"المفهوم من الدلالة اللغوية إلى الدلالة الفلسفية"
قبل الدخول في الحديث عن أهمية المفهوم في الدرس الفلسفي لابد من الإشارة إلى أنه يصعب إعطاء تعريف جاهز للمفهوم، ذلك أن المفهوم تتعدد معانيه ودلالته حسب السياق والمقام، كما أن المفهوم يرتبط بمجموعة من الآليات و العمليات التي تخص إنتاجه و صناعته، متخذا بذلك تراتبية تفاضلية بحسب أهمية حقله المعرفي و الدلالي الذي ينشأ فيه و يترعرع داخله.
وبناء عليه، قد تم اختيار المفاهيم
كمحتویات و مكونات لبرنامج مادة الفلسفة ، انطلاقا من التوجيهات التربوية الخاصة
بتدريس الفلسفة 2007 التي اعتبرت أن "المفهوم هو الأداة التي بواسطتها يتم
التفكير في القضايا و الإشكالات الفلسفية ، لذلك فإنه يعد مكونا أساسيا من مكونات
التفكير الفلسفي ، و كذا عملية بيداغوجية أساسية للتدريس و التعلم"[1].
إذا يمكن القول أن المفهوم
هو قبل كل شيء، لفظ لغوي ينتمي إلى اللغة الطبيعية التي يتم بها التواصل اليومي
العادي لكنه في نفس الوقت يحمل مضمونا فكريا يتجلى في شكل تصورات ومتمثلات أولوية
تحيل على واقع فعلي أو متخيل. أما في معجم روبير" فيدل على تمثل عقلي عام و
مجرد لموضوع ما"[2] كما يدل
أيضا على "تمثل رمزي من طبيعة كلامية، له دلالات عامة ملائمة لكل سلسلة من
الموضوعات المشخصة و المالكة لخصائص مشتركة"[3] . و يحيل
المفهوم عند دولوز و غاتاري" إلى كونه مفهوم معقد ومركب له مكونات تحدده ،
إنه تعددية إذ لا وجود لمفهوم أحادي"[4]. إضافة
إلى كون المفهوم "لا يحيل إلى مفاهيم أخرى فحسب داخل تاريخه ، و إنما يحيل الى
سيرورته و اقتراناته
الحاضرة كذلك، فيتوفر كل مفهوم على مركبات
يمكن أن تأخذ هي بدورها كمفاهيم (...) فخاصية المفهوم هي جعل المركبات غير منفصلة
بداخله، فهي متمايزة و غير متجانسة ومع ذلك فإنها غير منفصلة"[5]. بهذا
المعنى يمتلك المفهوم بنية مترابطة من الدلالات والمعاني التي يصعب فصلها عن بعضها
البعض.
هذا و قد جاء في معجم
صليبا - الجزء الثاني - : "المفهوم هو ما يمكن تصوره وهو عند المنطقيين ما
حصل في العقل، سواء حصل فيه بالقوة أم بالفعل، فالمفهوم هو المعنى متحدا بالذات.
فإن كلا منهما هو الصورة الحاصلة في العقل، و هما مختلفان باعتبار القصد و الحصول،
فمن حيث أن الصورة مقصودة باللفظ سميت معنى، في حين أنها حاصلة في العقل سميت
بالمفهوم"[6].
غير أن لالاند يطلقه على جميع الصفات المشتركة بين أفراد الصنف الواحد و يسمى
بالمفهوم الإجمالي . كما يطلق على جميع محمولات و القضايا الصحيحة ذات الموضوع
الواحد، كقولنا الإنسان حيوان، الإنسان ناطق و الإنسان فان. ومن بين معاني المفهوم
أنه "لا يطلق على مجموع الصفات المشتركة بين جميع أفراد الصنف فحسب، بل حتى
على الصفات الخاصة بقسم من ذلك الصنف، فعندما نقول مثلا، ( مثلث) ، فهذا الأخير
يمكن يكون حاد الزاوية او قائم الزاوية... بمعنى أن المفهوم الابد وان يكون متضمنا
لإحدى هذه الصفات اضطرارا"[7]..............
إذن، فالمفهوم هو
مجموعة من الأشياء أو الحوادث أو الرموز تجمع على أساس خصائصهم المشتركة العامة
التي يمكن أن يشار إليها باسم أو رمز خاص. و بالتالي فهو إعادة يبنى من تصورات
تحصل من خلال الحواس الخمس ومن التخيلات ومن نتائج الفكر الخيالي، وهذا يعني أن
الطفل قبل أن يبدأ في تشكيل المفهوم لابد وأن يتعامل مع المدركات الحسية الخاصة
بذلك المفهوم ، كلمة تفاحة، سيارة، هي مفاهيم تتكون لدى الطفل نتيجة المدلولات حسية
وتستخدم الرموز للإشارة إليها.
كما أن المفهوم هو
حصول صورة شيء في العقل، فالمعنى الذي أكونه عن العدل مثلا ينتج عن تصوري الشخصي
أو رأيي الخاص، إنها فكرتي أنا عن العدل، وفي المنطق هو معنی عام مجرد يحصل في
الذهن، فالمعنى الكلي للعدل مثلا هو معنى موضوعي، أي مستقل عن ذات المتحدث وخارج
عن ذهنه هذا ما عناه "برجسون" في كتابه "التطور الخلاق "
بقوله : " ليست المعاني الكلية صورا بل رموز"[8].
واذا كان المفهوم هو خلاصة فهمنا للظواهر والقضايا المفكر فيها التي تعمل عل صياغتها في إبداع لغوي مجرد يحيل على وجهة نظرنا أو نظرنتنا حول تلك الظواهر والقضايا، ويصل هذا الابداع في أوجه مع الفلاسفة. فماهي مظاهر اشتغال الفكر الفلسفي اذن على المفهوم؟
[1] التوجيهات التربوية، والبرامج الخاصة بتدريس الفلسفة بسلك التعليم
الثانوي تاهيلي، مديرية المناهج، ملحقة لالة عائشة حسان الرباط طبعة 2007، ص 11
[2] Petit robert, 1981 dictionnaire alphabétique
et analogique de langue français de paul robert. Nouvelle édition le robert.
Paris, p356.
[3] Dubois J. 1973, (D.L.)Dictionnaire de
linguistique, Librairie Larousse, Paris 1994., p110
[4] جيل دولوز ، فيلكس غاتاري، ماهي الفلسفة ، ترجمة مطاع صدفي ، مركز
الإنماء القومي، مركز الثقافي العربي بيروت، الدار البيضاء 1997،ص39.
[5] جيل دولوز ، فليس غاتاري ، ماهي الفلسفة ، المرجع نفسه ،ص42
[6] جميل صليبا، المعجم الفلسفي للالفاظ العربية والفرنسية والانجليزية ، الجزء الثاني دار الكتاب ،ص 403.
[7] نفسه ص 404
[8] محمد عزيز الحبابي ، المعين في مصطلحات الفلسفة والعلوم الانسانية ،
ج1 الطبعة الأولى،1977 دار الكتاب ص 481