التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

مقاطع القصيرة "ريلز" .. "عقلية القرد" بين الموزة والمتعة، كيف يصنع الإدمان؟

 



ظاهرة عقل القرد: The monkey mind phenomenon

اليوم الكل يتابع المقاطع القصيرة، أو ما يسمى” REELSعلى منصة إنستغرام وغيرها من التطبيقات مثل التيكتوك والفايس، أصبحت عادة يومية، وصلت إلى حد الإدمان لمدة ساعات طويلة، بحيث يقرر الشخص مشاهدة مقطع واحد، حتى يجد نفسه أمام مئات منها، يلتهمها واحدا تلو آخر، دون أن ينتبه إلى المدة التي قضاها في المشاهدة، فيتكرر الأمر يوميا، الشي الذي ينتج عنه حلقة الإدمان يفقد فيها الإنسان القدرة على التركيز في موضوع واحد في مدة محددة.

هذه الإستراتيجية التي توظفها الشركات هدفها جعل المشاهد أكثر إدمانا على هذه المواقع، الشي الذي يجعل الدماغ يدخل في دوامة من الخمول والكسل، مما ينتج عنه ذاكرة قصيرة المدى تشبه ذاكرة الأسماك، حيث يفقد الدماغ القدرة على تعلم أشياء عميقة وإبداعية لأنها تتطلب مجهود ذهني وتركيز كبير، بهذا المعنى يفقد الدماغ قدرته على صناعة ارتباطات مكثفة بين الخلايا العصبية قصد بناء عادات ومهارات جيدة.

حضارة السمكة الحمراء: عندما نصبح بدون ذاكرة وتركيز



هذا ما يحصل للتلاميذ عندما مطلب منهم التركيز في الامتحانات، مثل القراءة أو انجاز تمارين هذا الأمر يكون صعبا على التلاميذ، لأنهم لم يتعودوا على إنجاز أشياء عميقة وجديدة للدارسة، الشيء الذي يفقد الدماغ الشغف والحماس ويريد العودة إلى نفس النمط السابق، من أجل مشاهدة مقاطع الفيدو القصيرة، وغيره من الأشياء الأخرى.

في نظركم ما سبب هذا السلوك؟ لماذا لم تعد أدمغتنا قادرة على التركيز في شي محدد؟ لماذا لا نستطيع الجلوس والانتباه إلى موضوع محدد مدة طويلة من الزمن؟ لماذا يحدث كل هذا؟

إننا نعيش في مرحلة تاريخية، لم يعد فيها دماغنا قادرا على التفكير الموجه إلى شيء واحد لفترة طويلة، لكن من جهة أخرى نجد أنفسنا في شوق للتنقل العشوائي، بين الأفكار الكثيرة، ووسائل المعرفة القصيرة، أو ما نسميه المختصر المفيدة، هذا الواقع يخلق حالة من القلق والخوف والضياع، بدافع المتعة والاستمتاع.

ولعل هذا الأمر شبيه بما قام به العلماء من أبحاث في هذا المجال حول ما يسمى، خواص العقل البشري تدعى “ظاهرة عقل القرد” The monkey mind phenomenon، هذا المصطلح ظهر في التوجهات النقدية البوذية التي تصف حالة الإنسانية اليوم أنها تشبه عقلية القرود، خصوصا واقع الإدمان والتشتت الذهني، ننتقل من موقع لأخر ومن صورة لأخرى دون الإحساس باللحظة، هذا الأمر شبيه بحالة القرد التي تنتقل من شجرة إلى أخرى بحثا عن مصدر للمتعة وهو أكل الموز،  في حين نجد متعة الإنسان متمثلة أساسا في قتل وقت الفراغ والضجر، بأقل مجهود عقلي ممكن.

    بهذا المعنى يمكن القول أن الشركات الكبرى مثل google، Facebook ..... وغيرها من المؤسسات الضخمة، درست الدماغ البشري جيدا من خلال تجارب علمية، ودراسات تؤكد أن الدماغ يتميز بالعجز المكتسب، ويميل إلى المتعة الفورية   “الإشباع الفوري” أو “Instant gratification”، بدل التركيز على أشياء مفيدة على المستوى بعيد المدى.

    المشكلة أن هذا النموذج إذا أصبح عادة في الحياة اليومية، فإنه يؤثر سلبا على معظم حياتنا، بسبب القلق والإحباط الذي يصيب الإنسان بسبب الإدمان على الاشباع الفوري، مثلا، الشعور بالإثارة في كلما قام الهاتف بإشعار ما، على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل صور “إنستغرام”، ومشاركات “فيسبوك”، والرغبة الدائمة في متابعين أكثر على “تويتر” من أجل شعبية أكبر.

استراتيجيات التلاعب بالعقول : أنت سلعة 



    يمكن القول إذن أننا نعيش في عالم جديدة غير مسبوق، أصبحت فيه الشركات الكبرى تهندس سلوكياتنا ومشاعرنا وفق ما يخدم مصالحها المالية والاشهارية، نعيش حالة من السلبية، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى إدمان مواقع التواصل الاجتماعي.

     لذا، علينا أن ندرك أن الإشباع الفوري لا يمكن أن يكون هدف حياتنا أو محورها، إنما نحتاج التخطيط والتركيز على الأهداف الكبرى والبعيدة المدى التي يمكن أن تساهم في نمو شخصياتنا وتطورها على المستوى المعرفي والاجتماعي والتواصلي.

    هذه الضوضاء التي تنتجها "عقلية القرد" الذي يسعى إلى المتعة الفورية،  تطورت ونمت بوثيرة كبيرة بسبب الثورة الرقمية والافراط في استهلاك المواد المرئية، التي تسلبنا أغلى شيء في الحياة يمكن أن نستغله وهو الوقت، إضافة لذلك فقدنا السيطرة على عقولنا، لم نعد قادرين على التركيز على التعلم بشكل جيد وعقلاني.

    كل شيء أصبح سريعا، وعاجل لم تعد لنا القدرة على الجلوس والتأمل لحظة مع أنفسنا، الشيء الذي عزز حالة القلق وفقدان السلام الداخلي، وهذا الأمر واضح في مجال الصحة النفسية، حيث أن الكثير من التقارير تؤكد أن الأمراض النفسية ازدادت بشدة في الأونة الأخيرة خاصة بعد أزمة كرونة وما خلفته من أثار جانبية، على المستوى السلوكي والنفسي خاصة بالنسبة للمراهقين والشباب.

    وهذا ما نراه اليوم نعيش في نوع من الزخم من المعلومات والمعطيات فيدو صورة تغريدة .....، هذه الضوضاء الداخلية وكذلك الضوضاء الخارجية التي بدأت في التزايد بسبب العولمة والجيل الرابع من الثورة المعلوماتية.



    وبالتالي: فإننا جميعا أصبحنا نمتلك عقلية القرد، المتسرع الذي لا يعرف كيف يركز على شيء واحدة مدة طويلة، يمكن أن نتجاوز هذه المشكلة من خلال العلاج السلوكي المعرفي CBT» Cognitive Behavior Therapy» .

    في هذا السياق يوجد كتاب جميل يحاول أن يشرح هذه الظاهرة بشكل مبسط، للكاتب الدكتورة   Jennifer  Shannon  بعنوان لا تُغذِّ عقلية القرد لديك Don’t Feed the Monkey Mind، الذي يقدم طريقة عملية من أجل علاج الاضطرابات التي تحصل بسبب الادمان على مواقع التواصل، التي تمنعنا من الانتباه الجديد والعقلاني. حاولت فيه الوقوف عند أهم الأسباب التي تولد هذه العقلية، ومن ثم الإشارة إلى كيفية منع الأفكار المتقلبة، التي تجعل صاحبها في قلق وتشويش دائم، عبر استخدام “العلاج السلوكي المعرفي الفعال” (CBT

صناعة الغباء

إذن صناعة الترفيه أصبحت خطة عالمية قصد تعزيز البلادة و الاستحمار والاستغباء داخل المجتمع خاصة أن وسائل التواصل إذا وجهت بشكل عقلاني، فإنها يمكن أن تخلق فارقا كبيرا وتساهم في تغيرات سياسية واقتصادية عالمية، لكن القوى العظمى أدركت خطورة هذه الوسائل ذلك عملت على تعزيز ثقافة الترفيه،  لأن مواقع التواصل الاجتماعي غيرت المفاهيم وأصبحت المضامين والمحتويات الفيديوهات القصيرة تنتج بالآلاف أساسا لتلبية رغبات الجمهور. إذن منطق السوق والعرض والطلب زاد الطينة بلة لأن الكل يسعى للربح ولهذا يتم ترويج الأشياء التي يطلبها الناس.

ما هو الحل؟

طبعا الحل لا يوجد في يد أحد، لأن الظاهرة مركبة ومعقدة تتداخل فيها أبعاد اقتصادية واجتماعية ونفسية، وسياسية، لكن بشكل عام على المستوى الفردي نحتاج إلى تعزيز ثقافة نقدية، حول كيفية التعامل مع الوسائط الرقمية، وكيف نحمي خصوصياتنا ونعرف التعامل معها.

بالنسبة للمدمين، على المقاطع القصيرة REELS، يحتاجون محاولة التقليل من مشاهدتها، بدل ذلك توجد العديد من الطرق للحد من تشتت الانتباه؛ نذكر، على سبيل المثال وليس الحصر، محاولة إنجاز مخططات للقيام بالأعمال الضرورية يوميا والالتزام بها قدر المستطاع للتغلب على هذه العقلية.

ثم التخطيط للأنشطة التي نقوم بها  أي التفكير وفق رؤية تجاه المستقبل، وبعدها نحتاج التركيز تجاه موضوع محدد قصد تعلم أشياء مفيدة، من خلال التركيز والحذر من مشتتات الانتباه، خاصة الإدراكية منها، والتي تكون انتقائية لتلبية حاجات ورغبات الشخص نحو الأسهل والأمتع. إذن التركيز على عمل شيء معين ولو مدة نصف ساعة يوميا فإنه سوف يساعد في زيادة نسبة التركيز على المستوى الذهني.


عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات