إن الذات "الحقيقية" لا قيمة لها قياسا "بديلها" الذي لا يعيش سوى في الصور وضمن سيل التعليقات التي يقدمها عن نفسه أو عن "البدائل" الأخرى. فما يرى فيها ليس ذاتا تتحرك ضمن فضاء عمودي تستوعبه العين في كل أبعاده، بل انعكاساتها في شاشات المحمول أو اللوحة.
حيث أصبح كل شيء في الحياة مرتبط بالميديا، الأكل الشرب السفر كل هذه
الأحداث تقودنا إلى الوعي النقدي بمخاطر التقنية على ذواتنا. لقد
أعلنت "المرأة النفسانية" قديمة عن ميلاد "ذات واقعية" اكتشفت
جسدها في استقلال عن "الشيء" (فرويد) واستقام وجودها خارج إكراهاته.
أما "مرحلة السيلفي" فأعلنت ظهور کیان جدید يمكن رده إلى
"ذات افتراضية" حيث سقطت المشاريع الكبرى - في
السياسة والفلسفة والقيم - ولم يبق هناك سوى نمط العيش الاستهلاكي، أضحى كل شيء
رهين بالذات الرقمية. حيث أصبح الطابع الاستهلاكي شاهدا على التغير في العقلية
الإنسانية المعاصرة، لم يعد الكلام نشاطا يعبر عن خاصية من خاصيات الإنسان، إنما الغاية
هي الكلام من أجل "الثرثرة".
لأن هذا النشاط الكلامي لا
يلبي حاجة التواصل أو حاجة التفكير والتعلم والتعليم، بل يعد في ذاته وظيفة
تحتاج إلى موضوع للاستهلاك. اليوم نتواصل فقط من أجل التواصل، بدون مبررات
اجتماعيه، وخارج ما يتطلبه الشرط الاجتماعي في التواصل، وبذلك تبدلت أشكال حضورهم
في الزمنية.
مفهوم الذات في عالم الرقمنة:
أبدعت الذات الرقمية، علاقة جديدة مع العالم والذات، فليس العالم هو
الذي تغير، بل طريقة إدراكنا له هي التي تغيرت، وتحقق ذلك من خلال ظهور وسيط بيننا
وبينه هو هذا الشيء الهجين الحاضر دائما، هو في الوقت ذاته الهاتف والشاشة والآلة
الفوتوغرافية والحاسوب الذي نصفه بالذكي.
سيكولوجية السيلفي.. ظاهرة السلبية أم إيجابية
هل سيؤدي التقاطي لصورتي والقذف بها في شبكة تواصلية في انتظار أن تحصل على جيمات (لايكات) إلى تغيير في علاقتي مع نفسي؟ إلى أي حد يمكن لهذا السيلفي أن يكون فاتحة العلاقة جديدة بين الأفراد؟ خاصة عندما نأخذ في الحسبان إمكانية اختصاره في شاشة، أي إنتاج صور؟
التجربة التواصلية التي نعيشها اليوم أن عشناها منذ مدة طولية، الشيء الذي ساهم في تغيير مفهوم العالم اليوم، أصبح شيئا مختلفة عما تعودنا عليه في السابق. نتأمل حالة الإنسانية قبل ظهور المحمول... لقد كانت عندنا ساعة يدوية لمعرفة الوقت، وكان لدينا قلم لكي نكتب، عوض أن نبعث الرسائل القصيرة، كنا نتحدث مع بعضنا بعضا عوض أن نتبادل رسائل نصية.
كنا نحفظ عن ظهر قلب أرقام أصدقائنا، ولكي نطمئن عليهم كنا نزورهم في منازلهم "بلحمهم وعظمهم"، عوض أن نتصفح حسابهم في الفيسبوك. وعندما كنا نريد أن نعلن عن الحب كنا نقوله بشكل مباشر، إذن فهل اضمحلت قوة الانفعالات عندنا؟ فعلا لم نعد نعطي قيمة للوقت الذي يتطلبه الإحساس بالآخر من خلال خطاب، أو الإنصات إليه أو الاستماع إليه. يبدو أن الهاتف المحمول غير من علاقتنا مع عالم العواطف.
ترويج الذات.. هل السيلفي مجرد صور أم أنه خلق عالما جديدا؟
لقد خلقت الشبكات الافتراضية بالتأكيد دينامية حقيقية للتجمع، ولكنها ساهمت في إثارة جو من القلق والخو، "لقد تسرب ذهنية الاشاعة بسرعة إلى الرسائل المطمئنة. ففي الجمعة مساء والأحد مساء كانت هناك حالات إنذارات كاذبة (مرتبطة بإلقاء مفرقعات)، وقد تداولها الناس في الشبكات الاجتماعية، وساهمت في خلق حالة من الهلع".- أنابيل غروندين- ومن من جهة أخرى ساهمت في تقوية الإحساس بالخوف الذي انتشر بين الناس، بالتأكيد تجمع هذه الشبكات بين الناس، وتجعل من الإنسان كائنا متصلا، لكننا يجب أن نسجل غرابة هذا الرابط: لكن اتصال يزيد في البعد بيننا كل يوم.
وهذا الأمر يجسد المفارقات التي تصنعها الميديا في هذا العصر الذي نعيش فيه كل شيء أصبح مختلفا عن السابق تغيرت العقلية والنظرة العامة لمعنى التواصل من الزاوية الجسدية إلى الزاوية الافتراضية، أو ما يسمى الهوية الافتراضي.