بيداغوجيا حل المشكلات Pédagogie de la résolution de problèmes
تستند مقاربة التدريس بالكفايات إلى مجموعة من البيداغوجيات
الحديثة في سياق تعزيز إشراك المتعلمين في بناء الدروس وتقويمها. ومن هذه
المرتكزات البيداغوجية نذكر بيداغوجيا حل المشكلات والبيداغوجيا الفارقية
وبيداغوجيا الخطأ وبيداغوجيا المشروع الشخصي للمتعلم.
أهداف بيداغوجيا
حل المشكلات:
يرى الدكتور عبد الكريم غريب أن "بيداغوجيا حل
المشكلات تعتبر من الأساليب الملائمة لعملية تكوين الكفايات، خاصة وأن أسلوب حل
المشكلات يتأسس على فلسفة تسعى إلى تحقيق أعلى درجة من تكيف الفرد مع محيطه، وهو
نفس المسعى الذي تنشده الكفايات."[1] وعليه
تعتبر بيداغوجيا حل المشكلات نموذجا بيداغوجيا ترتكز عليه مقاربة التدريس
بالكفايات بهدف تعزيز فاعلية المتعلم في
بناء تعلماته عبر سيرورة من الأنشطة التعليمية.
تنطلق بيداغوجيا حل المشكلات من الأهداف الآتية:
- إشراك التلاميذ في بناء التعلمات وتقويمها....
- تعزيز دافعية المتعلم وحافزيته الداخلية....
- تنمية مصادر مختلفة للتعلم الذاتي....
- الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية.....
- تنمية التفكير النقدي والإبداعي...
أنواع وخصائص
"المشكلات" :
يواجه المتعلم
وضعية - مشكلة، في سياق وضعية ديداكتيكية قام المدرس ببنائها. وتحتوي هذه الوضعية
مشكلة معقدة تتطلب منه إيجاد حل لها، إما بشكل فردي أو جماعي بإتباع خطوات محددة
ومضبوطة. فيقترح حلا أو حلولا مناسبة وممكنة لمعالجة المشكلة.
ميز ميشال ميندر (Michel Minder) في هذا الصدد بين ثلاثة أنواع من المشكلات:
* مشكلات تلقائية (problèmes spontanés):
غير مخطط لها ديداكتيكيا، تطرح تلقائيا من طرف المتعلم،
وبالتالي فهي مرتبطة بحاجياته وتطلعاته وواقعه...؛
* مشكلات محدثة (problèmes suscités):
يستدرج المدرس
المتعلم إلى وضعها، وتكون مرتبطة بالمقرر الدراسي وأهداف الدرس؛ يعني يتم بناؤها
داخل المقرر الدراسي.
* مشكلات مبنية (problèmes construits):
مشكلات يبنيها المدرس ويوجهها إلى المتعلم قصد الاشتغال
عليها، بحيث تكون منطلقا لبناء الدرس، وهي بالتالي مرتبطة بالمقرر الدراسي وأهدافه.
خطوات "منهجية حل المشكلات":
* طرح المشكل: (التحسيس بالمشكلة وتحديدها)
يواجه المتعلمون
وضعية تحمل مشكلة تدفعهم إلى الشعور بالحاجة إلى البحث عن الحلول المناسبة لها.
* صياغة الفرضيات: (اقتراحات حل المشكلة)
يقترح التلاميذ
حلولا مؤقتة للمشكلة المطروحة.
* فحص الفرضيات: (التحقق من صحة الحلول المقترحة)
يلجأ المتعلمون
بمعية مدرسهم إلى فحص مدى صحة تلك الحلول المقترحة عبر مناقشات أو أنشطة، وذلك
بحسب الموضوع.
* النتائج المتوصل بها: (الاستنتاج - حل المشكلة)
يعلن المتعلمون
بتوجيه من المدرس عن الحلول والنتائج المرجوة.
أهم المهارات الأساسية لبناء الدرس:
1-مهارة التخطيط:
يخطط المدرس للكفايات
المراد تحقيقها (معارف، مهارات، قيم...)؛ يبني الوضعية الديداكتيكية (وضعية-
مشكلة)؛ يضع خطة للعمل يحاول من خلالها خلخلة التوازن المعرفي لديهم؛ يحضر الوسائل
التعليمية...
2- مهارة التدبير: (الإنجاز، التنفيذ)
يحفز المتعلمين، يشجعهم، ييسر لهم، يوجههم... يساعدهم على الإنجاز
بحرية ومرونة...
لا يعلن عن الأهداف والخطة... (الأهداف يتوصل إليها
التلاميذ عند الإعلان عن النتائج)
3- مهارة التقييم:
الهدف من
التقييم هو قياس الحافزية الداخلية للمتعلمين والاعتماد على المجهود الذاتي لديه،
والاستجابة لحاجاتهم، وتعزيز التعلم الذاتي لهم... مساعدة المتعلمين على ممارسة
التقييم (التقييم الذاتي (auto-évaluation) والتقييم المتبادل (co-évaluation)...)
التقييم في بيداغوجيا حل المشكلات يستمد مفهومه الأساسي من التقييم التكويني.
- عملية التقييم لا تنحصر في الحكم النهائي على المنتوج، بل في مراجعة
وتصحيح دائمين من خلال الإحاطة بمواطن النقص.
- عملية التقييم تشخص المنطلقات والمكتسبات والحوافز وتكشف عن معيقات التعلم.
التوظيف الديداكتيكي لبيداغوجيا حل المشكلات:
يتم بناء الدرس انطلاقا من بيداغوجيا حل المشكلات، وفق أربعة مقاطع
أساسية، وهي:
- المقطع 1: تحديد المشكلة (إثارة المشكلة، اكتشافها، الإحاطة بها...)
* الأهداف: إثارة الحوافز
الداخلية للتلاميذ؛ تحسيس التلاميذ بالمشكلة؛ التعبير عن المشكلة وصياغتها...
* ممارسات المدرس: بناء
وضعية - مشكلة؛ تحديد الكفايات والأهداف المتوخاة؛ مساعدة المتعلمين على صياغة
المشكلة وتحديد خصائصها...
* أنشطة التلاميذ: إبراز المشكلة؛ مناقشتها؛ صياغتها...
- المقطع 2: صياغة الفرضيات (الإجابات المحتملة لحل المشكل)
* الأهداف:
تنمية القدرة
على التفكير والتأمل (الحدس، التخمين، الاستبصار...)؛ تنمية القدرة على التجريد
واشتقاق العلاقات والمبادئ والمفاهيم؛ تنمية القدرة على تحديد متغيرات الموضوع
والربط بينها..
* ممارسات المدرس:
يصغي
إلى الأجوبة التي يقترحها التلاميذ لحل المشكلة؛ يشجع على تحديدها وصياغتها
(تسجيلها، عدم الاستهزاء من الأجوبة البسيطة، إبداء الاهتمام بها...)؛ يساعد على
تطوير النقاش حول الفرضيات وعلى تكوين مجموعات بحسب عدد تلك الفرضيات...
* أنشطة التلاميذ:
يستحضرون المكتسبات السابقة (معارف، مواقف، خبرات...)؛ يتأملون المشكلة ويفكرون في عناصرها وخصائصها؛ يعبرون عن رأيهم ويتبادلون الآراء فيما بينهم؛ يصوغون فرضية أو يقترحون جوابا أو حلا للمشكلة؛ مناقشة الفرضيات (الاحتفاظ ببعضها وإقصاء البعض الآخر...).
المقطع3: اختبار
الفرضية: (اختبار الفرضية
اعتمادا على أدلة وتجارب ووقائع...)
* الأهداف: اكتساب عادة التجريب والبحث عن الأدلة؛ اكتساب روح النقد الذاتي
والمراجعة الدائمة للأفكار؛ التدرب على إنجاز تجارب من خلال ابتكار واستعمال
أدوات؛ امتلاك القدرة على الربط بين ما هو نظري وما هو تطبيقي...
* ممارسات المدرس: توفير الأدوات والوسائل؛ يراقب أعمال التلاميذ؛ يشجعهم، يحفزهم، يجيب عن
استفساراتهم...
* أنشطة التلاميذ: يرسمون خطة للعمل؛ يلاحظون، يسجلون، يقارنون، يستشيرون...
المقطع 4: الإعلان عن النتائج
لحظة التقاسم،
يتم عرض النتائج التي هي عبارة عن أجوبة أو حلول للمشكلة المطروحة في شكل خلاصات
وتركيبات واستنتاجات...
* الأهداف: اكتساب القدرة على الاستنتاج وصياغة خلاصات وتركيبات؛ اكتساب القدرة
على التقييم والحكم الموضوعي؛ اكتساب القدرة على الاستثمار أي التعميم والتحويل من
مجال إلى آخر.
* ممارسات
المدرس: الإصغاء إلى النتائج والخلاصات التي
توصل إليها التلاميذ؛ إبداء ملاحظات تدفع التلاميذ إلى المراجعة والتعديل وإعادة
التجربة؛ مساعدة التلاميذ على التقاسم بين المجموعات؛ اتخاذ القرار بتصحيح أو
تعديل أو الانتقال إلى درس آخر بناء على مدى تحقق الأهداف.
* أنشطة
التلاميذ: صياغة نتائج وخلاصات وأجوبة عامة
ونهائية؛ الحكم على نتائج أعمالهم ومقارنتها بأعمال أخرى؛ تعميم النتائج وتفسير
معطيات أخرى...