظريات التي تحلل وتدرس
الذكاء البشري، غير أن نظرية هورد كارنر
تقدم رؤية مختلفة مفادها أن كل الأطفال يولدون بكفاءات ذهنية متعددة منها ما هو ضعيف ومنها ما
هو قوي، بمعنى أخر لا يوجد غباء بل كل واحد منا له قدرات معينة نحتاج فقط إلى
معرفة نوعية الذكاء وسقله.
الأسس التي قامت عليها نظرية الذكاءات المتعددة
· الذكاء
مجموعة متعددة من الذكاءات قابلة للنمو و التطور .
· يتوفر
كل شخص على تكوين متفرد من الذكاءات المتعددة المتنوعة .
· تختلف
الذكاءات في نموها داخل الفرد الواحد أو بين الأفراد بعضهم البعض .
· يمكن
تنمية الذكاءات المتعددة بدرجات متفاوتة إذا أتيحت الفرصة لذلك .
· يمكن
تحديد وقياس الذكاءات المتعددة، والقدرات المعرفية العقلية التي تقف وراء كل نوع.
أنواع الذكاءات المتعددة:
يتحدث هوارد غاردنر عن مجموعة من الذكاءات المتعددة التي تتأثر بما
هو وراثي فطري يولد مع الإنسان من جهة، و بما هو مكتسب من البيئة والوسط (الأسرة،
والشارع، والمدرسة، والتربية، والمجتمع…). و قد صنف جاردنر هذه الذكاءات إلى
ثمانية أنواع سنتطرق إليها بالتفصيل:
1-الذكاء اللغوي:
يعني القدرة على إنتاج وتأويل مجموعة من العلامات المساعدة على نقل
معلومات لها دلالة، و من يتمتع بهذا النوع من الذكاء يبدي السهولة في إنتاج اللغة،
والإحساس بالفرق بين الكلمات وترتيبها وإيقاعها.
إن المتعلمين الذين يتفوقون في هذا الذكاء، يحبون القراءة والكتابة
ورواية القصص، كما أن لهم قدرة كبيرة على تذكر الأسماء والأماكن والتواريخ
والأشياء القليلة الأهمية.
يظهر الذكاء اللغوي لدى الكتاب والخطباء والشعراء والمعلمين،
وذلك بحكم استعمالهم الدائم للغة، كما يظهر لدى كتاب الإدارة وأصحاب المهن الحرة
والفكاهيين والممثلين.
2-الذكاء المنطقي ـ الرياضي:
هذا النوع من الذكاء يرتبط بجانب التحليل والملاحظات الاستنباطية،
ووضع العديد الفرضيات المنطقية، لعلاج المشكلة أو القضية، وكذا القدرة على قراءة و
تحليل الرسوم البيانية والعلاقات التجريدية والتصرف فيها. لذا فإن المتعلمين الذين
يتفوقون في هذا الذكاء، يتمتعون بموهبة حل المشاكل، ولهم قدرة عالية على التفكير،
فهم يطرحون أسئلة بشكل منطقي ويمكنهم أن يتفوقوا في المنطق المرتبط بالعلوم وبحل
المشاكل.
3-الذكاء التفاعلي:
يتمتع أصحاب هذا الذكاء
بقدرة عالية على فهم الآخرين، وتحديد رغباتهم ومشاريعهم وحوافزهم ونواياهم والعمل
معهم، كما أن لصاحبه القدرة على العمل بفاعلية مع الآخرين، لأن المتعلّمين الذين
لهم هذا الذكاء يميلون إلى العمل الجماعي، ولهم القدرة على لعب دور القيادة
ويملكون القدرة على التفاعل والتواصل بشكل ناجح ومتميز في بناء العلاقات
الإنسانية.
4-الذكاء الجسمي ـ الحركي:
أصحاب هذا الذكاء يميلون لاستعمال الجسم لحل المشكلات، والقيام ببعض
الأعمال، والتعبير عن الأفكار والأحاسيس. لهذا نجد أن التلاميذ الذين يملكون قدرات
بدنية تمكنهم بالتواصل مع الذات بنجاح، يكون عندهم ميولٌ للحركة ولمس الأشياء، وتكون لهم
القدرة على الحركية الفائقة، مثل الممثلون
والرياضيون والجراحون والمقلدون والموسيقيون والراقصون والراقصات والمخترعون.
5-الذكاء البصري ـ الفضائي:
يتمحور حول القدرة على خلق
تمثلات مرئية للعالم في الفضاء وتكييفها ذهنياً وبطريقة ملموسة، يمكّن صاحبه من
إدراك الاتجاه، والتعرف على الوجوه أو الأماكن، وإبراز التفاصيل، وإدراك المجال
وتكوين تمثل عنه.
يتميز أصحاب هذا الذكاء بالقدرة على توظيف الذاكرة البصرية بشكل جيد ومنطقي، يوجد
هذا الذكاء عند المختصين في فنون الخط وواضعي الخرائط والتصاميم والمهندسين
المعماريين والرسامين والنحاتين.
6-الذكاء الطبيعي:
يتجلى في القدرة على تحديد وتصنيف الأشياء الطبيعية من نباتات
وحيوانات، إن الأطفال المتميزين بهذا الصنف من الذكاء تغريهم الكائنات الحية،
ويحبون معرفة كل شيء عنها، كما يحبون التواجد في الطبيعة وملاحظة مختلف مكوناتها.
هذه المقاربة لذكاء تسعى إلى توسيع دائرة التفاعل مع أنواع الذكاء
الممكن أن نشتغل عليها، بهذا المعنى تنويع أساليب التدريس بطريقة تتلاءم مع طبيعة
الذكاء الذي يميز كل فرد عن الأخرين قد يشكل أسلوبا مختلفا في عملية التعليم.
لأن أساليب التدريس التقليدية تخلق جملة من الصعوبات على المستوى
التواصلي بين الجيل السابق والجيل الحالي، نحتاج إلى المواد التعليمية تقدم في أغلب الأحيان بطرق
جافة ومملة، دون مراعاة بيئة المتعلمين وحاجاتهم، فضلاً عن أنها لا تعير اهتماماً
لمداركهم وقدراتهم العقلية المختلفة.
الشيء الذي يولد نوعا من النفور والملل تجاه المدرسة والتعليم، خاصة في وقت يتاح لهم فيه التعامل مع العديد من الوسائل التعليمية الحديثة والمتطورة، التي أنتجتها التكنولوجيا المعاصرة، والتي تعمل على إشباع حاجاتهم المعرفية بطرق تفاعلية و مشوقة على المستوى النفسي والعاطفي.
أهمية التدريس ب "الذكاءات المتعددة "
نحن اليوم في أمس الحاجة إلى التدريس اعتمادا على المستجدات العلمية
والفكرية والنفسية، لأن الذكاء البشري بدأ يتطور بمتوالية هندسية الشيء الذي يفرض
علينا نوعا من التغيير في أسلوب التواصل و أسلوب التدريس والتعامل، مع المعرفة
الإنسانية، لهذا السبب فإن نظرية الذكاءات المتعددة تساعد المعلمين، على توسيع
دائرة استراتيجيات التدريس التي يعتمدون عليها.
كما أن تطبيق نظرية الذكاءات المتعددة لا يعنى بالضرورة تقديم الدرس الواحد بطرق متعددة، أو محاولة تنمية كل أنواع الذكاءات من خلال محتوى دراسي واحد، وإنما تنويع، أساليب التعلم، بحيث تستجيب للقدرات العقلية والنفسية لدى الإنسان.