التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

اختبار المارشملو وفن التحكم في الذات. ذ.أيوب الوكيلي

 

كيف نعزز قوة الإرادة ونقوي الذات؟



تعتبر الإرادة من المفاهيم الأساسية التي تحدد الوجود الإنساني، من خلال قدرة الإنسان على تجاوز الكثير من الصعوبات والتحديات التي يمر بها في الحياة، ولعل النقاش في مسالة الحرية والإرادة أضحى من الموضوعات التي تشغل بال علماء النفس في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث أظهرت عشرات الدارسات أن قوة الإرادة هي العادة الأساسية الأكثر أهمية بالنسبة لنجاح على المستوى الفردي والجماعي.

إذ قام الباحثون، من جامعة بنسلفانيا بتحليل 164 طالب في الصف الثامن، عن طريق قياس حاصل الذكاء. وجدت هذه الدراسة أن الطلاب الذين يبذلون مستويات أعلى من قوة الإرادة، هم الأفضل فرصة للحصول على درجات أعلى في فصولهم، والفوز بالقبول في مدارس أفضل، لأنهم يقضون وقتا أقل في مواقع التواصل الافتراضي، ومشاهدة التلفاز، بالمقابل يتميزون بدرجة عالية من الانضباط الذاتي.

يمكن القول إذن إن الانضباط الذاتي يترك أثرا على الأداء الدراسي أكبر مما تتركه الموهبة الفكرية، وتشير الدراسات إلى أن أفضل طريقة لتقوية قوة الإرادة، ومنح الطلاب ميزة للتفوق، هي بتحويلها إلى عادة يومية. لأن الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة عالية من التحكم في النفس، لا يعملون باجتهاد، إنما تصبح لديهم قوة الإرادة عادة تلقائية.


 اختبار قوة الإرادة:  تجاربة المارشملو 

هناك تجربة مشهورة - أجريت في الستينيات من القرن العشرين - قام فيها العلماء باختبار قوة الإرادة لدى مجموعة من الأطفال الذين كانوا يبلغون حينها أربع سنوات، حيث كان هؤلاء الأطفال يحضرون إلى غرفة، وتقدم إليهم مجموعة من الهدايا الصغيرة، بما فيها حلوى المارشملو.

كان المشرف على التجربة يعقد مع الأطفال صفقة: يستطيع الأطفال أن يأكلوا قطعة واحدة من حلوى المارشميللو على الفور، أو يمكنهم الحصول على قطعتين لو انتظروا دقائق قليلة، وكان الباحث يغادر الغرفة.  بعض الأطفال يستسلمون للإغراء، ويأكلون حلوى المارشميللو بمجرد أن يغادر الباحث الغرفة، ونجح حوالي 30 % تقريبا في تجاهل دوافعهم، والحصول على هدية مضاعفة عندما عاد الباحث بعد خمس عشرة دقيقة.



نتائج هذه الدراسة:

بعد مرور سنوات، تتبع العلماء العديد من المشاركين في الدراسة، وفي ذلك الوقت، كان الأطفال قد وصلوا إلى المرحلة الثانوية. وسأل الباحثون عن درجاتهم ونتائج اختبار الكفاءة الدراسية، وقدرتهم على الاحتفاظ بالأصدقاء، وقدرتهم على التكيف مع المشكلات المهمة، واكتشفوا أن الأطفال الذين استطاعوا تأجيل عملية الإشباع لأطول فترة، انتهى بهم الأمر بالحصول على أفضل الدرجات الدراسية، وعلى 210 نقاط وأكثر في نتائج اختبار الكفاءة الدراسية.

إضافة لذلك كانت لديهم القدرة على التحكم في مشاعرهم وضبط عواطفهم وسلوكياتهم التلقائية، يبدو أن الأطفال الذين تجاهلوا حلوى المارشميللو، يتمتعون بمهارات التنظيم الذاتي.

هل يمكن تعلم قوة الإرادة والانضباط الذاتي؟

وفي ثمانينيات القرن العشرين، ظهرت نظرية أصبحت مقبولة بشكل عام: قوة الإرادة مهارة قابلة للتعلم، وشيء يمكن تعليمه بالطريقة نفسها التي يتعلم بها الأطفال حل المسائل الحسابية، لكن الأمر يحتاج إلى نوع من الجهد حتى تصبح هذه المهارة عادة تلقائية على مستوى الدماغ والعقل. إذن كيف تصبح قوة الانضباط الذاتي مسألة تلقائية عند الإنسان؟

يتحقق هذا الأمر بابتعاد عن الأشياء التي تستنزف طاقتك الذهنية، لأن الإرادة مثل البطارية لها حدود، وإمكانات إذا استنزافاها في يومك بالكامل فإنك عندما تحتاج إليها لن تجدها.



تجربة علمية: تعزز فرضية قوة الإرادة

كان الطلاب الجامعيون يدخلون ويجلسون أمام الطبقين. وكانت إحدى الباحثات تقول لكل طالب لدينا تجربة علمية: "الهدف من هذه التجربة هو اختبار حاسة التذوق"، كطريقة وهمية للوصول إلى الهدف من الجربة، وتقول للطلبة المشاركين: "تذكروا، عليكم أن تناولوا الطعام الذي خصص لكم فقط". ثم كانت تغادر الغرفة.

غير أن الهدف الجوهري  هو اختبار قوة الإرادة لدى الطلاب، ومن أجل تحقيق هذه الغاية، تلقى نصف الطلاب الجامعيين تعليمات بتناول الكعك، وتجاهل الفجل: بينما طلب من النصف الأخر تناول الفجل، وتجاهل الكعك.

وجد العلماء أن تجاهل الكعك أمر صعب يحتاج إلى قوة الإرادة، وعلى الجانب الآخر، فإن تجاهل الفجل نادرا ما يحتاج أي جهد على الإطلاق: كان متناولو الكعك يشعرون بسعادة بالغة، بينما كان متناولو الفجل يشعرون بالمعاناة، حيث يجبرون أنفسهم على تجاهل الكعك.

 بعد مدة حينما نقيس قوة الإرادة نجدها منهكة عند الطلبة الذين أكلوا الفجل. أنهكت تماما عن طريق تناول الخضار المر وتجاهل الكعك اللذيذ بينما نادرا ما كان متناولو الكعك يبذلون أي انضباط ذاتي.

وبعدها طلب منهم أن يقوموا، بإكمال أحد ألغاز البازل، "متاهة صغير" لغز بسيط للغاية: رسم نمط هندسي، دون أن يرفع القلم الرصاص من فوق الصفحة، أو يمر على الخط نفسه مرتين. وقالت لهم الباحثة: "إذا أردتم التوقف، فدقوا الجرس"، وأشارت إلى أن اللغز لن يستغرق وقتا طويلا.

هنا يطرح السؤال، هل سيستسلم الطلاب الذين استهلكت قوة إرادتهم بالفعل عن طريق تجاهل الكعك، عند حل اللغز قبل الآخرين؟ هل قوة الإرادة مورد محدود؟ بالفعل وجدوا أن طاقت الإرادة تم استهلاكها.

في المتوسط، قضى متناولو الكعك ما يقرب من تسع عشرة دقيقة لكل واحد منهم، في محاولة لحل اللغز، قبل أن يدقوا الجرس. أما متناولو الفجل - مع قوة إرادتهم المستنفدة - فقد تصرفوا بطريقة مختلفة تماما، حيث لم يمضوا وقتا كبيرا ثم قاموا بدق الجرس لأنهم أصيبوا بالإحباط، وعبورا بالقول إن هذه التجربة مملة.

في المتوسط، عمل متناولو الفجل حوالي ثماني دقائق فقط، بما يقل عن متناول الكعك بنسبة 60 بالمائة، قبل التوقف، وعندما سألتهم الباحثة بعد ذلك عما يشعرون به، قال أحدهم: "لقد سئمت هذه التجربة الغبية".

المستفادة من هذه الدراسات، أن قوة الإرادة ليست مهارة، ثابت، إنها عضلة، مثل العضلات الموجودة في ذراعك أو رجلك، وهي تصاب بالتعب عند العمل بقوة حيث تقل القوة المتبقية للأشياء الأخرى.

حيث يقول أحد الباحثين في هذا المجال "مورافن" قائلا: "إذا كنت تريد القيام بشيء يحتاج إلى قوة الإرادة - مثل الذهاب إلى الجري بعد العمل - يجب عليك أن تحافظ على عضلة قوة الإرادة أثناء النهار، إذا قمت باستهلاك كل طاقتك في المقاومة اليوم كامل فلن تستطيع النجاح في تقوية الإرادة."

 هل تدريب عضلة قوة الإرادة سيجعلها أقوى؟



يمكن القول إذن أن الإرادة عضلت تنمو داخل النفس الإنسانية، بشكل مركب ومترابط مع الأنماط الفكرية والأنشطة التي يقوم بها الإنسان في الحياة، مثلا إذا ألزمت نفسك على الانضباط بشكل يومي في ممارسة الرياضة لمدة ساعة مثلا فإن هذا الأمر سوف ينعكس إيجابا على الكثير من الأبعاد الأخرى في حياتك، حيث تتقلص لذلك الكثير من العادات السلبية مثل التدخين، أو مشاهدة التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي لساعات كثيرة، وتصبح قوة الانضباط أكثر فعالية على المستوى النفسي والعقلي. ومنه فإن قوة الانضباط مسألة متحولة وتدور في شكل كامل حول أحداث الحياة بطريقة مركبة.

حيث يقول البحاث  "تود هيثرتون" - "عندما تتعلم إجبار نفسك على الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، أو البدء في أداء واجباتك المدرسية، أو تناول السلطة بدل الهامبرجر، فيمثل هذا جزءا مما يحدث في قيامك بتغيير الطريقة التي تفكر بها. إن المشاركين يصبحون أفضل حالا في تنظيم دوافعهم، ويتعلمون كيفية إلهاء أنفسهم عن الإغراءات. وحالما تصل إلى عادة قوة الإرادة، فإن مخك يتدرب على مساعدتك على التركيز على تحقيق أي هدف."

ذ. أيوب الوكيلي

عن الكاتب

ayoub loukili

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات