التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

مجزوءة الوضع البشري: الشخص، الغير... الثانية بكالوريا

 




تلخيص مجزوءة الوضع البشري

يعبر مفهوم الوضع البشري عن توتر ماثل في التقابل الموجود بين مفهومين أساسيين هما مفهوم الماهية ومفهوم الوجود، والذي انقسم الفلاسفة بناء عليه إلى فريقين أساسيين:

 فريق يتحدث عن طبيعة إنسانية، معتبرا أن الإنسان، تحكمه قواعد وشروط قلبية وخصائص ثابتة لا تعرف التبدل، وأن وجوده ليس سوى تحقيقا أو تفعيلا لتلك الطبيعة الثابتة.

وفريق آخر يرفض وجود تلك الطبيعة، مفضلا توظيف مفهوم الوجود، معتبرا أن الوجود لدى الإنسان يسبق الماهية أو أن ماهيته ليست إلا وجوده، لأنه، في الحصيلة، هو مجموع ما يقوم به وما يحققه من مشاريع عبر سيرورة حياته وفق ما يختار، وبما أن الأمر كذلك، تواجهنا صعوبات حقيقية عندما تحاول تحديد وضبط وحصر ما يميز الوضع البشري من خصائص.

هنا يكون الوجود البشري أمام رهانين، إما أن ننظر إلى الإنسان على أساس أنه خالق مطلق لذاته ومحدد لمصيره ومنتج لماهيته وجوده واختياراته، أو تنظر إليه باعتباره نتاجا لشروط موضوعية تحكمه، لكن عندما نتخطى بادئ الرأي ندرك الحاجة إلى مقاربة معقدة في مستوى تعقد الموضوع قيد البحث، مقاربة تنظر إلى الإنسان باعتباره حصيلة لتضافر عوامل موضوعية وأخرى ذاتية متداخلة إلى حد يصعب معه فك ترابطاتها وحل تشابكاتها.

وقد يكون هذا المفهوم بديل حول إشكالية مفهوم الطبيعة البشرية، المشبع بالحمولة الميتافيزيقية. وقد نجد ما قلناه في نص لسارتر نقتطعه من محاضرة ألقاها سنة 1945 بعنوان "الوجودية نزعة إنسانية".



يقول ساتر "إذا كان من المستحيل أن نجد في كل إنسان ماهية كونية يمكن أن نطلق عليها اسم الطبيعة لبشرية، فإن هذا لا يعني عدم وجود ظروف عامة وكونية للإنسان. ليس من قبيل الصدفة أن تحدث المفكرون، اليوم، عن ظروف الإنسان أو عن وضعه Condition، بدلا من أن يتحدثوا عن الطبيعة وهم يقصدون، من تلك الظروف أو هذا الوضع، كل الحدود التي تحدد موقف الإنسان عموم العالم. قد تتغير ظروف الإنسان أو أوضاعه التاريخية؛ فقد يولد عبدا في مجتمع بدائي أو سيد أو بروليتاريا، لكن ما لا يتغير أبدا هو ضرورة أن يوجد في العالم، ضرورة أن يكدح، وأن ينمو ويتطور ويتحسن.

    إن هذه الظروف أو الحدود ليست ذاتية أو موضوعية، ولكنها ذاتية وموضوعية معا فهي موضوعية لأننا تلقاها ونصادفها في كل مكان، وهي ذاتية لأنها جزء من حياة الإنسان.

    من هنا نستنتج أن الوضع البري تحكمه جملة من الأبعاد المختلفة والمتنوعة، تتجلى في البعد الذاتي الذي نسميه فردا والبعد التفاعلي الذي نسميه غيرا والبعد الزمني الذي نسميه تاريخا. وبصفة عامة إذا أردنا أن تحدد المميزات الأساسية للوضع البشري نستطيع أن نعود بها إلى أربعة معالم أساسية نوردها في شكل أزواج كالتالي: الحياة / الموت، الفرد / المجتمع، الحرية / الضرورة، قابلية الإكتمال / المحدودية.

أن يكون الإنسان مشروعا من أجل الموت فهذا ما لا يغرب عن كل شخص، لكنه مع ذلك يرغب في الانفلات من الزمان، إن الفرد يعرف أن المجتمع يسحقه وأن الغير يؤذيه بطرق شتي، لكنه يدرك أيضا أن غياب الغير أكثر أذية من حضوره.

إن تمثل هذه المعالم ومحاولة إدراك كيف تترابط وتتداخل وتتشعب، تجتمع وتفترق، يجعلنا نت التحديات التي على الإنسان أن يرفعها ليحقق ذاته ويمنح وجوده معنی ويعيش حياته حيث يحب ويرغب.




يقول باسكال: "تكمن عظمة الإنسان في كونه يعرف نفسه شقيا. إن الشجرة لا تعرف نفسها شقية. إذن إنه لشقي أن يعرف نفسه شقيا، ولكنه بمعرفته لشقائه لعظيم".  وقد كان القول السقراطي: "أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك"، دعوة لفهم الإنسان لذاته ولوجوده أو وضعه الإنساني، ويعتبر سؤال الوجود أو الوضع البشري من أهم الأسئلة الفلسفية، وذلك لكونه ينهد إلى فهم هذا الوجود، والبحث في أبعاده الأساسية.

 وأهمها: البعد الذاتي الفردي، وذلك من خلال النظر إلى الإنسان باعتباره الأنا أو الشخص، أي بغض النظر عن علاقاته الممكنة مع أي شيء آخر. وأما الثاني فهو البعد الاجتماعي الخارجي، وذلك عبر تجاوز ما هو ذاتي والانفتاح على الإنسان من خلال النظر إليه كعلاقة مع الغير، ما دام الإنسان لا يستطيع العيش في عزلة عن الغير… ثم من جهة ثالثة هنالك البعد الزماني، ذلك أن الإنسان لا يوجد كذات/ شخص فقط، كما لا يوجد من خلال العلاقة مع الغير، بل إن وجوده يتحدد كتاريخ، له بداية وله نهاية، فالإنسان يولد وينمو ويتطور... ومن هنا أهمية التاريخ في فهم الوضع البشري.




 


عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات