الرضا والمتعة: فلسفة العلاقة مع الأشياء في
الثقافة المغربية
في
عالم تتداخل فيه المفاهيم وتختلط المعاني، يصبح من الضروري أن نميز بوضوح بين
الرضا والمتعة، فالإنسان منذ نشأته في كنف الأسرة يتشرب قيماً وأصولاً تشكل وعيه
وتحدد علاقته بالأشياء من حوله.
الأصول والتمثيلية الاجتماعية
نحن
المغاربة نقول عن فلان "بنت الناس" أو "ولد الناس"، ونقصد
بذلك أنه يعرف الأصول ويفهم قواعد التعامل. فعندما تأكل السمك وأمامك ضيف، لا تخرج
الشوكة من فمك مباشرة كما تفعل عندما تكون وحدك، بل تضع يدك على فمك وتخرجها بأدب.
وعندما يأتي أحد أحبابك وأنت تتثاءب، ترفع يدك احتراماً لحضوره. هذا ما
نسميه في الفكر الإسلامي "الصيغة التمثيلية" - حيث يقوم الإنسان في
المجتمع بدور له بروتوكول معين يحدد كيف يتحرك، كيف يتكلم، كيف يتصرف. في هذه
التمثيلية، يجمع الإنسان طبعه وشخصيته ورغباته وإرادته، معانيه ونقص معانيه - كل
هذا يستحضره فيما نسميه "الهوية".
الفرق
بين الرضا والمتعة:
المتعة
فعل أو شيء قد لا يتطلب فعلاً محدداً:
- عندما
تسمع الموسيقى دون أن تفعل شيئاً، تحدث لك متعة
- عندما
تشاهد فيلماً، تحدث لك متعة دون فعل محدد
- عندما
تأكل، تحتاج للمضغ والتذوق لتحدث المتعة
الرضا الرضا
مختلف تماماً:
- عندما
ترى أطفالك نظيفين، مؤدبين، لا تحدث لك متعة بل رضا
- تشعر
بالرضا عن بيتك، تقول: "تعبي لم يذهب هدراً، جهدي لم يضع"
- عندما
يحيونك أطفالك بأدب كأنك حاضر رغم غيابك
ثلاثة
أنماط في العلاقة مع الأشياء
في
الحياة الزوجية نجد ثلاثة أنماط للتعامل مع الأشياء (الأموال، الطعام، الملابس،
الأثاث، الهدايا):
النمط
الأول: الحد الأقصى في العطاء
يعتبر
الأشياء هي الغاية والنهاية، يجلب لزوجته وأطفاله أفضل الهدايا، يشتري السيارة
ويضعها باسمها، يشتري الأرض باسمها. كل شيء يدل على حبه من خلال الأشياء.
النمط
الثاني: الحد الأدنى (التقشف المفرط)
لا
يهتم إلا بالحاجات الأساسية. يأكل اللحم، يشرب الماء، يأكل الخضار، خيمة بسيطة.
عندما يرى ابنه يأكل قشر البرتقال بدلاً من اللب، يحسب: "البرتقالة بأربعة
دراهم، ابنك بنصف درهم، أنت تعمل وتعير في ابنك على نصف درهم!"
النمط
الثالث: الأنانية المقنعة
كل شيء
يجلبه معني به هو شخصياً. عندما يشتري خاتماً لزوجته، المهم عنده أن يعرف كل الناس
أنه جلب لزوجته خاتماً غالياً. الغرض الحقيقي هو تمجيد نفسه، وإن بدا أن الأشياء
موجهة للآخر.
إشكالية
الأشياء والمعنى
لماذا
تعيق الأشياء تحقيق السعادة؟ لأن الشخص المضطرب يتعلق بها لمنع انهياره. هذا
التعلق يكشف أن علاقتنا بالمعنى لا يمكن أن تكون إلا عبر الأشياء. عندما يقول أحدهم: "لا أريد شيئاً منك سوى كلمة"، هذه الكلمة
تصبح شيئاً في الذهن مصحوباً بصور من اللحظة التي قيلت فيها، والشخص الذي قالها،
والمكان، حتى الرائحة أحياناً.
الخصاص
في المعنى: هناك مصدران للخصاص في المعنى
المصدر
البنيوي اللغوي عندما تريد التعبير عن شيء لكن لا تجد الكلمات
المناسبة، تبقى تقول: "لا أعرف كيف أقول لك".
خاتمة:
الرغبات المستحيلة
هناك
بنيتان نفسيتان مهمتان:
- رغبة
صعبة الإرضاء
- رغبة
مستحيلة الإرضاء
هذه
البنيات النفسية تعيق المعنى في علاقتنا مع الأشياء، وإذا لم يحضر المعنى، تصبح
الأشياء عبئاً بدلاً من أن تكون مصدراً للرضا والسعادة.
إن فهم
الفرق بين الرضا والمتعة، وإدراك طبيعة علاقتنا مع الأشياء، هو المفتاح لبناء حياة
أكثر توازناً وسعادة في الثقافة المغربية والعربية عموم