يقتضي التوظيف الديداكتيكي لبيداغوجيا الأهداف توفر شرطين أساسيين، هما:
أولا، اشتقاق الأهداف الإجرائية من الغايات والمرامي والأهداف
العامة والخاصة؛
ثانيا، صياغة أهداف إجرائية تُوجِّه أنشطة وإنجازات المتعلمين في
درس أو مقطع منه.
اشتقاق الأهداف الإجرائية (dérivation):
يقول باتريس بلبل (Patrice Pelpel): <<بدون شك، فإن
المدرس ينتظر من التلاميذ، عندما يقوم بدرس معين، الخروج بفائدة، أن يفهموا فكرة،
أو أن يحصلوا على بعض العناصر. وإن لم يكن الأمر كذلك، فإن ما يقوم به لا يعدو أن
يكون وسيلة لملء الوقت، وتسلية... وبعيدا كل البعد عن العمل
البيداغوجي !>>[1]
اشتقاق الأهداف الإجرائية معناه الانتقال من المستويات العامة للأهداف إلى
المستويات الإجرائية. ونقدم بتصرف شديد نموذجا لأجرأة الأهداف التربوية انطلاقا
مما كتبه كل من فيفيان دولاندشير (Vivianne De Landsheere)
وجيلبير دولاندشير" (Gilbert De Landsheere) في مؤلفهما (Définir les objectifs de
l’éducation). حيث تمر عملية الأجرأة، في نظرهما، عبر مراحل، وهي:
مرحلة التحليل: تحليل الأهداف التربوية، من أهداف عامة ومجردة إلى أهداف أقل
عمومية وتجريدا؛
مرحلة التصنيف: تصنيف الأهداف التربوية إلى أبعاد عقلية أو نفسية أو
اجتماعية أو حركية...؛
مرحلة الأجرأة: أجرأة الأهداف التربوية من أجل تنفيذها في الفصل الدراسي
بين المدرس والمتعلم.[2]
كما يفترض التحديد الإجرائي للأهداف، حسب "سيزار بيرزيا” (César Birzea)، القيام
بعمليتين أساسيتين هما الاشتقاق والتخصيص:
- الاشتقاق (dérivation): اختزال مستمر للأهداف التربوية
العامة إلى أهداف تربوية إجرائية؛
- التخصيص (spécification): الانتقال إلى أنشطة تربوية
قابلة للتطبيق المباشر، من طرف المتعلم، على وضعيات تعليمية ملموسة [3].
صياغة الأهداف الإجرائية (Opérationnalisation):
تشتق الأهداف الإجرائية من الأهداف العامة أو الخاصة، في شكل أفعال سلوكية،
تُصاغ في الفعل المضارع، حيث تُحدِّد بدقة نشاط المتعلم وليس المدرس.
مثال: <<أن يميز المتعلم بين أسلوب المقارنة وأسلوب التقابل
من خلال مجموعة من الأمثلة...>>
ومن شروط صياغة الأهداف الإجرائية، حسب بلبل، أن يكون الفعل الإجرائي
واضحا غير قابل للتأويل، ذلك أن تعدد التأويلات يؤدي إلى تصورات وإنجازات
مختلفة [4]. ويقدم في هذا الصدد مثالين لصيغتين للأهداف
الإجرائية:
المثال الأول: << حدد مدرس هدفا إجرائيا كالآتي: "على التلميذ أن
يتعلم كيفية استعمال الحاسوب">>
الغموض، حسب بلبل، يتجلى في كلمة "استعمال". ففعل
"استعمل" فعل سلوكي، لكنه غير محدد، لأنه قابل لعدة تأويلات، مما سيؤدي
إلى تصورات وإنجازات مختلفة. هل يعني "استعمال" تشغيل الجهاز أم استخدام
الملمس أم تشغيل لعبة أو وضع برنامج...؟
المثال الثاني: <<حدد مدرس هدفا إجرائيا كالآتي: "أن يكون التلميذ
قادرا على السباحة لمسافة 25 مترا".>>
الغموض، حسب بلبل، في عدم وضوح كلمة "سباحة". أي نوع من السباحة؟ هل
من الممكن الاستعانة بالعوامة أم لا؟ كيف ستكون الانطلاقة؟
هذان المثالان يبينان بوضوح الغموض الناتج عن عدم دقة صياغة الأهداف الإجرائية
نتيجة التأويلات المختلفة التي تنعكس سلبا على نوعية النشاط ونتائجه.
شروط صياغة الهدف الإجرائي:
- يكون الهدف إجرائيا عندما يتضمن فعلا سلوكيا قابلا للإنجاز (قابلا
للملاحظة والقياس)؛
- يكون الهدف إجرائيا عندما يكون قابلا للوصف بكلمات واضحة، ولا يحتمل
التأويل وسوء الفهم؛
- يكون الهدف إجرائيا عندما يكون موجها للمتعلم:
مثال: (أن يتمكن المتعلم من ....تحليل / مناقشة /
تركيب)، (أن يحلل/يناقش/يركب...............)
- تحديد النشاط المراد إنجازه بدقة؛ (أن يحلل نصا باستخراج أطروحته....)
- تحديد ظروف الإنجاز (الوسائل / مدة الإنجاز...)
- تحديد معيار التقييم الدال على تحقيق الهدف المنشود.
حدد روبير ماجر (Robert Mager ) ثلاثة شروط لصياغة الأهداف
الإجرائية، كالآتي:
- استعمال فعل سلوكي واحد وواضح لا يقبل التأويل وسوء الفهم.؛
- تحديد شروط وظروف إنجاز الفعل السلوكي المنشود؛
- تحديد معايير إنجاز الفعل السلوكي المتوخى من أجل الحكم بدقة على
الإنجاز [5].
بهذه الشروط نكون قد تمكنا من صياغة دقيقة للهدف الإجرائي للنشاط المطلوب
إنجازه من طرف المتعلم. وتمكنا أيضا من الحكم على الإنجاز من منظور تحقق
الهدف الإجرائي المنشود.
[1] Pelpel Patrice, Se
former pour enseigner, Paris, Bordas, 1986, p.11.
[2] Vivianne et Gilbert De
Landsheere, Définir les objectifs de l’éducation, Ed. G.Thone SA.
3°éd. Liège, 1978, pp.209-250
[3] Birzea César, Rendre
opérationnels les objectifs pédagogiques, Ed. PUF, Paris, 1979, pp.23.37.
[4] Pelpel, Se
former pour enseigner, op.cit, p.11.
[5] Robert F. Mager, Comment
définir des objectifs pédagogiques, Dunob, France, 2020, pp.65-87.