مشروع المؤسسة المندمج: دراسة شاملة للإطار النظري والتطبيق العملي
يُعد مشروع المؤسسة المندمج من أهم الاستراتيجيات التربوية الحديثة
التي تبنتها وزارة التربية الوطنية لتحقيق الإصلاح التربوي الشامل. تهدف هذه
الدراسة إلى تقديم تحليل شامل لمفهوم مشروع المؤسسة المندمج، مراحل تطوره
التاريخية، منهجياته المختلفة، ومراحل تنفيذه العملية. كما تسلط الضوء على دور
مختلف الأطر التربوية في إنجاح هذا المشروع وتأثيره على استقلالية المؤسسات
التعليمية. تخلص الدراسة إلى أن مشروع المؤسسة المندمج يمثل رهاناً استراتيجياً
لتعزيز الجودة التربوية من خلال مقاربة محلية وشمولية وتشاركية.
مشروع
المؤسسة المندمج، الإصلاح التربوي، الجودة التربوية، التدبير التشاركي، المنهجيات
التربوية.
-مقدمة:
شهد النظام التربوي المغربي تطورات جوهرية في
العقدين الأخيرين، سعياً لمواكبة التطورات العالمية وتحقيق أهداف التنمية
المستدامة. وفي هذا السياق، برز مشروع المؤسسة المندمج كأحد أهم الآليات الإصلاحية
التي تهدف إلى تجويد الممارسات التربوية والتدبيرية على مستوى المؤسسات التعليمية. حيث يمثل مشروع المؤسسة المندمج نقلة نوعية في
فلسفة التدبير التربوي، من خلال الانتقال من النمط التقليدي المركزي إلى نمط
تدبيري يعطي للمؤسسة التعليمية مساحة أوسع من الاستقلالية في تدبير شؤونها
المحلية، وفق مقاربة تشاركية تُشرك جميع الفاعلين التربويين في عملية صنع القرار
والتنفيذ.
الإطار النظري والمفاهيمي
.1 تعريف مشروع المؤسسة المندمج :
يُعرّف مشروع المؤسسة المندمج بأنه "خطة تربوية تتكون من
مجموعة عمليات إجرائية قابلة للتنزيل، يعدها الفاعلون التربويون المختلفون في
المؤسسة وفق المقاربة التشاركية، بالاعتماد على نتائج المشاورات التي تم إنجازها
مع مختلف الفاعلين في مرحلة التشخيص، ومن منظور محلي شمولي، بهدف تجويد الممارسات
التربوية والتدبيرية ومعالجة الإشكاليات".
2- خصائص مشروع المؤسسة المندمج
1-المحلية:
يتميز المشروع بطابعه المحلي، حيث لا يمكن استيراده من
مؤسسة أخرى وتطبيقه في مؤسسة مختلفة، بل يجب أن ينبثق من الواقع المحلي للمؤسسة
ويستجيب لحاجياتها الخاصة.
2-الشمولية
: يشمل المشروع مختلف مجالات الحياة المدرسية
والعمليات التي تتم في المؤسسات التعليمية، من التدريس والتعلم إلى التدبير
الإداري والمالي.
3-
التشاركية: يقوم
على مشاركة جميع الفاعلين التربويين في إعداده وتنفيذه، من إدارة المؤسسة إلى
الأساتذة والتلاميذ وأولياء الأمور.
4-
الاندماج: سُمي
"مندمجاً" لأنه مندمج مع جميع العمليات والأنشطة التي تتم على مستوى
المؤسسات التعليمية، كما يتضح من استمارة أو شبكة التقييم الذاتي.
3. التطور
التاريخي لمشروع المؤسسة المندمج
.1 منهجية: DECA ديسا
تُعتبر
منهجية
DECA من أهم المحطات في تاريخ مشروع المؤسسة. قبل
البرنامج الاستعجالي، كانت هناك محاولات لتطبيق مشروع المؤسسة، لكنها لم تصل إلى
درجة التعميم ولم تحظ بالأهمية المطلوبة، بل كانت مجرد تجارب محدودة. مع البرنامج الاستعجالي، أصبح مشروع المؤسسة استراتيجية وطنية، حيث
جاءت منهجية DECA مع:
- البرنامج الاستعجالي في المشروع MBP12
- الاستراتيجية الوطنية لمشروع المؤسسة
- مشروع PACEM
المذكرات
المؤطرة لهذه المرحلة:
- المذكرة رقم 73/2009
- المذكرة رقم 121
- المذكرة رقم 125
.2 منهجية: APPAR
تم
تبني منهجية أخرى هي منهجية APPAR، حيث تم التخلي عن DECA من أجل
تعزيز الاستراتيجية الوطنية لمشروع المؤسسة التي بدأت زمن المخطط الاستعجالي.
المذكرة
المؤطرة: المذكرة
رقم 159/2014
خصائص
منهجية
APPAR:
- اهتمت بالمواضيع التي تصب مباشرة في الجانب
التربوي
- لم تهتم بالمجالات الأخرى مثل البناء
والتجهيز والصباغة وغيرها
3.3 منهجية PEMI:مشروع
المؤسسة المندمج الحالي
المذكرة
المؤطرة: المذكرة
رقم 87/2021 (مذكرة التعميم)
الإطار
القانوني:
- تم اعتماده لأول مرة في إطار مشروع
"ثانوية التحدي" (مرحلة التجريب)
- القانون الإطار ومشروعه العاشر من بين
النصوص التي أطرت لمشروع المؤسسة المندمج
.4 منهجية PEMI الجديدة
المذكرة
المؤطرة: المذكرة
رقم 14/2024
المستجدات
التي جاءت بها:
- مسك المشروع واستخراجه من منصة MASSAR
- تطوير آليات المشاورات
- معايير التقييم الذاتي المحدثة
- خطة العمل المطورة
- مؤشرات الاستراتيجية
- التدبير المالي المحدث
4-مراحل تنفيذ مشروع المؤسسة المندمج
.1 مرحلة الانطلاقة :
تشمل
هذه المرحلة العمليات التأسيسية التالية:
Ø
التواصل
مع الأطراف المعنية
- تحديد جميع الفاعلين والشركاء
- وضع استراتيجية تواصل فعالة
- إشراك الجميع في المشروع منذ البداية
Ø
تشكيل
فريق القيادة
- اختيار أعضاء الفريق وفق معايير محددة
- تحديد الأدوار والمسؤوليات
- وضع آليات العمل والتنسيق
Ø
تفعيل
هيئات تدبير المؤسسة التعليمية
يجب
التأكد من سلامة الوضعية القانونية للهيئات التالية:
- مجالس المؤسسة
- جمعية دعم مدرسة النجاح
- المجلس التلاميذي
- باقي الهيئات ذات الصلة
2- مرحلة التشخيص:
Ø
الورشات
التشاركية تتم هذه العملية من خلال:
- تنظيم اجتماعات ولقاءات مع مختلف الفاعلين، جرد
الحاجيات وتحديد الأولويات، تقديم المقترحات والحلول، تحديد الإكراهات
والتحديات
Ø الفاعلون المشاركون:
- جمعية الآباء وأولياء الأمور، المجلس التلاميذي،
فريق القيادة، مجلس التدبير، الأساتذة والموظفين، الشركاء الخارجيين
Ø
تعبئة
أداة التقييم الذاتي
- الاستفادة من نتائج الورشات التشاركية
- مسك العمليات على منصة MASSAR
- ربط النتائج بالواقع المؤسسي
- تحديد نقاط القوة والضعف
3 مرحلة التخطيط والبرمجة
Ø
تحديد
مؤشرات الأهداف الاستراتيجية:
- تحديد المؤشرات الثلاثة للأهداف
الاستراتيجية لخريطة الطريق
- ربط هذه المؤشرات بالسياسة التعليمية العامة
- ضمان قابليتها للقياس والتقييم
Ø
وضع
العمليات وتحديد أولوياتها:
- برمجة العمليات وفق الأولويات
- تحديد الميزانيات المطلوبة
- تحديد الجهات المساهمة
- وضع الإطار الزمني للتنفيذ
Ø
طبع
وثائق المشروع تشمل الوثائق التالية:
- وثيقة فريق القيادة
- التقييم الذاتي
- المؤشرات الاستراتيجية
- خطة العمل
- وثائق الميزانية
- المحاضر المرتبطة بالمشروع
Ø
المصادقة
والاعتماد:
- مصادقة مدير المؤسسة
- مصادقة المديرية الإقليمية
- توقيع اتفاقية شراكة بين المديرية وجمعية
دعم مدرسة النجاح
4 -مرحلة التنفيذ
Ø
تنزيل
العمليات والأنشطة المبرمجة:
- تنفيذ العمليات على أرض الواقع
- احترام الإطار الزمني المحدد
- تعبئة الموارد المالية والبشرية اللازمة
Ø
التتبع
والمراقبة:
- تتبع مدى تنزيل العمليات من خلال منظومة
القيادة والتتبع على منصة. MASSAR
- الاعتماد على الدليل الإجرائي المحدث
للتدبير المالي لجمعية دعم مدرسة النجاح.
- إعداد تقارير دورية حول سير العمليات.
5-مرحلة التقويم
Ø
التقويم
السنوي
- استخلاص الممارسات الفضلى بشكل سنوي
- الوقوف على إنجازات المشروع
- تحليل ظروف تنزيل برامج العمل
- تقييم النتائج المحققة
Ø
إعداد
الحصيلة
- إعداد تقارير أدبية ومالية شاملة
- توثيق التجارب والممارسات الناجحة
- تحديد التحديات والصعوبات المواجهة
.6 مرحلة الانتقال
Ø
التقويم
الإجمالي
- تقويم شامل لمشروع المؤسسة المنتهي
- جرد حصيلة المشروع
- تحديد النتائج الجيدة والممارسات الفعالة
Ø
الإعداد
للمشروع القادم
- الاستفادة من تجربة المشروع المنتهي
- إعداد مشروع جديد مطور
- ضمان استدامة العمل بالممارسات الناجحة
5- التدبير المالي لمشروع المؤسسة المندمج
يُعتبر
التدبير المالي أحد أهم جوانب مشروع المؤسسة المندمج، حيث يقع على عاتق مدير
المؤسسة بشكل أساسي. ويتضمن هذا التدبير عدة جوانب:
.1 مسؤوليات
مدير المؤسسة
- الإشراف العام على التدبير المالي
- ضمان الشفافية في استخدام الموارد
- التنسيق مع جمعية دعم مدرسة النجاح
- إعداد التقارير المالية
.2 دور
جمعية دعم مدرسة النجاح:
- تعبئة الموارد المالية اللازمة
- تنفيذ العمليات المالية وفق القانون
- التعاون مع إدارة المؤسسة
- تقديم الحسابات للشركاء
.3 آليات
المتابعة المالية:
- استخدام منصة MASSAR للتتبع
- إعداد تقارير دورية
- الخضوع للمراقبة من طرف المديرية الإقليمية
- احترام مساطر التدبير المالي المعمول بها
6- دور مختلف الأطر التربوية في مشروع المؤسسة المندمج
.1 دور
الأستاذ: يساهم الأستاذ في مشروع المؤسسة المندمج من خلال
جانبين رئيسيين:
.1 المشاركة
في هيئات التدبير
- العضوية في المجالس المؤسسية
- المشاركة في الجمعيات
- الانتماء إلى فريق القيادة
- المساهمة في الخلايا واللجان المختصة
.2 الأنشطة
التربوية
- الأنشطة الصفية المرتبطة بالمشروع
- الأنشطة غير الصفية التي تخدم أهداف المشروع
- إبداء الرأي وتقديم المقترحات
- المشاركة في التنظيم والبرمجة
v الإطار القانوني لمشاركة الأساتذة
وفقاً
للنظام الأساسي الجديد، وتحديداً المادة 53 المتعلقة بتقييم الأداء المهني، فإن
"الانخراط في مشروع المؤسسة المندمج" يُعتبر من معايير التقييم، مما
يجعل هذا الانخراط شأن الجميع وليس اختيارياً.
.3 دور
باقي الأطر
- مدير المؤسسة: القيادة والتنسيق العام
- الحارس العام: المتابعة والتنفيذ
- المقتصد: التدبير المالي والإداري
- المفتشون: المواكبة والتأطير
- الموظفون: الدعم اللوجستي والتقني
7-الرهانات الاستراتيجية لمشروع المؤسسة المندمج
.1 تعزيز
الاستقلالية المؤسسية:
تراهن
الوزارة على مشروع المؤسسة المندمج لتفعيل الإصلاح، لأنه يعزز استقلالية المؤسسات
التعليمية، هذا يعني أن المؤسسة تصبح أكثر استقلالية في تدبير شأنها المحلي، مما
يتيح لها:
- اتخاذ قرارات تتناسب مع واقعها المحلي.
- تطوير حلول مبتكرة للتحديات المحددة.
- تعزيز روح المبادرة والإبداع.
- تحقيق مرونة أكبر في التدبير.
.2 الشأن
المحلي الشمولي التشاركي
يتميز
مشروع المؤسسة المندمج بكونه:
v
محلي
- غير قابل للاستيراد من مؤسسة إلى أخرى
- نابع من الواقع المحلي للمؤسسة
- مخلف عن المشاريع السابقة التي كانت تُستورد
وتُنسخ
v
شمولي
- يشمل مختلف عمليات ومجالات الحياة المدرسية
- يتناول جميع جوانب العملية
التعليمية-التعلمية
- يراعي البعد الشمولي للتربية
v
تشاركي
- يساهم فيه الجميع من مواقع مختلفة
- يشرك المجالس والجمعيات وفرق القيادة
- يعتمد على الخلايا واللجان المختصة
8- مشروع مواكبة الأحواض المدرسية
.1 مفهوم
الحوض المدرسي:
الحوض
المدرسي مفهوم جديد جاء في إطار مشروع المؤسسة المندمج، ويتكون من:
- ثانوية تأهيلية (المركز)
- روافدها من الإعدادي
- روافد كل إعدادية من الابتدائي
.2 التجريب
الحالي
(2025)
حالياً
تجري عملية تجريب مواكبة الأحواض المدرسية تمهيداً لتعميمها لاحقاً، حيث:
- كل حوض مدرسي يتم تعيين مواكب له (الميسر)
- الميسر يسهل العمليات على مستوى الحوض
المدرسي
- يكون صلة وصل بين مؤسسات الحوض والمديرية
الإقليمية
- يختص بتدبير مشروع المؤسسة المندمج على
مستوى الحوض
.3 الرؤية
المستقبلية:
التفكير
مستقبلاً في توسيع مشروع المؤسسة المندمج إلى "مشروع الحوض المدرسي
المندمج"، بمعنى:
- مشروع شامل للحوض برمته وليس فقط للمؤسسة
- تنسيق أفضل بين مختلف مستويات التعليم
- استغلال أمثل للموارد المتاحة
- تحقيق تكامل في الخدمات التربوية
9- التحديات والصعوبات
.1 التحديات
التنظيمية :
- ضرورة تفعيل جميع الهيئات بشكل قانوني
- الحاجة إلى تكوين مستمر للأطر
- تحدي التنسيق بين مختلف الفاعلين
.2 التحديات
المالية :
- محدودية الموارد المالية المتاحة
- ضرورة الشفافية في التدبير المالي
- الحاجة إلى تنويع مصادر التمويل
.3 التحديات
البشرية:
- مقاومة التغيير من بعض الأطر
- الحاجة إلى تغيير الذهنيات
- ضرورة إشراك الجميع بفعالية
10- التوصيات والاقتراحات
.1 على
مستوى التكوين:
- تعزيز التكوين في مجال مشروع المؤسسة
المندمج لجميع الأطر
- تنظيم دورات تدريبية متخصصة في التدبير
التشاركي
- إعداد أدلة عملية لتسهيل التطبيق
.2 على
مستوى المواكبة :
- تعزيز دور المفتشين في المواكبة
- إحداث خلايا دعم على مستوى المديريات
الإقليمية
- تطوير آليات التتبع والتقييم
.3 على
مستوى التمويل :
- تنويع مصادر التمويل
- تعزيز دور الشراكات
- وضع آليات شفافة للتدبير المالي
خاتمة:
يُعتبر مشروع المؤسسة المندمج رهاناً
استراتيجياً حقيقياً لتطوير النظام التربوي المغربي وتحقيق الجودة المنشودة. فمن
خلال اعتماد مقاربة محلية وشمولية وتشاركية، يسعى هذا المشروع إلى تعزيز استقلالية
المؤسسات التعليمية وتمكينها من تدبير شؤونها بفعالية أكبر. إن نجاح هذا المشروع يتطلب
انخراط جميع الفاعلين التربويين، من الإدارة التربوية إلى الأساتذة والتلاميذ
وأولياء الأمور، في إطار من التعاون والتنسيق المستمر. كما يحتاج إلى مواكبة
مستمرة وتطوير دائم للآليات والأدوات المستخدمة. مع التطوير المستقبلي نحو
مفهوم "مشروع الحوض المدرسي المندمج"، تتجه الرؤية التربوية نحو
مزيد من التكامل والتنسيق بين مختلف مستويات التعليم، مما يعد بإحداث نقلة نوعية
في منظومة التربية والتكوين.
إن
التحديات موجودة، لكن الإرادة السياسية والالتزام الجماعي من شأنهما أن يحققا
الأهداف المرجوة من هذا المشروع الطموح، والذي يضع المؤسسة التعليمية في قلب عملية
الإصلاح التربوي.
المراجع
والمصادر
- وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي
والرياضة، المذكرة رقم 14/2024 حول مشروع المؤسسة المندمج
- وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني
والتعليم العالي والبحث العلمي، المذكرة رقم 87/2021 حول تعميم مشروع المؤسسة
المندمج
- وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني،
المذكرة رقم 159/2014 حول منهجية APPAR
- القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة
التربية والتكوين والبحث العلمي
- النظام الأساسي الجديد لموظفي وزارة التربية
الوطنية
- الدليل الإجرائي للتدبير المالي لجمعية دعم
مدرسة النجاح