مدخل إلى الخطابة: إشكالية التعريف والتحديد:
الخطابة لغة، من الخطاب والمخاطبة وتعني مراجعة
الكلام، والخطبة تأتي من الفعل خطب يخطب وخطب الخاطب على المنبر وأخطب خطابة واسم
الكلام الخطبة وبذلك هي الكلام المنثور المسجوع وهو مثل الرسالة التي لها أول وآخر،
وفي المعجم الوسيط تعرف الخطابة بأنها "فن مشافهة الجمهور وإقناعه واستمالته
والخطيب هو الحسن الخطبة ومن يقوم بالخطابة في المسجد وغيره ولذا هو القائم بعملية
الخطابة لأنه يقنع الناس بفكرة معينة."[1]
تعرف الخطابة أيضا بأنها مجموع القوانين التي يقتدر بها على
الإقناع في أي موضوع، وبذلك يحمل السامع على التسليم بصحة المقول وصواب الفعل، ومن
هنا فإن الخطابة تكشف لنا عن سبل الإقناع، أما المناطقة عرفوها بأنها قياس مركب من
مقدمات مقبولة أو مظنونة من شخص معتقد فيه ويسمى هذا القياس خطابيا، أما أرسطو
فعرفها بأنها "الإقناع في أي موضوع سواء أكان يتناول الصحة أو
الهندسة"."[2] أما أفلاطون فعرفها
بأنها "نوع يؤيد القضية وكان بهذا التعريف مقلدا لسقراط".[3] من خلال هذه التعاريف نجد أن
الخطابة تتخذ دلالات مختلفة ومتنوعة.
و إجمالا يمكن القول، الخطابة فن يعبر به
الإنسان عن رأيه ويوضح أفكاره ويبني هدفه وهي فن قائم بذاته، مستقل بموضوعاته، له
قواعد وآداب مثل باقي الفنون، ويعد فن الخطابة فرعا من فروع الفلسفة وذلك بأن
الخطابة أحد أقسام المنطق، إنها من الصناعات الخمسة، فبعد انتهاء الحرب البلوينزية
حرب الفرس ضد اليونان ازدهرت العلوم مثل الشعر والعلوم والفنون فظهرت عوامل ساعدت
على ظهور.[4]
غير أنه يحمل مصطلح الخطابة جملة من الإشكالات
والتوضيحات، الناتج عن ترجمة لفظة Rhétorique والتي تعني
"خطابة" أو "بلاغة" حتى نحدد المفهوم تحديدا دقيقا، لأن الحقل
المعنوي لكلمةRhétorique
لا يطابق في الأعم الحقل الذي تدل عليه كلمة "بلاغة" في
التقليد العربي، وقد كان لبعض الكتاب العرب وجهة نظر في هاته المسألة مثل محمد
العمري ومحمد الوالي وغيرهم. فمصطلح "الريطوريق" Rhétorique يطرح مشكلا في الترجمة هل نترجمه بالبلاغة؟ أم
بالخطابة؟ أم نزاوج بينهما كما فعلت بعض المعاجم، كمعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات
مثلا؟[5] هذه الازدواجية نشأت من الدلالة الثنائية لمصطلح Rhétorique فهي من جهة فن القول والتعبير الأنيق، ومن جهة أخرى الكلام الهادف إلى
الإقناع، ولذا ترجم بعض العرب هذا المصطلح بالخطابة نظرا للجانب الإقناعي الذي
يحضر فيها، كما أن الذين ترجموا Rhétorique ليس من أهل الاختصاص، إضافة إلى أن هذه
الترجمة لم تكن لهدف بلاغي، بل بغرض تتمة الأورغانون، وهناك مبرر آخر هو التداخل
البلاغي والخطابي عند اليونان، إذ يصعب التفريق بينهما، بكونهما متطابقان
ومتلازمان."[6]
لأن الخطابة مع أرسطو أصبحت
صناعة منظمة، ومحددة هدفها إقناع المخاطب بشكل موضوعي وعقلاني، على خلاف الخطباء السابقون عليه، حيث درس كل واحد مجال معين في
الخطابة، غير أن المزية عند المعلم الأول، أنه أخذ من هؤلاء جميعا، فأنشأ علما
ونسقا خطابيا يماثل صناعة الخطابة يجمع بين الجدل والبلاغة أي بين الأمر الحجاجي والأمر
البلاغي، لأنه لا يكفي الخطيب امتلاك الحجج والبراهين.
لهذا
السبب أكد أرسطو على أهمية الخطابة، مادامت مرتبطة بالفعل الاجتماعي وتساهم في
اتخاذ قرارات خطيرة، ف"الخطابة تقنية نافعة مفيدة، يغلب أن تكون ضرورية، وإذا
كان استخدامها خسيسة غير نزيه أحيانا، فليس يجب لوم التقنية، بل التقني. ومع ذلك،
لما نقرأ لاحقا وصايا خطابة أرسطو، فإنا نتساءل إن كانت تؤول إلى تغرير جدير
بالسفسطائيين."[7] لأن الحجج لا يصلح للخطاب
القضائي فقط، بل يصلح أيضا لجميع أجناس الخطاب العمومي، وفي عالم القانون،
والسياسة.
[1]معجم الوسيط المؤلف: مجمع اللغة العربية
بالقاهرة (إبراهيم مصطفى / أحمد الزيات / حامد عبد القادر / محمد النجار) الناشر:
دار الدعوة اسطنبول، ص 343.
[2]أرسطو، الخطابة، ترجمة عبد الرحمن بدوي، دار
الشؤون الثقافية العامة، الطبعة الثانية، بغداد، 1986. ص 39.
[3] يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، بيروت، 1977م، ط1، ص 22.
[6]حمادي
صمود: أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم، مقالة بعنوان،”
في الخلفية النظرية للمصطلح”، مجموعة بحوث نشرت بمجلة كلية الآداب منوبة بتونس، ص 11.
[7]أوليفيي روبول، مدخل إلى الخطابة، ترجمة
رضوان العصبة، مراجعة حسان الباهي، أفريقيا الشرق، الطبعة الأولى، 2017، ص67.