فن التواصل الفعال: كيف تجعل كلماتك لا تُنسى
هل تساءلت يوماً كيف يمكن لتحسين طريقة كلامك أن يجعلك أكثر إنتاجية بنسبة 25% دون إضافة مهمة واحدة جديدة إلى قائمة أعمالك؟ إن التواصل الفعال ليس مجرد مهارة إضافية، بل هو أحد أقوى المهارات الذهنية التي نمتلكها كبشر، لأنه عندما تلتصق كلماتك في أذهان الناس، فإنك تحصل على فرصة ذهبية لتحفيزهم، وإقناعهم، والتأثير عليهم، وإعلامهم، وتحريك مشاعرهم. لكن المشكلة أن معظم الناس، بما في ذلك المتخصصون، لم يتعلموا كيفية استخدام هذه القوة بفعالية، لأن أكبر مشكلة تعاني منها البشرية، هي طبيعة التواصل وطريقة التعامل مع الناس بشكل عقلاني ومنطقي:
تكلفة التواصل الضعيف
الأرقام تتحدث بوضوح عن أهمية التواصل الفعال.
تشير الدراسات إلى أن ضعف التواصل يكلف الشركات أكثر من 1.2 تريليون دولار سنوياً.
هذا الرقم الفلكي يعكس حجم الخسائر التي تتكبدها المؤسسات بسبب سوء الفهم وعدم
وضوح الرسائل. علاوة على ذلك، أسمت منصة LinkedIn مهارات
التواصل كأهم مهارة مطلوبة في سوق العمل لعامين متتاليين. هذا يعني أن تعلم كيفية
التحدث بوضوح وإقناع وثقة وبطريقة لا تُنسى ليس مجرد أمر مفيد، بل ضروري وأساسي.
أسس التواصل المؤثر:
في عالم
التلفزيون والإعلام، هناك قاعدة ذهبية: يجب أن تفعل شيئاً في الأسطر القليلة
الأولى، في أول 15 ثانية يجب أن تثير فضول الناس ويجعلهم يريدون سماع ما تريد قوله،
بمعنى أخر أن تستطيع خطف الأنظار في الدقيقة الأولى من التواصل. لأن إتقان فن
الجذب منذ البداية يمنحك القدرة على إعطاء الجمهور سبباً مقنعاً للانتباه، ثم
تقديم شيء يبقى في أذهانهم لساعات أو أيام أو أكثر، إذا كنت بارعاً حقاً في ذلك.
الخروج من منطقة الأمان في التواصل:
مشكلتنا حينما نتكلم أننا لا نتقن أساليب الحديث خارج دائرة النماذج اللغوية والشكلية التي تعودنا علينا في مجال تخصصنا، لكن الحقيقة أن التواصل العام يحتاج إلى مهارات مختلفة عن التواصل المهني، و ما يحدث هو أن هذه الاستراتيجية وأسلوب التواصل، الذي يميل إلى أن يكون مملاً وفارغاً، ينتشر بشكل فيروسي تقريباً في بيئة العمل.
قوة القصص في التواصل لماذا القصص فعالة؟
إذا
أخذت المعلومات الواقعية وضمنتها في قصص، فإن المعلومات تصبح أكثر بقاءً في
الذاكرة بـ 22 مرة مقارنة بمجرد قصف الجمهور بالكثير من الحقائق والمعلومات
والبيانات، لأن الناس تمثل من المعلومات ما يهمها هو الأثر النفسي، لأننا نعلم
جميعا أن العقل يرتبط بالعاطفة والمعلومات التي تدخل إلى أدمغتنا ليست مستقلة عن
النمط العاطفي.
وحينما تريد تقديم عرض أمام الجمهور ابحث عن قصة ملهمة عامة تكون هي الإطار العامة الذي سوف تضم داخله قصصك وموضوعاتك. وبعدها إنشاء التحدي أو التوتر: تقدم مشكلة تحتاج إلى حل، ثم أخيرا تقدم، الحل أو النتيجة للمشكلة التي تعاني منها. لأننا حينما نستثمر في قدراتنا على القيادة والتأثير والنجاح، نستطيع جعل الكلمات لا تُنسى، وفتح الفرصة إلى أشياء جديدة.
قوة تعديل الصوت:
من
أكثر الجوانب التي يُغفل عنها في الخطابة العامة تنوع الأصوات. فكثير من المتحدثين
يُقدمون أخبارًا سارة بنفس النبرة المُسطحة التي يستخدمونها في المعلومات العادية.
"في كثير من الأحيان، يضطر الناس إلى النهوض وتقديم أخبار سارة،
مُشجعة، حول النتائج أو النمو أو المبادرات المستقبلية. لكنهم لا يسمحون لنبرة
صوتهم أن تعكس هذا التفاؤل." الحل يكمن في تنويع نبرة
الصوت. عند مشاركة معلومات إيجابية، ينبغي على المتحدثين رفع صوتهم والسماح
للتفاؤل بالانعكاس في نبرة صوتهم لجعل الرسالة تصل إلى الجمهور بشكل أعمق.
تجنب الفوضى اللفظية
من أكبر التحديات التي يواجهها المتحدثون
الإفراط في الكلام. ينصح المدرب بتسجيل نفسك: "لا توجد أداة أفضل لتحليل
الذات من مجرد تشغيل تسجيل صوتي أو فيديو لعرضك التقديمي". يكتشف معظم
الناس أنهم "لم يتمكنوا من قول ذلك في ٢٠ ثانية بدلاً من دقيقتين".
كلمتان
تشيران إلى الإفراط في الكلام: "وجهة نظر" و"منظور "هذه الكلمات تدل على عدم التمكن من الموضوع الذي أنت قيد
تحليله ومناقشته على المستوى التواصلي.
ما بين الكلام والسكوت يوجد الكثير من المعاني:
يعمل الدماغ
قبل الفم بحوالي 600 ملي ثانية، متنقلاً باستمرار بين الأفكار واختيار الكلمات.
عند التحدث بسرعة كبيرة، "فأنت لا تمنح دماغك الوقت الكافي لتحليل تلك
الأفكار في أجزاء من الثانية" كما أن الأمر يشبه القيادة على طريقٍ ما،
وهناك حفرةٌ ضخمة. وإذا كنت تقود بسرعةٍ كبيرة، فمن المرجح ألا يكون لديك الوقت
الكافي للانحراف وتجنب تلك الحفرة." تُمثل الحفرة لغةً مُفرطةً مثل
"همم" و"لذا".
إن
التوقفات المتعمدة تخدم أغراضًا متعددة، تساعد الجمهور وتعطيه وقت
لاستيعاب المعلومات، وتُظهر الاحترام. "إذا أخذتَ استراحةً أو اثنتين من
التفكير قبل البدء بالكلام، فأعتقد أن الرسالة التي تُرسلها للجمهور هي: أنا أهتم
بمساعدتك على فهم شيء أعمق."
المفردات: البسيطة مقابل المعقدة:
باتباع فلسفة مارك توين في عدم استخدام
كلمة رخيصة إذا كانت كلمة رخيصة تكفي، دائما حاول أن تأخذ الكلمات البسيطة لأنها
سوف تحقق المطلوب وتساعد في إيصال المعنى الذي تريد قوله دون معاناة.
التغلب على قلق التحدث أمام الجمهور:
-1 تقنية التنفس:
الأدرينالين والكورتيزول يدفعان الناس إلى أخذ أنفاس قصيرة
وضحلة، مما يُستنزف رئتيهم من الهواء اللازم للتنفس. أما الارتعاش الذي يُسمع
عادةً لدى المتحدثين المتوترين، فهو عادةً ما يكون نتيجة "قلة الهواء".
الحل: "خذ ثلاثة أنفاس عميقة جيدة على طريقة
اليوغا" هذه التقنية تخفض معدل ضربات القلب بنحو ثلاث نبضات في الدقيقة،
وتوفر الهواء اللازم لاستقرار الصوت.
2-
لغة الجسد المستقرة : غالبًا
ما تتجلى الطاقة العصبية من خلال حركة القدمين، مما يُحدث ما يُسميه "المشي
الثابت
3- التواصل البصري الاستراتيجي يميل المتحدثون المتوترون إلى حركات عيون سريعة تُبرز القلق. بدلًا من ذلك، "اختر أربعة أشخاص حول طاولة مؤتمرات أو أربعة أشخاص من الجمهور" واختر "مستمعين مُشجعين، أشخاصًا يبتسمون ويومئون برؤوسهم، ويُؤكدون لك أن ما تقوله مثير للاهتمام".
4-تأثير
التركيز البصري على الذهني: التركيز البصري يحدد إلى حد كبير
التركيز الذهني. عندما تتنقل عيناك في كل مكان، فإن هذا يؤثر سلبًا ليس فقط على
المتحدث، بل أيضًا على الجمهور الذي يتلقى الرسالة. الهدف هو إقامة اتصال حقيقي مع
الأشخاص في الجمهور، وليس مجرد النظر فوق رؤوسهم بشكل مجرد.
صيغة كوبولا للحكي:
المبدأ
الأساسي استوحى هذا المبدأ من مقابلة مع المخرج الشهير
فرانسيس فورد كوبولا، الذي شارك صيغة تعلمها من أساتذة هوليوود:
1. حدد أفضل ثلاثة عناصر في
عرضك
2. اختتم بالأفضل: ضع أقوى عنصر
في النهاية
3. ابدأ بالثاني: استخدم ثاني
أفضل عنصر في البداية
4. وسّط الثالث: ضع العنصر الثالث في مكان منطقي ومتماسك في الوسط
أهمية فهم الجمهور
"معرفة
جمهورك" مبدأ قديم، لكنه يجب أن يتجاوز مجرد قراءة الوثائق التحضيرية حول من
سيحضر العرض. الأمر يتطلب إجراء استقصاء شخصي عندما تتاح الفرصة والوقت.
الوصول
المبكر والشبكات الاجتماعية:
- الوصول
مبكرًا: احضر
لتناول الإفطار قبل العرض الصباحي.
- العمل
على القاعة: أجرِ أكبر
عدد ممكن من المحادثات التي تستغرق 90 ثانية.
- الاستفسار
المستمر: اسأل عما
هو مهم للحضور اليوم.
فوائد
التخصيص هذا النهج يحقق عدة فوائد:
- التواصل
الحقيقي: يشعر
الجمهور بأن العرض مُصمم خصيصًا لهم
- التخصيص
الواضح: يُظهر أن
هذا ليس عرضًا نمطيًا قُدم لشركة سيارات الأسبوع الماضي.
- التأثير
العاطفي: عندما
يشعر الناس بأنهم مرئيون ومسموعون ومفهومون، يصبحون أكثر تقبلاً للحلول
المقدمة.
التعامل مع الأخطاء والتعافي منها
استراتيجية
"الإعادة الخفية" في المقابلات:
في
المقابلات الإعلامية، يمكن الحصول على ما يُسمى "إعادة خفية" في
نهاية المقابلة:
- التوقيت: عندما
يسأل الصحافي عن أي إضافات أخيرة.
- الطريقة: قل
بعفوية: "أعتقد أننا غطينا كل شيء، لكن أعرف أننا تحدثنا سابقًا عن
دور العاطفة في التذكر، وأريد إضافة فكرة أخرى"
- التنفيذ: قدم
النسخة المحسنة من إجابتك السابقة.
التعامل مع الحساسية المفرطة
- تجنب
الاعتذار المفرط: لا تلفت
انتباه الجمهور لأخطاء لم يلاحظوها
- التحضير المسبق: الإعداد الجيد والتمرين يقللان من احتمالية الوقوع في أخطاء جسيمة
أهم العناصر للتواصل الناجح والجيد:
1-
التشبيه والاستعارة: هذه
الأدوات تساعد في تذكر الأفكار بشكل أفضل وتجعل المفاهيم المعقدة أكثر وضوحًا.
2-
التسميات الإبداعية التسميات
الإبداعية هي تعبيرات تصكها بنفسك، مثل:
- "الاستقالة
العظيمة" (The Great Resignation)
- "الإقالة
الصامتة" (Quiet Quitting)
- "اختبار
فرشاة الأسنان": عندما
سُئل مؤسسو تويتر عن معايير الاستثمار، قالوا: "يجب أن يكون منتجًا أو
خدمة تُستخدم مرتين يوميًا، كل يوم. يجب أن تجتاز اختبار فرشاة الأسنان"
3-أمثلة
عملية من الواقع: في لقاء حول البريكست، استخدم أحد
المتحدثين هذا التشبيه: "لنكن واقعيين، عندما تركت رئيسة الوزراء منصبها،
كانت مثل لاعب شطرنج لم يتبق لديه سوى الملك، وكانت تحركه مربعًا واحدًا في كل مرة
حتى تلقت كش ملك."
هذا
التشبيه حقق عدة أهداف:
- الوضوح: جعل
موضوعًا معقدًا مفهومًا
- التذكر: ظل
عالقًا في ذهن المستمع لسنوات
- الراحة
الذهنية: وفر
"عطلة ذهنية" مدتها 10 ثوان من موضوع مرهق
- التجديد: سمح
للمستمع بالعودة للموضوع بتركيز أكبر
النقاط
الأساسية للتذكر:
1. إتقان التواصل البصري: استخدم
استراتيجية الأرباع الأربعة للتواصل الفعال
2. تطبيق صيغة كوبولا: ابدأ بقوة،
اختتم بالأفضل، وضع الثالث في الوسط
3. الاستفادة من تأثير البداية والنهاية: الخمس
دقائق الأولى والأخيرة هي الأهم
4. فهم الجمهور بعمق: تجاوز الوثائق
التحضيرية واستثمر في التواصل المباشر
5. التعامل مع الأخطاء بذكاء: تعلم
متى وكيف تصحح دون إفراط
6. التكيف مع العصر الرقمي: استخدم الإيجاز
والأدوات السبع للذاكرة
7. التعلم المستمر: ابقَ فضوليًا
ومتعلمًا في جميع جوانب الحياة
ليس الأمر فقط فيما تقوله، بل في كيف تقوله، ومتى تقوله، وأين تقوله، ولمن تقوله.
كل هذه العناصر مجتمعة تصنع الفرق بين رسالة عادية وأخرى لا تُنسى.
"ما
تقوله مهم، لكن كيف تقوله أهم من ذلك"