التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

مفهوم الوعي واللاوعي: من يحكم السلوك الإنساني حالات الوعي أم اللاوعي؟

 

المحور الثاني: الوعي واللاوعي:


 إذا كان المحور السابق قد رسم للإنسان طريقا خاصا يميزه عن باقي الكائنات الأخرى، ألا وهو طريق الوعي، فإن سوف نحاول رصد أحد الأبعاد الخفية داخل الوجود الفكري الإنساني، إنه اللاوعي أو اللاشعور، هذه المنطقة الخفية في حياة الإنسان النفسية، التي تكشف منطقة مجهولة على منطقة الشعور والوعي. الأمر الذي يجعل منه قضية إشكالية، تدفعنا إلى طرح مجموعة من التساؤلات: 

هل يمكن الاطمئنان إلى هذا الوعي لتفسير معظم سلوكيات الإنسان ألا يمكن الحديث أيضا عن اللاوعي كمحرك خفي وأساسي للسلوك الإنساني؟  بعبارة أخرى هل يتحدد سلوك الإنسان بالوعي، أم باللاوعي؟



تحليل نص سيغموند فرويد:"فرضية اللاشعور"

1-   مفاهيم النص:

تتشكل الأطروحة خاصة والنص عموما من بنية مفاهيمية وجب الوقوف عندها لفهم وتحليل موقف صاحب النص، إضافة إلى مفاهيم أخرى أساسية يتضمنها النص، ولعل أبرز تلك المفاهيم ما يلي:

  • اللاشعور: يأتي في مقابل الشعور، ويدل على تلك الدوافع والميولات التي تم كبحها ولم يتم تحقيقها، وينظر إليه فرويد باعتباره الأساس العام للحياة النفسية، وأوسع منطقة التي تضم بين جوانبها منطقة الشعور
  • الشعور: يدل على ذلك الجانب الواعي من العمليات العقلية والسيكولوجية.
  • المخاوف الهستيرية: اضطرابات نفسية عصابية تعبر عن علاقات اضطراب في شخصية الفرد وهي تعبيرات جسدية.
  • الحلم: تصوير رمزي للجسد، ناتج عن تخيلات لاشعورية.

Ø   أطروحة النص:

من خلال قراءة يتبين أنه يكشف عن تصور معين للإنسان، فهو كان يتحـدد سلوكه بالرجوع إلى منطقة اللاوعي أو اللاشعور، فهي المحرك لكل أفعاله وتصرفاته، وما الوعي إلا جزء ضيق النطاق من هذه المنطقة الكثيفة والعميقة من الحياة الإنسانية.

اعتبر فرويد أن هناك الكثير من أفعال الإنسان وأفكاره لا يمكن تفسيرها انطلاقا من الوعي، بل هي صادرة عن دوافع لاشعورية.  ويدل اللاوعي على ذلك الجانب العميق والخفي في الجهاز النفسي، والذي يحتوي على دوافع ورغبات غريزية ومكبوتة. وتجد تلك الدوافع اللاواعي تجليات لها في عدة مظاهر، من بينها فلتات اللسان وزلات القلم والهفوات والأحلام والإبداعات الأدبية والفنية.

Ø   أفكار النص: 

-يرى فرويد أن اللاشعور هو أساس الحياة النفسية، ويتجلى هذا الأمر واضحا حينما في قول فرويد: " إن اللاشعور هو الأساس العام للحياة النفسية، إنه أوسع منطقة تضم بين حواليها منطقة الشعور ..."

- يجب ألا نبالغ في منح الشعور أو الوعي القيمة الكبرى، في تحديد وفهم الحياة النفسية. لأن اللاشعور يشكل الأساس لحقيقتنا النفسية، ولعل هذا الأمر يبرز واضحا في الأحلام والمخاوف الهيسترية. 

-كما أن للحلم علاقة بحياة الفرد اللاشعورية المكنونة، وعلى رأسها الدوافع الجنسية، وقد غير فرويد عن هذا الارتباط العضوي بين الحلم واللاشعور بقوله: " إن تفسير الأحلام هو الطريق الملكي المـودي إلى معرفة اللاشعور" Le Rise.لأن معطيات الوعي ناقصة ولا يمكنها تفسير وفهم الكثير من الأفعال النفسية كالهفوات والأحلام مثلا..

-وحتى يؤكد فرويد الوجود النفسي اللاشعوري، فهو يعتبر الحلم علامة على تلك الاندفاعات الغريزية ذات الطابع الجنسي وعلى كل الأفكار أو الأشياء التي تركبتها لعدم تلاؤمها مع مبدأ الواقع، وبذلك فإن الحلم بمثابة الطريق الملكي اللاشعور والذي يسمح بتحقق رمزي تخيلي لبعض مكونات هذا الجانب النفسي اللاشعوري طالما أن الشعور لا يسمح بتحققها مباشرة.

 المفاهيم الداعم للأطروحة:

رى فرويد أن الشخصية الإنسانية عبارة عن بنية مترابطة العناصر، وكل عنصر من هذه العناصر يقوم بدور أساسي في بناء الشخصية، بحيث لا يمكن الاستغناء عن كل عنصر منها. وهذه العناصر كما حددها فرويد هي الهو و الأنا و الأنا الأعلى.

1.   الهو هو الجانب اللاشعوري في الإنسان أو الحياة الأعمق في الشخصية الإنسانية، إنه مجموع الغرائز البيولوجية المتأصلة في الإنسان، والهو لا يخضع للواقع ولا للمنطق، فكل ما يخضع له هو مبدأ تحقيق اللذة واجتناب الألم.

2.   الأنا يمثل الجانب الشعوري في الشخصية، يشكل الأنا الجانب الواعي من الشخصية، يخضع للواقع ولقوانينه، ويعمل على تحقيق توازن الشخصية داخليا وخارجيا، كما أنه يؤدي دورا مركزيا في المحافظة على توازن الشخصية ويحد من تسلط الهو والأنا الأعلى.

3.   يلعب الأنا الدور المركزي في هذه البنية، فهو يمتثل لمتطلبات الواقع الخارجي، ويقف أمام جنوح الهو وضغط الأنا الأعلى. مستعملا مجموعة من الميكانيزمات والآليات التي يتوفر عليها، فهو يفرغ مكبوتات الهو إما بطرق واقعية أو بطرق ملتوية كفلتات، و زلات القلم، و الإبداع...

Ø   الأساليب الحجاجي:

يتشكل النص من بنية حجاجية وجب الوقوف عندها لفهم منطق النص ولتثمينه أو نقده، وهذه البنية هي ما سنوضحه عبر ما يلي:

  • الدحض والنقد: دحض ونقد المواقف التي بالغت في تقدير خاصية الشعور مقابل خاصية اللاشعور.
  • المثال: حيث استحضر مثال الحلم لإثبات الوجود النفسي اللاشعوري، وكيف أن الحلم يرتبط بالتفكير اللاشعوري.

استنتاج:

لقد تجاوز فرويد كل من التصور الفلسفي والنفسي التقليدي للوعي أو الشعور، مقترحا تصورا جديدا لحياة الإنسان النفسية. مؤسسا على أرضية اللاشعور.

المناقشة القيمة الفلسفية لأطروحة فرويد: 

إن ما قدمه فرويد حول منطقة اللاشعور، له قيمته الفكرية والتاريخية، ذلك أن افتراض وجود منطقة اللاشعور أو اللاوعي، شكل تحولا نوعيا في فهم حقيقة حياتنا النفسية والسلوك الإنساني السوي منه والمرضي، وتجاوزا لذلك الاعتقاد السائد في علم النفس القديم، المتجلي في القول بأن الشعور هو النفس، وأن الخبرات الشعورية هي وحدها مصدر المعرفة النفسية، إنما توجد أبعاد خفية في حياتنا النفسية.

لكن إذا كان فرويد قد أكد على دور اللاوعي في توجيه سلوكيات الإنسان، فإننا سوف نلغي مسؤولية الإنسان تجاه أفعاله وتصرفاته، مما سوف ينعكس سلبا على حالة الإنسان في الحياة، لهذا يجب أن نعيد الاعتبار للوعي باعتباره حالة نفسية تقوي شخصية الإنسان وتنميها، فكريا فلسفيا؟

موقف آلان (إميل شارتيي) Alain 1868ـ1951 (ص 19 من رحاب الفلسفة)

يرفض فكرة فرويد القائلة بأن اللاشعور هو الذي يتحكم في الذات، ويقول على العكس من ذلك أن أفكارنا وسلوكياتنا هي نتائج للوعي، أي لذات فاعلة ومتكلم، ينتقد فكرة اللاشعور لأنها مجرد خيال من نسيج أفكار فرويد، إنه شخصية أسطورية، كما أنه من الصعب تحديده وفهمه، كما أنه لا يمكن القول بأن الغريزة لاشعورية.

مقابل الأطروحة الفرويدية التي تؤكد على حتمية المحددات اللاشعورية وأهميتها القصوى في الحياة النفسية بلور Alain أطروحة مضادة تعتبر أن ما يعتمل (يختلج في أنفسنا) في ذواتنا من أفكار وتصورات يعود إلى الذات الفاعلة والواعية.

هكذا يعتبر Alain أنه إذا كان انسان غامضا وتخترقه ظواهر ملتبسة فإن هذا ما يتعين معرفته والبحث فيه بدلا من زعم افتراضات خاطئة المؤسسة على مفهوم اللاشعور. وخاصة حينما يتحول هذا اللاشعور إلى أنا آخر غريب يسكننا على نحو غريب ليتأكد لدى Alain أن الإنسان لا يفتأ يمارس ذاته الفاعلة والحرة والمريدة.

الإنسان كائن غامض بالنسبة لنفسه، ولكن هذا الغموض لا يذهب بنا إلى الاعتقاد بوجود كائن غريب عن الذات، له أحكامه المسبقة، أشبه بملاك شرير أو تصح شيطاني، حيث إلى القول بأنه لا وجود لأفكار سوى ما تمحنا اياه الذات الفاعلة، أي الشخص المتكلم.

خلاصة تركيبية:

يتبين من تحليل ومناقشة إشكالية الوعي واللاوعي أن مفهوم اللاوعي أو اللاشعور، مهم فقد استطاع فرويد أن يضيء بنظريته في اللاشعور جوانب مهمة من حياة الإنسان الغامضة، وقدم بأسلوبه في التحليل النفسي علاجا لأعقد الأمراض النفسية التي لم يستطيع الإنسان أن يجد لها علاجا ناجعا من قبل. لكن ما يؤخذ على فرويد هو جعل دوافع اللاشعور ذات الطبيعة الغريزية، الموجه الأول والأخير لحياتنا وسلوكنا، وهو ما يدفع إلى التسليم بحتمية ميكانيكية يخضع لها الإنسان.

لكن الإنسان قادر على معالجة ذاته بواسطة الوعي بالأسباب الحقيقية لتلك العقد والاضطرابات النفسية، فالسلوك الغامض والخفي عن إدراكاتنا، ليس دليلا على هزيمة الوعي وسيطرة اللاوعي على هذا السلوك، وإنما هي لحظة فتور ما تلبث أن تزول حـين يسترجع الإنسـان قـوة الواعية، ويضع مسافة بينه وبين ذلك السلوك، ويدرك بوعيه أسباب ومسببات ذلك السلوك، وأحيانا بمساعدة وعي في عملية الإدراك تلك، أن الوعي هو المحدد الأول لوجود الإنسان كشخص.

عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات