الفلسفة.. وفن العيش
الهدف الأسمى دراسة الفلسفة، هو تنمية القدرة على الحياة عندما لا تكون الحياة جديرة بالحياة، وإن كان الإنسان بطبعه يحس بالملل من كل شيء فإنه يتحاج إلى رؤية في الحياة، لأنه على سبيل المثال عندما يقع الانسان في حالة المرض، يكون أكثر jشبت بالحياة، أكثر مما حين يكون معافى ويتمتع بظروف حياة مريحة.
كل شيء في هذا الوجود يبدأ
من طريقة تفكيرنا تجاه الحياة، هو أداة تحريرنا من الانفعالات السلبية والغرائز
البدائية (الغضب، الخوف، الكراهية....) والتي هي العامل الأساسي في تعاسة وشقاء
النوع الإنساني.
لأن الأفكار التي تجول في
أدهاننا هي سبب الفشل في مواجهة مصاعب الحياة، وتعبير عن الانعزال عن الحياة، لكن
من جهة أخرى فإن تشغيل العقل بالطريقة السليمة والمعقولة سوف يقودنا إلى تحقيق
السعادة والامتنان في الحياة بكل أشكالها. بل يمكن القول إن الطريق إلى السعادة
يقتضي بالضرورة إعمال العقل وممارسة التفكير، ومن ثمة اللجوء إلى التأمل حين تسوء
الأحوال
رؤيتنا للأشياء هي التي تحدد الفرق بيننا:
أصل المشكل هو طريقة تفكيرنا في المشكل،
وكما سبق أن أوضح بوثيوس، ليس
شقاء إلا ما تعده أنت كذلك (عزاء الفلسفة).
ومن جهة أخرى يقول ألان الفيلسوف الفرنسي في (خواطر
حول السعادة): «إذا آمنت بأني سأسقط لا بد أن أسقط». بهذا المعنى فإن الأفكار
والرؤى التي نصنعها في حياتنا هي التي تحدد الفرق بيننا. وهنا قول مأثور ينسب
لمولانا جلال الدين الرومي، "عندما
تصل إلى نقطة لا تتحمل بعدها أي شيء، وتوشك على الانهيار، احفظ هدوءك، واحذر أن
تستنزف ما بقي من طاقتك؛ ففي هذه اللحظة بالذات قد يتغير قدرك بنحو لا يمكنك أن
تتوقعه. "
· قصة دوستويفسكي " بعد كل معناة توجد فسحة للأمل"
كان دوستويفسكي واقفا على مسافة دقائق قليلة من
حبل المشنقة بعد أن صدر في حقه حكم الإعدام. وفي اللحظة الأخيرة، بينما كان ينتظر
الصعود إلى المشنقة تغير القرار، واستبدل حكم الإعدام بالنفي إلى سيبيريا، هناك
كانت حياة أخرى في انتظاره، حياة قاسية في السجن الذي سماه «منزل الأموات» لأنه
سجن المحكومين بالإعدام.
لكن مع ذلك عاد إلى الحياة التي سيصنع خلالها مجده الأدبي، وسيبدع فيها روائع
الروايات الملهمة التي تحتل النفس الإنسانية والمليئة بالأفكار الفلسفية والتي
أبقت دوستويفسكي حيا بيننا وسيبقى بعدنا. هنا تكمن قيمة المعناة في تغيير نظرتنا
للحياة، حيث كان يقول دوستويفسكي اللهم لا تحرمني معانتي.
يمكن القول إذن أن الانسان يبحث في مجال الوعي والعقل، نظرا لسعيه دائم إلى معرفة ذاته والعالم الذي يحيط به لهذا نجد لذة في فهم أنفسنا ومعرفة الأليات التي تتحكم فيها، من خلال البحث عن معنى ودلالة تجاه ما نخبره من صعوبات وتحديات. ذلك أن مسودة الإنسان لا تكتمل وتنموا وتنضج، إلا عن طريق التجارب والخبرات التي نمر بها في الحياة.
المعنى جوهر الحياة:
قد كشف فرانكل الستار عن بعض المعاني العميقة في الوجود الإنساني مصدرها المعاناة والتحديات التي قد يعيشها شخص، في الكثير من الأحيان تكون المعاناة مصدرا للإلهام والنجاح، إذا عرفنا كيفية التحكم في هذه المعاني.
فالمعنى نختبره مع تطور تجربة الحياة، ليس شيئا قار بل ينمو ويتطور مع الوقت، عبر التواصل والحوار وإمعان النظر في المحيط وتحفيز الدماغ على رفض كل الأوهام المزيفة التي تلقيناها على أنها حقائق ثابتة في الذهن. لذا فإن وضع السؤال والنقد والمناقشة يساهم في تطوير المعنى داخل الحياة، وفي نهاية المطاف، ينبغي على المرء ألا يسأل عن معنى حياته، بل لا بد له من الاعتراف بأنه هو من يصنع أحلامه وطموحاته.
المعنى ومواجهة الصعوبات:
لذلك فإن وجود المعاناة بدون قيمة أو دلالة، حالة
تحطم الإنسان، لكن تحمل المعاناة يأتي نتيجة اكتشاف معنى لهذه الحياة رغم تعاستها
ومشاكلها، وهذا ما يفسر صبر الكثير من الناس على وضعيات لا يطيقها أحد، ومن زاوية
أخرى يوجد الكثير من المبدعين الذين حولوا المعاناة إلى مصدر للإبداع والقوة، في
جميع مجالات الإبداع الإنساني، تمكنوا من مواجهة التحديات والصعوبات.
إذا نظرنا للأشخاص الذين يخلدهم التاريخ سنجد عامل مشترك
بينهم يتجلى في قدرتهم على تجاوز التحديات والصعاب ومواجهة القدر بنوع من الشجاعة
والفعالية. كما قال توماس كارولاين "لن تبدأ النجمة الخالدة
بالتألق إلا مع اشتداد الظلمة" وقوله أيضا "فلتذهب إلى
أقصى مدى يمكنك رؤيته، وعندما تصل إلى هناك فسوف يكون بإمكانك الرؤية لمدى
أبعد".