يمكن القول أن مستقبل الإنسانية يرتبط بجودة التعليم، خصوصا في عهد وزمن اقتصاد المعرفة، أصبح التعليم والتعلم هو العامل الأساسي الذي يخلق الفرق داخل المجتمعات المعاصرة، هذا ما دفعني إلى تسليط الضوء على أحد المنهاج التعليمية الشهير عالميا، ترتبط بمنهج المونتيسوري، التي اشتغلت طبيبة ومدرسة حيث افتتحت مدرستها الأولى التي تتبع منهج منتسوري التعليمي عام 1907، لتنمو مسيرة هذا التعليم بعد ذلك وتكون من بين الأشكال الأكثر شعبية في التعليم خلال مرحلة الطفولة المبكرة.
بدايات المنتسوري
قد بدأت ماريا مونتيسوري أول نجاحاتها بالحصول على لقب أول امرأة في إيطاليا تحمل درجة الطب، ثم بمواجهة التحدي الذي انطوت عليه أولى مهامها في الحياة العملية وهي العمل مع الأطفال المعاقين عقليا، وقد استعانت في ذلك بأعمال مجموعة من المختصين، وأسست مدرسة للأطفال المعاقين وأدارتها، مطبقة خلال تلك الفترة مبادئ سيجوان في تربية ذوي الإعاقات العقلية وتفوقت في ذلك تفوقا باهرا.1
ماذا نعني بمنهج منتسوري في التعليم؟
المونتيسوري منهج تعليمي يسعى إلى تنمية
الأبعاد النفسية المتكاملة في عملية التعلم اعتمادا على تعزيز النواحي النفسية
والعقلية والروحية والجسدية الحركية لدى المتعلمين، لمساعدة الأطفال على تطوير قدراتهم الإبداعية
والقدرة على حل المشكلات وتنمية التفكير النقدي، والقدرة على إدارة الوقت، وتعزيز
الاستقلالية والذاتية في عملية التعلم، ومعرفة الأخطاء بشكل ذاتي أثناء ممارسة
عملية التعلم.
مبادئ و فلسفة منهج مونتيسوري:
و من الأمور أساسية في منهج المونتيسوري، أن
التعليم يرتبط بالإرادة الداخلية، وينبع من
الداخل بحيث أنه إذا تلقى الطفل مجموعة من الرسائل الإيجابية حول التعلم
فإن سوف ينمي حس التعلم لديه على المستوى الذاتي بشكل تلقائي دون الحاجة إلى سلطة
أو قوة خارجية تفرض عليه حس التعلم كما أن المدرس في هذا النموذج يقدم الدروس
للأطفال بشكل منفرد، أنها هذ الطريقة تعمل على تعزيز، الدوافع الذاتية في عملية
التعلم.
حيث تظل الرغبة في التعلم هي المحرك الرئيسي لكل نشاط، ويعتمد التعلم على اللعب بالدرجة الأولى، كما أن منهج منتسوري يقوم على حرية الاختيار لا على تحديد نشاطات وأوقات محددة، حيث يظل الطفل حر في اختيار ما يناسب رغباته واهتماماته، ومن جهة أخرى يعمل الطلاب في كتل مستقلة دون انقطاع، مما يسمح لهم بالمشاركة في عملهم، أو التعاون مع الآخرين، أو المشاركة في دروس جماعية صغيرة وتعليم فردي.
هكذا يتعلم الطفل داخل منهج المونتيسوري:
تتم عملية التعلم لدى الأطفال بشكل تلقائي
دون الحاجة وسائل خارجية، ولهذا ما فتئت ماريا مونتيسوري تشبه
عقل الطفل بالإسفنج، فهو يمتص المعلومات والتفاصيل والجزئيات كاملة بشكل مثير
للدهشة وهي السيرورة التي يتبعها دون أي تعليم نظامي أو تدخل واضح من أبويه، يحتاج فقط إلى إستعمل مجمل حواسه في عملية
التعلم، لأن بيئة الدماغ تساعد في تفعيل ذه العملية بشكل تلقائي.
لهذا تدعو مونتيسوري إلى الاعتماد على طريقة في التعلم شبيهة بالأسلوب الذي يشتغل به الدماغ بشكل تلقائي، لهذا تحتاج المدارس إلى أن تكون معدة لهذا الأسلوب الذي يُمكن الطفل من مناولة الوسائل التي تُعلمه وتكسبه المعلومات التعليمية الأساسية. ترى أن الطفل يتعلم القراءة والكتابة بشكل فردي، و لكي يتعلم لابد له من التركيز أولا، والطريقة المُثلى فكل المهارات التي نتعلمها مع الوقت تحتاج إلى حشد مدة زمنية نركز فيها على موضوع بحياله يقودنا إلى إنجاز عمل أو مهمة أو مهارة محددة.
أهمية السنوات الأولى من عمر الطفل
يمكن القول أن مرحلة الطفولة من العناصر
الأساسية التي تشكل بنية الدماغ من خلال عملية التعلم المبكر، حيث يمكن للطفل أن يتعلم فيها الكثير
من المهارات والمعارف، ففي هذه الفترة
يتبلور أهم عناصر الشخصية وتنمو ملكاته العقلية، لهذا وبما أن 80% من تطور ونمو العقلي
يتم خلال السنوات الثمانية الأولى من العمر فقد وجب الاهتمام بتوفير الظروف
الملائمة والمساعدة على تعلم الطفل وتكوينه وتربيته، وهو ما تسعى إليه مونتيسوري
من خلال منهجها الذي يحمل اسمها.
فصل منتسوري الدراسي
"يوجد الهدوء لا الفوضى، أثاث بسيط غير مرتب، وصناديق مكدسة بدقة تحوي المواد التعليمية"
بيئة
مونتيسوري التعليمية
في البداية، يتطلب الأمر معرفة الأسس والمبادئ التي يقوم عليها منهج مونتيسوري وأبرز سماته، فالتعليم في منهج مونتيسوري يعتمد على التعلم التطبيقي، واللعب التعاوني، والأنشطة الموجهة ذاتيا، حيث يسقم الأطفال في منهج مونتيسوري إلى 4 فئات عمرية، يحدد المنهج لكلٍّ منها سماته، على سبيل المثال: بالنسبة للأطفال في المرحلة العمرية الأولى، يرى منهج مونتيسوري أن هذه المرحلة تُشكّل اللبنة الأساسية في وعي الطفل بما حوله وتأقلمه معه، ويقسمها إلى ثلاث مراحل، الأولى مرحلة العقل المستوعب التي يتأثر خلالها الطفل ببيئته وتبني أساسا في تعليمه مستقبلا، والفترات الحساسة التي يمارس خلالها أنشطة محددة بشكل متكرر حتى إتقانها، وأخيرا مرحلة الوعي الكامل وتعكس وعيه واستفادته من عملية التعلم، فهو الآن يمارس ما تعلمه من معرفة وما اكتسبه من مهارة عن وعي كامل.2
تسعى البيئة التعلمية التي تصنعها المونتيسوري على إعطاء الطفل أكبر مساحة ممكنة من الحرية لجعله يختار النشاط المناسب لفترات اهتمامه الشخصية، كل مرحلة عمرية يجب أن تحتوي على تعليمات مختلفة تساعد في تنمية القدرات المعرفية والنفسية لدى الإنسان وتعمل على تنمية بيئة العمل المساعد على إزدهار شخصية الطفل وتكوين شخصية قادرت على البحث والتعلم الذاتي.
متى نبدأ ؟
يمكن للطفل أن يستأنس بهذا المنهج منذ سن الثانية إلى الرابعة من العمر، حيث يتوقف ذلك على عاملين أساسين هما السن الأدنى الذي تحدده كل مدرسة وكذلك على مدى استعداد كل طفل أو طفلة لتقبل جو الفصول الدراسية والتأقلم مع بيئة مختلفة عن تلك التي اعتادها في المنزل رفقة أبويه، حتى وإن كانت مشابهة لها قليلا.
الفصول التعليمية مونتيسوري هي في الواقع
عالم الطفل، لأنها مجهزة لتناسب حجم ووتيرة عمل واهتمامات الأطفال ذكورا و إناثا
المتراوحة أعمارهم بين الثلاث و الست سنوات، مُصممة لجعلهم أكثر راحة في بيئة
تمنحهم الحرية للاكتشاف والعمل. ولفعل ذلك توفر كل الوسائل والأليات المساعدة في
تعزيز ثقافة التعلم لدى الطفل.
دور المدرس في فصول مونتيسوري:
داخل قسم المونتيسوري، لا حاجة لوجود قسم
مستقل لدى المدرس، لأن الدور الأساسي الذي يحتاج القيام به يرتبط بتوجيه الأطفال وأن
يتعلموا التركيز على المهام التي يريدون القيام بها، لأن المهم في هذه المرحلة أن يتعود الطفل على
الانتباه والتركيز في عملية التعلم.
لأن الغاية الأساسية من كل عملية تعليمية أن
يكتسب الطفل القدرة على فهم ومعالجة الصعوبات والتحديات التي قد يمر بها في
الحياة، لهذا فدور المدرسة منوط بالاكتشاف بكل أشكاله وألوانه، وتوجيه طفل آخر وقع في خطأ ما ومساعدته على
اكتشاف أين أخطأ التعلم عن طريق التجربة، التعلم بالاكتشاف، حيث يمكن تشبيه
الفصول الدراسية لمونتيسوري بخلية نحل تعج بالحركة: طفل يمشي و آخر يقف وطفلة
تستفسر عن كيفية حل مشكل.
- جو غير تنافسي
تغيب المنافسة داخل الفصول الدراسية مونتيسوري، لأن كل طفل يهتم بعمله الخاص وينشغل بالوسيلة التعليمية التي يعمل عليها، فكل طفل يعتمد عمله السابق كمرجع وتقدمه في العمل لا يكون محط مقارنة مع أعمال زملائه. فماريا مونتيسوري تُقر أن المنافسة أثناء التعلم لا يجب أن تكون إلا بعد أن يكتسب الطفل الثقة اللازمة بنفسه أثناء استعماله للمهارات الأساسية.
فماذا عن بيئة التعلم؟
من العناصر الأساسية داخل الفصل التعليم في
نظام المونتيسوري أن الطفل يحتاج إلى اللعب بالدرجة الأولى ويتم ذلك من خلال تقسيم
الفصل إلى أشكال تأتي هذه المكونات ضمن
أشكال ملونة، وتوفير أشكال ونماذج تعزز حس الاستكشاف لدى الطفل.
الاستقلالية:
مساعدة الطفل على اكتساب قدر
عالٍ من الاستقلالية وتنفيذ المهام بنفسه، لا تساعد طفلا مطلقا في تنفيذ مهمة يشعر
أنه قادر على النجاح فيها.
حرية الاختيار:
إتاحة الحرية للطفل وفق حدود
واضحة، وثابتة، ومنطقية، تعزز نموه بطريقة إيجابية وتجعله مدركا لتبعات اختياراته،
وبالتالي تنمّي لديه الانضباط الذاتي داخل بيئة الصف والبيئة الخارجية مستقبلا.
الخيال:
تحفيز نمو الخيال والإبداع خلال كل مرحلة من مراحل التعلم أمر رئيسي يُنفّذ من خلال الأنشطة ذات النهايات المفتوحة، والتي تحفّز الطفل لاستكشاف أفكار وعلاقات جديدة، وتؤسس للابتكار والتعبير عن الذات.
التعليم العملي:
إحدى ضروريات منهج
مونتيسوري، وهو التعليم العملي الذي يُفعِّل استخدام الجسد والعقل والحواس ليتحول
التعلم إلى نشاط فعال.
تجهيز البيئة:
يلائم مراحل نمو الطفل جسديا
وعقليا واجتماعيا وعاطفيا ويلبي احتياجاته في كل مرحلة.
الاحترام:
أساس مهم في منهجية مونتيسوري،
احترام قدراته النمائية التي تدفعه لخوض تجارب مختلفة، ومعاملته كشخص متفرد
ومستقل، وتحفيزه لاحترام الأشخاص والأشياء في محيطه والعلاقة بينهم، وهذا يؤسس
للوعي بتعقيد الوجود البشري.
فلسفة المونتيسوري تقوم على مبدأ "التعلم مدى الحياة"
يسعى المنهج لإرساء أسسها لدى الطفل. وتتوفر
الكثير من المصادر التي تساعد الأهالي على ذلك، وهو ما لا يمكن حصره في تقرير واحد،
لذا سنستعرض هنا تجارب مجموعة من الأمهات في تطبيق مونتيسوري مع أبنائهن داخل
المنزل.
المراجع
1-
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%1A7_%D9%85%D9%88%D9%86%D8%AA%D9%8A%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A