أساطير الإعلام الرأسمالي وآليات التضليل

 



أساطير الإعلام الرأسمالي وآليات التضليل

يعيش العالم اليوم تحت تأثير منظومة إعلامية معقدة تعتمد على ترويج أساطير وأوهام تهدف إلى إبقاء الجماهير في حالة من السلبية والخضوع. هذه الأساطير ليست مجرد أفكار عفوية، بل هي جزء من استراتيجية مدروسة لتشكيل الرأي العام وضمان استمرار الهيمنة الفكرية والسياسية للقوى المسيطرة.

آليات التضليل الإعلامي

الآلية الأولى: التجزئة (Fragmentation)

تقوم هذه الآلية على: تقديم المعلومات بشكل مجزأ ومنفصل، ومنع الرؤية الشاملة للأحداث والقضايا، إضافة إلى التخصص المفرط الذي يمنع الفهم الكلي، وإجبار الجمهور على النظر إلى القضايا من زوايا ضيقة

هذا التجزيء يمنع الناس من ربط الأسباب بالنتائج وفهم الصورة الكاملة للأحداث.

الآلية الثانية: المتابعة الفورية

في عصر السرعة الإعلامية: أصبحت الأخبار سلعاً سريعة التلف، والتسابق لنشر الخبر أولاً أهم من دقته، الشيء الذي لا يعطي الوقت الكافي للتفكير والتحليل للأحداث وفهم عمقها الاستراتيجي والفكري، والقصف المستمر بالأخبار يمنع التأمل

دور الإعلانات في التضليل

الإعلانات التجارية ليست مجرد ترويج للمنتجات، بل أداة لـ: قطع سياق الأحداث المهمة، و خلق حالة من اللامبالاة، و تطبيع المأساة من خلال ربطها بأشياء عادية، إضافة إلى  تدمير التركيز والانتباه

التعليم والسلبية

النظام التعليمي الحديث يساهم في خلق السلبية من خلال:

  • التخصص المفرط الذي يمنع الرؤية الشاملة
  • فصل المعرفة عن الواقع الاجتماعي
  • تربية أجيال مستهلكة للمعلومات بدلاً من منتجة للمعرفة
  • إهمال التفكير النقدي والتحليلي

التلاعب الإعلامي وآليات السيطرة على الوعي العربي

في عصر تدفق المعلومات السريع وهيمنة الإعلام المرئي، تتعاظم أهمية فهم آليات التلاعب بالوعي الجماهيري. حيث تعمل على وضع استراتيجيات للسيطرة على الرأي العام، وكيفية استغلال وسائل الإعلام لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية.

آليات التضليل الإعلامي

المتابعة الفورية وتأثيرها على التفكير النقدي إن المتابعة الفورية للأخبار والأحداث تحرم المتلقي من الوقت اللازم لبناء نماذج تحليلية سليمة. فالتفكير العميق يتطلب:وقت للاستيعاب لابد من إعطاء النفس مساحة زمنية لفهم الأحداث وتحليلها، من أجل بناء نماذج تحليلية

  • بناء نماذج تحليلية: التفكير يحتاج إلى نماذج فهم معقدة تستغرق وقتاً لتشغيلها
  • تجنب النماذج المختزلة: معظم الجماهير تستخدم نماذج تحليلية مبسطة وفاشلة

دور التلفزيون في التلاعب:

التلفزيون لا يقدم ما حدث، بل يركز على ما يحدث الآن - وهذا أعلى مستوى من الفورية. هذا النهج يؤدي إلى: فقدان القدرة على تركيب نموذج صالح للتشغيل،  وضعف في الفهم الدقيق والعميق للأحداث، مما يؤدي إلى سهولة التلاعب بالرأي العام

خصائص المحللين في الإعلام المعاصر

يتم استدعاء "محللين" عبر الهاتف أو إلى الاستوديوهات لتقديم تحليلات سطحية وسريعة. هؤلاء المحللون يتميزون بـ:

  • الاستعجال: تقديم تحليلات في دقائق معدودة لأحداث معقدة
  • التبعية المالية: كونهم مدفوعي الأجر يؤثر على استقلاليتهم
  • الزرع الاستراتيجي: بعضهم مزروعون لخدمة أجندات معينة

الحرب النفسية والتلاعب بالأرقام

علم النفس العسكري الشعوب الغربية، وخاصة الأمريكية، تتحرك وفق منطق المفترس:

  • عندما ترى ضعف الخصم، تزيد من وحشيتها
  • عندما تواجه مقاومة قوية، تتراجع وتعيد حساباتها
  • هذا يفسر أهمية عدم إظهار الضعف في المواجهات

البنية التنظيمية للحرب النفسية

النموذج الإسرائيلي: في الكيان الصهيوني يوجد: مكتب الحرب النفسية تابع لوزارة الدفاع الإذاعة الحاخامية العسكرية لتعبئة الجنود دينياً، حيث يوجد تكامل بين الدعاية العلمانية والدينية

الغياب العربي في المقابل، نجد غياباً تاماً لمفهوم التعبئة النفسية والمعنوية في الجيوش العربية، رغم وجود "مفتين" للجيوش دون دور حقيقي في التعبئة.

القنوات الفضائية: التمويل والأهداف

نموذج الجزيرة

رغم جودتها التقنية العالية، فإن قناة الجزيرة تعمل بميزانية متواضعة:

  • التكلفة السنوية: 30 مليون دولار فقط
  • مقارنة بالقنوات الأخرى: فضائيات عربية أخرى تكلف 300-400 مليون دولار
  • الرواتب المتواضعة: أعلى راتب 7000 دولار مقابل 70,000 في CNN

الفرصة الضائعة بهذه التكلفة البسيطة، يمكن لأي دولة عربية إنشاء فضائيات تخاطب الشعوب الغربية بلغاتها، لكن: لا توجد إرادة سياسية حقيقية، الأولويات منصبة على مصالح ضيقة، و غياب الرؤية الاستراتيجية طويلة المدى

مشكلة التجهيل البنيوي هذه المشكلة... وما تختار أنت أنه متعلم وماهر وله مؤهلات ومهارات. لا لا لا، هذا ما يفتقده الأكثرون وليس الكثيرون - الوعي العميق. تعرف لماذا؟ لأن اليوم الذي أحببت أن أقوله في هذه المحاضرة - يمكن مملة - أن التجهيل بنيوي. فيه فرق بين أن يكون التجهيل عرضياً تصادف نشأ بأسباب معينة ممكن التغلب عليها، وبين أن يكون بنيوياً.

 التجهيل بنيوي:  تساهم فيه حتى مؤسسات المجتمع نفسه. كل المؤسسات تساهم: من مدرسة إلى جامعة إلى كلية إلى مسجد إلى منبر إلى إذاعة إلى حكومة إلى صحيفة إلى تلفزيون. فهذا اسمه تجهيل بنيوي، صعب جداً أن تنجو منه.

فلسفة الاستشهاد الفكري

حتى تكون مفكر متنور يدافع عن قضايا الأمة تحتاج إلى الكثير من القوة والجراءة وتجاوز المصلحة الذاتية، لصالح المصلحة الإنسانية والتي تهم الإنسانية.

الخطوة الأولى: شجاعة التشكك

تعني القدرة على طرح الأسئلة والتفكير خارج الصندوق في معظم الأشياء التي نتلقاها سواء من الكتب أو التلفاز أو أي مكان أخر، أي أن تكون القدرة على فلترة المعلومات والمعطيات التي نتلقاها من أي مكان

الخطوة الثانية: شجاعة البحث  

التسلح بروح البحث والتعلم المستمر قصد الوصول إلى الغايات التي نسعى إليها، معرفيا ومنهجيا أو أي زاوية أخرى.

الخطوة الثالثة: شجاعة الصدع بالحقيقة إذا وصلت إلى الحقيقة أو بعض ملامح الحقيقة، هنا يبلغ الاستشهاد ذروته وينطبق المعنى الاستشهادي - الشهود أيضاً، شهود على الحقيقة وعلى الواقع وعلى الناس وعلى النفس وعلى مصداقيتي كبشر كباحث عن الحقيقة.

تجارب استشهادية

تجربة الدكتور شريعتي.  شريعتي بالذات - وهذا الذي وفر له بصراحة - درس أفكار أخرى غير دينية: الاجتماع والتاريخ. وهذا من أهم الأشياء التي ينبغي أن نبرع فيها وأن نُحسن فيها ونُحلق فيها حقاً جيداً. الرجل عاش معاناة خصبة، جعلته شاهداً وشهيداً للحقيقة فعلاً بأعلى معانيها.

خلاصة وتوصيات

لمواجهة هذا التضليل الإعلامي، يجب:

1.   تطوير الوعي النقدي: التشكك في المعلومات المقدمة والبحث عن مصادر متنوعة

2.   فهم الصورة الكاملة: ربط الأحداث بسياقها الاجتماعي والسياسي الأوسع

3.   مقاومة التجزئة: السعي لفهم الروابط بين مختلف جوانب الحياة

4.   التعلم المستمر: عدم الاكتفاء بالمعلومات السطحية

5.   المشاركة الفعالة: تجاوز السلبية والمشاركة في النقاش العام

إن فهم هذه الآليات خطوة أولى ضرورية لتحرير العقل من قيود التضليل الإعلامي وبناء وعي نقدي حقيقي قادر على مواجهة تحديات العصر.

التوصيات والحلول  على المستوى الفردي

  • تجنب المتابعة الفورية المفرطة للأخبار
  • بناء نماذج تحليلية شخصية معقدة ومدروسة
  • التشكك في المصادر وتنويع مصادر المعلومات
  • إعطاء الوقت الكافي للتفكير قبل تكوين الآراء

على المستوى المؤسسي

  • إنشاء فضائيات عربية تخاطب الشعوب الغربية
  • تطوير استراتيجيات إعلامية طويلة المدى
  • الاستثمار في التعبئة المعنوية للشعوب
  • بناء تكتلات اقتصادية وسياسية عربية

على المستوى الحكومي

  • إعادة النظر في الأولويات الإعلامية والثقافية
  • تخصيص ميزانيات معقولة للإعلام الخارجي
  • تنسيق الجهود العربية في مواجهة الحملات المضادة
  • تطوير المناهج التعليمية لتعزيز التفكير النقدي

خاتمة

إن فهم آليات التلاعب الإعلامي والسياسي خطوة أساسية نحو بناء وعي جماهيري قادر على مقاومة محاولات السيطرة والتضليل. التحدي الأكبر يكمن في ترجمة هذا الفهم إلى استراتيجيات عملية على جميع المستويات، من الفرد إلى المؤسسات والحكومات.

المراجع

  • شيلر، هربرت. سائسو العقول (Mind Managers)
  • ستيجليتز، جوزيف. دراسات اقتصادية حول حرب العراق
  • ديوك، روبرت. الأكثرية المطرودة (Disposed Majority)
  • بورديو، بيير. العنف الرمزي
تعليقات