التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

المحور الثالث: الرغبة والسعادة أستاذ أيوب الوكيلي

 

المحور الثالث: الرغبة والسعادة



الإطار الإشكالي للمحور


إن تميز الإنسان عن باقى الكائنات الأخرى، لا يقف عند حدود كونه كائنا واعيا، بل أيضا كائنا راغبا، لأنه يسعى إلى تحقيق حاجاته بأشكال متعددة، وفي أوقات مختلفة، وبحسب ما يريد، مما يفتح الرغبة على أبعاد أساسية في هوية الإنسان الجسد بحاجاته البيولوجية، وحالاته الوجدانية، والنفسية إضافة إلى البحث المستمر عن السعادة والابتعاد عن الشقاء والألم وهذا ما يجعل من السعادة موضوعا إشكاليا:

 إذا فما هي السعادة؟

بداية يجب أندرك أن الناس يختلفون في تمثل السعادة، فهناك من يراها في العيش الجيد من رفاهية وامتلاك للمال والجاهل (السلطة)، وبين من يراها في حسن السيرة، من حياه كريمة ومعتدلة ومنسجمة، وهناك من يراها في الصحة والعافية.

لكن السعادة بشكل عام هي الرضا التام بما تناله النفس من خير، والفرق بينها وبين اللذة يتجلى في كون السعادة حالة خاصة بالإنسان. أما اللذة فهي حالة مشتركة بين الانسان والحيوان، ورضا النفس بها يكون مؤقتا. لذا فكل شخص إذن يرى السعادة فيما ينقصه ويحتاجه ويرغب فيه.

 وتعني السعادة حسب موسوعة لالاند الفلسفية "حالة من الرضى التام تستأثر بمجامع الوعي، وأنها إرضاء لكل الميول وإشباعها سواء بالتوسع أي الكثرة أو بالأمد أي الديمومة". إذن فالسعادة تختلف عن اللذة وأيضا عن الفرح، لأن اللذة تتميز باللحظة، ولأن الفرح يتميز بالحركية.

Ø   فما طبيعة العلاقة بين الرغبة والسعادة؟ هل تحقيق وإشباع الرغبات سبيل لتحصيل السعادة أم أن تحصيل السعادة رهين بكبح الرغبات؟

Ø   فهل السعادة إذن هي إرضاء لرغبات الجسد أم إرضاء لرغبات العقل والروح؟ وهل يمكن للرغبات أن تجلب للإنسان التعاسة والشقاء؟

Ø   و فهل يمكن القول إن امتلاك الإنسان لهذا الموضوع يعني تحقيقه للسعادة المطلوبة، السعادة كحالة إرضاء تام لذات، يتسم بالقوة والثبات ويتميز عن اللذة للحظتها، وعن الفرحة الحركيتها؟ بمعنى آخر هل يشكل إرضاء الرغبة أساس السعادة المنشودة من طرف الإنسان، أم أنه يستحيل تحقيق ذلك؟


مواقف وتصورات فلسفية عالجت موضوع الرغبة والسعادة


اختلفت التصورات والواقف الفلسفية بخصوص طبيعة العلاقة بين الرغبة والسعادة، فقد أكد البعض أن السعادة تقتضي كبح ولجم الرغبات، بينما أكد البعض الآخر إرضاء الرغبات ليس سبيلا للشقاء، بل هو أساس تحصيل السعادة، خاصة إن كان إشباع الرغبات محصنا بما هو أخلاقي.


Ø   مقاربة سينيكا: السعادة تقتضي التحرر من الرغبات:


يرى الفيلسوف والخطيب الروماني، أن الإنسان السعيد هو الإنسان المدرك للحقيقة والمتحرر من سيطرة الرغبات والأحاسيس والألم والخوف. ومعنى ذلك أن السعادة رهينة بإدراك الإنسان للحقيقة، وبتحرره من سلطة وسيطرة الرغبات والأحاسيس والألم والخوف. 

إن السعادة وفق تصور سينيكا ترتبط بالعقل والحقيقة والحكم السليم، ومن ثمة فهو ينفي أن ترتبط السعادة بإشباع رغبات الجسد وشهواته.

وفي هذا السياق يقيم سينيكا تمييزا بين الإنسان والحيوان، فإذا كان الحيوان لا يستطيع التحرر من سلطة الرغبات، وإذا كان غير عاقل وغير مدرك للحقيقة، فالإنسان متميز عليه بكل ذلك، ولذلك يستطيع تحصيل السعادة. حيث يقول في هذا الصدد "فنكونَ سُعداء إذا قبلنا بحاضرِنَا مهما كان وإذا أحببَنَا ما نحن عليه؛ ونكونَ سُعداء أخيرًا عندما نترك للعَقلِ مُهمّةً تدبيرِ جميع ما يتعلّقُ بوجودِنَا."

ابن مسكويه: كمال النفس في لجمها، وفي الامتناع عن اللذات الحسية


وعندما نعود إلى الفلاسفة المسلمين، نجذ أن رؤيتهم للسعادة ترتبط بالجانب العقلي التأملي، وهذا ما عبر عنه ابن مسكويه، حيث يرى أن الإنسان السوي هو الذي يتعالى عن الرغبات والشهوات والملذات الحسية. ويظهر ذلك في كتابه "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق"، ففي هذا الكتاب ينتقد ابن مسكويه العامة من الناس.

 فهؤلاء هم الجمهور من العامة من الجمهور الرعاع، وجهال الناس السقاط، الذين يجعلون أنفسهم عبيدا إلى أخس الموالي. وهم يشبهون الخنازير والديدان وخسائس الحيوانات الاخرى، وفي مقابل ذلك يعلي من شأن اللذات العقلية والروحية. إذن فابن مسكويه يرى أن طريقة السعادة، وطريق الكمال، ليس هو طريق الملذات والشهوات والرغبات، بل هو الامتناع عنها ولجمها.


Ø أبيقور: اللذة بداية الحياة السعيدة ومنتهاها


أكد أبيقور أن اللذة هي بداية الحياة السعيدة ومنتهاها، وهذا القول تأكيد أن إرضاء الجسد ورغباته ليس سبيلا للشقاء والتعاسة كما ذهب مجموعة من الفلاسفة، وإنما هو أساس الحياة السعيدة، لكن هذا لا يعني أن الأبيقورية تبيح التلذذ والمتعة بشكل لا أخلاقي، بل تؤكد على ضرورة عدم السقوط في الشهوة الحسية والمبتذلة، وعلى ضرورة السلوك وفق الفضيلة ووفق منطق الخير.

فالسعادة ما هي إلا حالة نفسية ترتبط بإرضاء الذات من خلال تجنب كل ما من شأنه أن يؤدي الى اضطرابها هذا من جهة، ومن جهة أخرى إبعاد كل شيء يمكن أن يلحق الأذى بالجسد. حيث يقول أبيقور: "إننا لا نبحث عن أية لذة كانت، بل نحن نتنازل أحيانا عن لذات كثيرة نظرا لما تخلفه من إزعاج…" ومضمون هذا القول إن اللذة وإن كانت أساس الحياة السعيدة، فإن هناك بعض اللذات التي يجب تجنبها والتنازل عنها.


·      البهجة والسعادة عند ديكارت


يرى رغم أنه له رغبات متعددة، فإن هناك من الرغبات ما يولد لدى الإنسان إحساسا عظيما بما يبهج في هذه الحياة، وأقوى هذه الرغبات وأحقها بالاعتبار هي تلك التي تولدها البهجة la joie فالطبيعة أقامت البهجة وجعلتها أفضل القيم الأخلاقية الإيجابية التي تنتمي إلى الإنسان.

لأن البهجة ليست واحدة بل متنوعة، تختلف من حيث القوة، فجمال الأزهار مثلا، قد يدفعنا إلى النظر إليه، بخلاف جمال الفاكهة فهو يدعونا إلى أكله، لكن يبقى الابتهاج الرئيسي في نظر ديكارت هو الذي يأتي من شخص نرى فيه كمالات نفتقدها، وأشياء فيه تبهجنا لا نراها في شخص أخر، فنشعر بالميل نحوه معتقدين بأنه ذاتنا الأخرى، إن الرغبة المتولدة عن الابتهاج وهي عاطفة الحب - يمكن أن تبعت السعادة في النفوس، وبذلك تكون العلاقة بين الرغبة والسعادة هي علاقة وحدة وتلاؤم.

خلاصة تركيبية:

        خلاصة القول، أن طبيعة العلاقة بين الرغبة والسعادة مركبة ومتداخلة متعددة الأوجه، فالرغبة قد تكون أساس تحقيق السعادة، خاصة إذا استطاع الإنسان تحصينها ببعد أخلاقي. لكن إشباع الرغبات قد يكون سبيلا للشقاء والتعاسة، وخاصة إذا كان هذا الإشباع على حساب القيم والأخلاقية. فالرغبات إذن سواء حققناها أم أحبطناها يمكنها أن تحقق لنا السعادة كما يمكنها أن تحقق لنا التعاسة.




 

عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات