أثر النقطة الزرقاء
"نحن لا نرى الأشياء كما هي، بل نراها كما نكون نحن" كتاب «إغواء المينوتور»
في
أغلب الأحيان نعتقد أن إدراكاتنا الحسية والمعارف التي نجمعها ونسوغها حول أنفسنا
والأخرين، قادرة على أن تعطينا أحكاما موضوعية، وعقلانية حول القضايا التي نناقشها
وندرسها، غير أن الأمر ليس كذلك، لأن الحواس تعتبر من المصادر الخادع لحواسنا، وتمنعنا
من رؤية الأشياء كما هي، لأن الذي يخدعنا مرة واحدة قد يخدعنا مرات كثيرة، وهذا
الكلام في تأكيد مباشر على أهمية العقل في رصد مصادقيه المعارف والمعطيات التي
ندرسها.
حيث أن الفلاسفة منذ القدم كانوا يتوجسون من
المعارف الحسية التي ترتبط بالجانب الانفعالي والعاطفي، كما أن أفلاطون قال إن
للنفس ثلاثة أجزاء، العقل (الدماغ المفكر)، والشهوات، والروح الدماغ الذي يشعر،
وقال هيوم إن التجارب والخبرات كلها إما أن تكون انطباعات أو أفكار (الدماغ المفكر)،
إجمال حضر التخوف من المشاعر لما تسببه من مشاكل نفسية وعاطفية لدى الإنسان.
في
هذا السياق الذي يتحدث عن مشكلة تحيز الإدراك، تطورت البحوث على المستوى العلمي في
هذا المجال، وذلك عبر بروز جملة من الدراسات النفسية التي تؤكد هذه المسألة.
تجربة علمية حول أثر النقطة الزرقاء.
قام الباحثون بتجربة علمية جميلة، أدخلوا مجموعة من الطلبة إلى غرفة، كان فيها يتواجد فيها حاسوب، كانت التعليمات بسيطة: اجلس، وانظر إلى الشاشة. إذا رأيت نقطة زرقاء تظهر في الشاشة، فاضغط على المفتاح المكتوب عليه أزرق، تجربة بسيط لكنها سوف تكش مجموعة من الحقائق العلمية.
"تغير المفاهيم الناتج عن كثرة التكرار «أثر النقطة الزرقاء»
ماهي قصة النقاط؟
ما اكتشفه الباحثون هو أن جميع المشاركين كانت لهم القدرة على تحديد
النقاط الزرقاء والنقاط غير الزرقاء عندما
كانت النقط الزرقاء أكثر، وعندما بدأ الباحثون يقلصون النقاط الزرقاء ويعرضون
مزيدا من تنويعات اللون البنفسجي، فقد بدأ المشاركون في التجربة يخطئون ويعتبرون
قسما من النقاط البنفسجية زرقاء اللون. بدأت عيونهم في تشويه الحقائق، كانت
تشوه الألوان وعدم إدراك الصحيح منها: لكن النقاط الزرقاء لم تكن هي الأمر المهم
في تلك التجربة لأنها كانت مجرد طريقة لقياس كيف يقدم الناس على تعديل مدركاتهم
بما يتلاءم مع توقعاتهم.
كيف يتأثر الإدراك على أحكامنا تجاه الواقع؟
جاءوا بمجموعتين مُختلِفتين، الأولى فيها أشخاص يعبرون عن حالة
السعادة والانبساطيين المُتفائلين، ومجموعة
الثانية أصحابها يعانون مشاعر الإحباط و القلق والخوف. قاموا بعرض عُرِضَ
على كلٍ من المجموعتين مجموعة صور تُمثِّل مشاهد، فيها حزن و مشاعر سلبية وبعضها
مشاهد أعراس وفرح، جميل، نسبة الصور كانت متوازية بين الجانبين.
المجموعة الأولى أقرو أن المشاهد الحزين، كانت واضحة أنها أكثر، لكن هم
رأوا بطريقة واضحة أن مشاهد الجنائز أكثر، هو يُلقي نفسيته أو يعكس نفسيته على العالم،
يرى العالم مُعظَمه جنائز، يراه سواداً، هو هكذا المسكين، في حين أن السُعداء
قالوا طبعاَ واضح أن مشاهد الأعراس كثيرة، أكثر، مشاهد الأعراس أكثر بكثير، وفي
الحقيقة ليست أكثر، نفس الشيء، كن جميلاً تر الوجود جميلاَ.
نتائج هذه التجربة العلمية:
النتيجة هي أنه الطريقة التي نفكر بها وندركه بها العالم تؤثر على أحكامنا الموضوعية، بحسب نظّاراتك ترى الوجود، لأن الدماغ هو انعكاس للواقع، لأن عالم محايد لكن المشكلة هو تحيز الإدراك الموجود عند الإنسان، كل واحد يرى العالم حسب الحالة العاطفية والوجدانية التي تعتريه على المستوى العقلي والعاطفي.
كأنها تولد من العدم.. الأفكار السلبية تدمر صحتك وهكذا يمكنك التخلص منها
إذن
يمكن القول أن «أثر النقطة الزرقاء» موجود في كل مكان، وهو يمارس تأثيره على كل
إدراك وعلى كل حكم، يتكيف كل شيء ويعيد تشكيل نفسه بحسب ما نصادفه من إزعاجات، إنني
أستخدمه كنوع من المحاكاة لظاهرة نفسية أوسع نطاقا تحدث دائما تتكيف مدركاتنا بحسب
توقعاتنا وميولتنا العاطفية الانفعالية
الموجودة مسبقا.
إذا
نحن نرى العالم من وراء الخلفية النفسية التي ندرك بها الأشياء من حولنا: مثلا في
القديم كان الناس يعيشون في اوبئة خطيرة، والفيضانات وكانت أكثرية الناس يموتون الموت موجودا في كل مكان، وأما أكثر الناس لم
يكونوا يعيشون حتى تجاوز سن الثلاثين. هكذا كانت الأمور خلال الشطر الأكبر من
تاريخ البشري.
فعلى
المدى البعيد، لا يشعر أكثر الناس الذين يربحون الملايين في اليانصيب بأنهم صاروا
أكثر سعادة، بل عادة ما ينتهي بهم الأمر إلى شعورهم نفسه الذي كان لديهم قبل الفوز،
كما أن الناس الذين يصابون بالشلل في الحوادث لا يصيرون أقل سعادة على المدى
البعيد، فعلى وجه الإجمال، ينتهي بهم الأمر إلى العودة إلى إحساسهم السابق قبل
الحادثة.
لأن
المشاعر والانفعالات الإيجابية هي الغياب المؤقت للألم، والمشاعر السلبية هي
الازدياد المؤقت للألم، كذلك تكون طبيعة الإنسان والحيوان بحيث لا ننتبه أبدا، ولا
نكون واعين أبدا، لما هو محبذ لدينا.
هذا ما يجعل من طبيعة الأمل أن يهزم
نفسه، وهذا ما يجعله يدين نفسه: مهما يكن ما ننجح في تحقيقه، ومهما يكن مقدار ما
نتوصل إليه من ازدهار وسلم، فإن عقلنا سوف يعدل توقعاته سريعا حتى يحافظ على سوية
ثابتة من إحساسنا بوجود ما ينبئنا بحيث يرغمنا على صياغة أمل جديد، أو دين جديد،
أو نزاع جديد حتى نظل قادرين على المتابعة.
نحن لا نرى الأشياء كما هي، بل نراها
كما نكون نحن
حاصل القول أن التحيز الإدراكي قضية إنسانية
مهمة تحتاج إلى الدراسة والتحليل حتى نتمكن من رصد أهم الخصائص الممكن أن تكون
فاعلا أساسيا في عملية الإنجاز وخلق التوزان النفسي والعاطفي.